من أغنية رابعة العدوية التي تقول فيها "أحبك حبين حب الهوى .. وحبا لأنك أهل لذاكا" .. إلى "مولانا العاشق" الذي قال "حبيبي ياربنا" تعددت أساليب مخاطبة الله عز وجل.
وعلى مر القرون ظل الكتاب والشعراء يتحرجون في مخاطبة الخالق، يتداولون تعبيرات محددة من الأدعية النبوية وكلام السلف الصالح، لا يخرجون عنها أبدا.. ، إما تعظيما للذات الإلهية التي تعلو كل وصف، وتفوق قدرة كل أديب، وإما خوفا من تابو التقليد الديني الذي يضع حواجز بين الرب والعبد، وفي يده سيف الاتهام الجاهز بالشطح والجنوح، وهي التهم التي طاردت الصوفيين في كل عصر، وفي بعض الأحيان تطورت إلى الزندقة، والكفر، والإلحاد، والعياذ بالله، كما حدث مع توفيق الحكيم الذي كتب "حوار مع الله".
وكان من نتيجة ذلك أن أصبح الأدب الديني أفقر أنواع الأدب من حيث الفن والابداع، ولم ينجح آلاف من المبدعين الذين ظهروا على مر العصور المختلفة في تغيير هذا الواقع .. ، أي نعم ظهرت بعض الاستثناءات لأعمال دينية شعرية ونثرية رائعة ، كـ "البردة" وما كتبه الشعراء على "نهجها" ..، وأعمال مزجت بين الدين والسياسة مثل "رسالة في ليلة التنفيذ" لهاشم الرفاعي، وفي مجال النثر تميزت الدكتورة عائشة عبدالرحمن في كتبها عن "بنات النبي"، و"زوجاته"، وتألق خالد محمد خالد في رصد حيوات "رجال حول الرسول" .. ، وأبدع طاهر أبوفاشا في أغاني فيلم "الشيماء"، وكان ألبوم وائل الجسار "في حضرة المحبوب" علامة فارقة في مجال الأغنية الدينية، .. ولكن رغم ذلك ظلت الأعمال الدينية المبدعة قليلة بالنظر إلى قيمة البعد الديني في حياة المسلمين .
وفيما تطور الإبداع الفني في كافة الأغراض الأدبية، ظل الغرض الديني يراوح مكانه، وحتى عندما تطورت الفنون في العصر الحديث ومن بينها الدراما والسينما . ظلت الأعمال الدينية أعمالا مناسباتية، تقدم على سبيل الواجب، لرفع الحرج، وعانى معظمها من التقليدية والتكرار ، والرتابة، والملل.
ورغم الإمكانات الكبيرة التي توفرت لهذا القطاع، ظهرت معظم الأعمال خالية من الفن، والابداع، والرؤية الانسانية الخلاقة، والسبب في كل ذلك القيود، والمحاذير، ومحاكم التفتيش الدينية.
وقد أدى هذا الحصار إلى ظهور أعمال غنائية خالية تماما من أي صور فنية جديدة، ومنها نص غنائي غناه محمد ثروت مجمع من الأدعية القديمة، وآخر غناه محمد عبده لم يجد كاتبه إلا صورة الشيطان الذي يبول في أذان المرء ليقدمه فيه، قائلا " ويبول في أذنيّ شيطان الكرى".
حتى المسلسلات الدينية عانت من البطء الشديد والمبالغة، والكاميرا الواحدة، والحديث عن الشخصيات المقدسة بلغة الغائب، ولم تنج من هذا المصير سوى قلة من الأعمال تعاملت مع الوقائع الدينية بواقعية مثل "الناصر صلاح الدين"، و"فجر الاسلام"، و"الرسالة".
ولكن الخسارة الكبرى أننا فقدنا عاملا مهما في التأثير، والتعليم، والتنوير، والهداية، والدعوة . وهو "الإبداع الديني"، فبات العمل الديني تقليديا لا يؤثر في المستمع، وأصبحت النصوص الدينية غارقة في الوعظ والإرشاد، خالية من الفن والتأثير.
أزيلوا الحواجز بيننا وبين الله، ودعونا نعبر عن الحب الإلهي بكل الصور والفنون العصرية..، .. دعونا نستمتع بالعشق الإلهي دون قيود..، دعونا نبدع في الوصف الإلهي دون محاذير، ونحوله إلى موضة، وهواية، وتيشيرتات، ورنات موبايل، وأسلوب حياة .