لا أستسيغ بكاء الشيعة في ذكرى استشهاد سيدنا الحسين بن علي عليهما السلام، وما يحيط به من ممارسات خاطئة مثل النياحة، وضرب الصدور، ولطم الخدود، وشق الجيوب، والتطبير ، وهو جرح الرؤوس الدامية بالسلاسل.
إلا إن هذا الموقف الدرامي المشحون بالانفعالات، والذي يشبه الملهاة الإنسانية، جعلني أتوقف، وأتساءل .. إذا كان الشيعة ينظمون هذه البكائيات ندما على مقتل شخص واحد وهو الحسين، على ماذا سيبكي السنة ؟.
سنطرح الأمر ونسأل .. ماهي أبرز الأخطاء التي ارتكبها السنة في العصر الحديث؟ ، لا للتشهير والإساءة وجلد الذات، ولكن لكي نمارس أعظم فضيلة، وهي التعلم من الأخطاء .
سيبكي السنة على المذابح التي ارتكبت باسم الاسلام، وطالت الخلفاء الراشدين، وعددا من الصحابة والتابعين، وامتدت إلى اليوم، على يد التنظيمات الإرهابية التي تقتل وتذبح، وفي الخلفية راية "لا إله إلا اله".
لقد فصل البعض الدين عن الدنيا، رغم أن الدين معاملة، وليس مجموعة من الحركات والطقوس، فأفرز ذلك لنا أجيالا من المسلمين تعاني من الفصام، تؤدي العبادات بحذافيرها، ولكن في الوقت نفسه تسرق، وتظلم، وتمارس كل الموبقات.
لقد مول بعض السنة الإرهاب لإسقاط الدول العربية، وايدوا علنا القتل ، وأرسلوا الأموال والعتاد للجماعات التخريبية المتنازعة على السلطة، فسقطت دول، واختفت مجتمعات، وتشرد ملايين من المسلمين الأبرياء في سوريا، وليبيا، والعراق، وتونس، في أكبر مذبحة إنسانية معاصرة.
سيبكي السنة بدلا من الدموع دما، لأنهم فرطوا في الأراضي الاسلامية التي فتحها الرسول وصحابته، بدءا من الأندلس ومرورا بفلسطين، وبغداد، وبنغازي، وسوريا، وبعد أن وصلت حدود الدولة الاسلامية في إحدى الفترات إلى الصين ، أصبح المسلمون لاجئين على حدود الدول يستنجدون بمنظمات الإغاثة الإنسانية.
لقد مارس بعض السنة التشدد في الدين، فضيقوا على الناس، وأمعنوا في الظلم والعنف والتسلط، رغم أن الدين يسر، فأنتج لنا ذلك إما جيلا يرفض الاسلام ويعزف عنه، أو آخرا يبالغ في التطرف، وكان من نتيجة ذلك أن معظم إرهابيي العالم مسلمون.
وتساهل البعض مع الجماعات التي تتحدث باسم الدين فظهرت لنا عشرات الجماعات المتطرفة مثل "الإخوان"، و"القاعدة" ، و"فجر ليبيا"، وأنصار الشريعة"، و"جبهة النصرة"، و"داعش". وهي الجماعات التي شوهت الإسلام، وجعلته مرادفا للإرهاب.
سيبكي السنة لأنهم فرطوا في إرث الأجداد، وأهملوا تعليم الدين الوسطي المعتدل الصحيح، فظهر لنا جيل من المتطرفين، يفسر الدين على هواه ، يغتصب ويسرق ويقتل باسم الدين.
لقد احتكر البعض الحكم، وكفر الديمقراطية، واعتبر مطالبة الشعب باختيار حاكمه زندقة، رغم أن الاسلام دين العدل والشورى والمساواة، فتأسست بذلك الدكتاتورية الاسلامية.
تراجع العلماء الثقات عن دورهم، فبرزت على الساحة فئة من علماء البيزنس، المستعدون دائما لتقديم الفتاوى الجاهزة مقابل المال، فسقطت دول بفتوى كاذبة، وضاعت شعوب بأخرى مماثلة.
البكاء لن يفيد، والمؤمن كيس فطن، لا يلدغ من جحر مرتين، لذلك من الأجدى بدء مراجعات فقهية تنظر في التاريخ الاسلامي بجميع مراحله، ويكون هدفها الأول التعلم من الأخطاء.