بعد قرن من العداء بين واشنطن وهافانا بدأ التقارب بين البلدين، وبعد 43 عاما من الحرب الباردة بين أمريكا وإيران فجأة انتهى كل شيء، وأصبح الاثنان سمنا على عسل، وبدأت أمريكا وأخواتها في الغرب اللائي شاركن في لعبة شد الحبل لسنوات طويلة في إرسال الوفود إلى العاصمة طهران، للفوز بكعكة الـ 100 مليار دولار التي رفع الحجز عنها بعد "الاتفاق النووي".
في لحظة تغير الوضع للنقيض، فلم تعد أمريكا "الشيطان الأكبر" كما كان يقول الإيرانيون، وهو المصطلح السياسي الذي استخدمه مؤيدو الخميني أثناء الثورة الإسلامية عام 1979، ولم تعد إيران "محورا للشر" وهي عبارة أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في خطاب ألقاه عام 2002 ، ليصف به إيران والعراق وكوريا الشمالية، وهذه لعبة السياسة المليئة بالتناقضات، والتي لا تظل على وجه واحد أبدا.
السياسة لعبة المصالح، والذكاء، والمراوغة، والكر والفر، وأحيانا الاستعباط .. المهم أن تربح في النهاية ، الأمر ليس فيه قيم أو مباديء أو علاقات ثابتة أو تاريخية كما تقول البيانات الرسمية، فصديق الأمس قد يكون عدو اليوم، وعدو اليوم قد يكون صديق الغد، وفي التاريخ نماذج عديدة لثنائيات كان العداء يجمعهما أو العكس، فتغير الوضع للنقيض .. فهناك أمريكا واليابان، أمريكا وروسيا، تركيا وسوريا، مصر وإسرائيل ..
معاهد التدريب الدبلوماسية تدرب الدارسين على أن يتخلوا عن المشاعر، ويتعاملون مع الخصم وفقا للظروف والمواقف، وأن يكون الهدف الأساسي هو مصلحة البلاد، لا يمكن لدبلوماسي ناجح أن يحكِّم مشاعره، لأن العامل في هذا المجال تكون قراراته مخالفة لمشاعره، لذلك يمكن اعتبار السياسة أسوأ المهن . لأنها مهنة النفاق والكذب.
السياسة مهنة الأقنعة، أحيانا ترتدي قناع أسد، وأخرى قناع ثعلب، وثالثة قناع أرنب .. وهكذا تتوالى الأقنعة، في مسرح الغابة.
السياسة لا تعرف القواعد، ففيما تكون المخرجات دائما انعكاسا للمدخلات، ولكن في السياسة لا، حيث يمكن جدا أن تقدم الخير فتحصد الشر أو العكس .. تماما مثل لعبة الروليت الشهيرة . تلقي فيشتك وتنتظر النتيجة التي تعتمد غالبا على الحظ.
السياسة فن القدرة على الإقناع، والخداع، والاستقطاب، والتهديد، والترغيب، كالساحر الذي يستخدم كل حيله ومهاراته لإقناعك أن الأرنب دجاجة، وأن الفيل في المنديل.
في لحظة أصبحت واشنطن وهافانا صديقين، وأمريكا وإيران حبايب .. نفس الأمر سيحدث قريبا مع كوريا الشمالية التي وصفها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنها "دولة مارقة"، ويصور الإعلام الغربي رئيسها كرجل مجنون يرتدي كسرولة، ويعدم معارضيه بقذائف صاروخية.
ستظل السياسة ـ لحين إشعار آخر ـ كما قال نزار قباني "دعارة" ويظل الدبلوماسيون يرتدون الأقنعة التنكرية، حتى يأتي زعيم جديد يعيد للسياسة أهم عنصر .. وهو "الأخلاق".