رغم فرحي وشماتتي في الخونة والعملاء الذين فضحتهم التسريبات المختلفة، إلا أنني قلق جدا من عودة هذا الأسلوب التجسسي مهما كان الهدف منه.
كلنا نشعر بالتسلية والفضول عندما نستمع إلى تسجيل يفضح عمالة ناشط، وتآمر حاكم، وانحراف مسؤول، ولكن بعد فترة نصطدم بالأسئلة، فرغم أن هؤلاء يستحقون الفضيحة، إلا أن هوية من قام بالتجسس عليهم تثير القلق .
لقد تصورنا أننا تخلصنا من هذا الأسلوب القذر بعد صلاح نصر، والقضاء على مراكز القوى، في "ثورة التصحيح" التي قام بها الرئيس السادات عام 1971 ، وبعد أن كانت هناك إدارة خاصة في البوليس السياسي لتصوير الناس في غرف النوم، ولكن يبدو أن الأيدي القذرة لازالت تعمل ضد هذا وضد ذاك .. تعمل ضد الوطن.
الأخطر أننا لا نعرف الجهة التي تقف وراء هذه التسريبات.. حكومية؟، أم خاصة؟، أم شركات الاتصالات؟، أم أفراد؟ . قد يقف وراء ذلك الحكومة أو فصيل منها بعلم الدولة أو بدون ، وقد تقف وراءها جهات خاصة تعمل ضد البلاد، وقد تكون تعمل لصالحها أو لجهات أجنبية، وقد يكون الحكاية وراءها شركات الاتصالات الحكومية، أو الخاصة وما تملكه من إمكانات تسجل دبة النملة، قد يكون وراء ذلك أفراد مولعون بالتجسس على الخصوم، ويستخدمون في ذلك وسائل التقنية الحديثة، وأدوات التجسس التي تباع برخص التراب عن طريق الإنترنت؟.
قد يقف وراء الأمر الإخوان، ولهم سوابق في هذا المجال، منها قيام النائب العام الذي عينوه بالاستعانة بشركة من وراء الدولة لتركيب أجهزة تجسس في مكتبه، وهو الأمر الذي أطاح به، ووضعه خلف القضبان، وكذلك ما بدر من المخلوع مرسي من عبارات إبان أزمة النائب العام السابق عبدالحليم محمود الذي حاول الإخوان خلعه وإبعاده سفيرا في الفاتيكان ، حيث قال مرسي وقتها أن لديه تسجيلات تؤكد قبول محمود العرض، وكذلك الاعترافات التي أدلت بها خلية "أولاد الشاطر" والتي تضمنت أنهم تجسسوا على جهات حكومية، واخترقوا المواقع الرسمية.
وحتى أكون محايدا الحكومة أيضا مشتبه بها في هذا الموضوع، وما يشير لذلك صدور ثلاث تسريبات محددة ضد خصوم سياسيين لها . الأول ضد رئيس حزب الوفد السيد البدوي، والثاني ضد مسؤول عن جهة نقابية اشتبكت مع الحكومة بسبب الاعتداء على أحد أفرادها. والثالث ضد الفريق أحمد شفيق.
قد تكون الحكومة متورطة، وقد يكون المتورط فصيل مارق يعمل بدون علمها، كما يحدث في الأفلام الأمريكية عندما نكتشف في النهاية أن شعبة من الاستخبارات الأمريكية تعمل بمعزل عن الدولة.
قد تكون قطر وتركيا وراء هذه التسريبات بالنظر إلى التنسيق عالي الدقة بين مطلقيها وإدارة قناة "الجزيرة" وسوابق هذه القناة في العمالة والتجسس، وقد يكون المخطط هو خفيف الظل مرتضى منصور الذي هدد الجميع بـ "سيديهاته"؟.
ولا يمكن أن أتناول قضية التسريبات دون أن أتطرق للتسريبات التي ادعى مطلقوها أنها للرئيس السيسي ومدير مكتبه، وبغض النظر عن كونها صحية أم ملفقة ؟، أم جزء منها صحيح ولكن خضع للتجميع والتركيب لتقديم معنى معين . فإن ذلك يعني أن هناك جهة متمكنة ونافذة تعبث بأمن الوطن.
المؤسف هو رد فعل الدولة السلبي تجاه هذه التسريبات، والاكتفاء بالإنكار، وقد صدمت عندما قرأت تصريحا للبدوي ـ إن صح ـ يؤكد فيه أن الرئيس السيسي أنكر، وأقسم بالله أنه لا علاقة له بهذه التسريبات.
لا يصح أن نتعامل مع هذه التسريبات كما نتعامل مع تلفزيون الواقع، نتفرج ونتسلى ونستمتع بفضائح الناس، ثم ينصرف كل منا إلى عمله، لأن من يتجسس على عدو الدولة لن يتورع في التجسس على الدولة ذاتها.
مهما كان مصدر هذه التسريبات عدو أم حبيب، ومهما كانت تصنيفها حقيقية أم ملفقة، فإن النتيجة التي تفضي إليها هي أن المجتمع المصري كله مخترق، وأن هناك أيدي قذرة تعبث بأمن الوطن، وهو ما يستلزم ثورة تصحيح جديدة عاجلة.