تيار من البرودة القارصة شدني بمجرد نزولي من الطائرة، سرعان ما بدده دفء استقبال مسئولي السفارة المصرية في كوبنهاجن أشرف محمود ، ومحمد عاشور، ولافتة باللغة العربية عليها اسم أعرفه جيداً.. إنه اسمي، شددت على يديهما بحرارة، شكرتهما على حسن الاستقبال، واعتذرت لهما عن تأخر الطائرة ... أخبرتهما أن هذا ليس غريباً على الدبلوماسية المصرية الذكية الودودة، وانطلقت بنا سيارتهما القنصلية في شوارع المدينة الجميلة الخالية لتصل إلى الشقة التي سأقيم بها.
من هذه اللحظة بدأت رحلتي الصحفية المثيرة في الدنمارك ..
.... "صدمة حضارية" .. هكذا قيل لي في تفسير الوضع الناتج عن الدخول في هذه التجربة، فالصورة مختلفة، الوجوه والجغرافيا والمناخ والشوارع والبيوت والعادات والتفكير والمشاعر، اختلاف كلي لا تخطئه العين، هناك من يسمي هذه الحالة انبهاراً، ولكن مصطلح الصدمة يكون أكثر تعبيراً، صدمة الخروج من عالمك، وصدمة الدخول إلى عالم آخر ..! ..
طريق "هويا تستغوب"، حي "فودوفغا" الذي أقطن به، القطارات الأنيقة، الابتسامة التي تزيح الهم تقابلك في كل مكان، في الساحات والمحطات ومكاتب البريد، بسمة ترد الروح كما يقول التعبير العامي المصري الخطير، مقر عمدة كوبنهاجن العريق، مبنى الحكومة الدنماركية بتماثيله العريقة، الفتاة الدنماركية التي تعمل وتريد أن تعبر عن نفسها، "التيفولي" أشهر معلم ترفيهي يطلق صواريخه النارية كل أسبوع لتتحول سماء المدينة إلى شعلة من الضوء والدهشة والفرح، المسارح والمتاحف والحدائق الجميلة، .. مؤتمرات انتخابية صاخبة، ومرشحون، ولافتات، المركز الإسلامي بقبته الكبيرة المميزة، مسلمون من دول العالم، مسلمون لا يعرفون العربية، مسئولون وطلبة، أرقى الأماكن وأحطها، الشباب الدنماركي في القطارات والميادين والمحلات يتحرك بحماس ويعشق الحياة، مواطنات متزوجات من عرب، لاجئون عرب، القصر الملكي، والمتاحف، والحدائق، والميادين ..