في الدنمارك العمل له وقت، واللهو له وقت، إذا أتيت شخصاً وقت العمل، وطلبت منه طلباً ، أو حتى سألته سؤالاً لا تندهش إذا اعتذر ، والسبب أن ذلك وقت العمل، حتى بائع اللوحات الغلبان الذي يجلس في الشارع، وأمامه مجموعة من اللوحات – هذا كل عمله لا يخترع ولا يفعل شيئاً –عندما طلبت منه التقاط صورة له، امتعض وقال لي: "هذا وقت العمل"، فقلت في سري، وأنا ألتقط الصورة "هل تخترع الذرة يا خيّ"، كذلك فعل رئيس الحرس الملكي أمام أميللين بورج القصر الملكي، وقال لي بأدب "آسف لا أستطيع الآن، هذا وقت العمل".
وحب العمل وتقديس وقته من أجمل الصفات التي وجدتها هنا، إن أجمل ما يتميز به المجتمع الغربي عموماَ قدرته على إدارة الوقت، ولعل من الدلائل على شعورهم بأهمية الوقت.
في الدنمارك وفي أمريكا ومختلف العواصم الغربية يتعاملون بالساعة، الساعة بـ 60 دولار، أو 100 دولار، .. وهكذا ..، مما يؤكد اهتمامهم بالكيف قبل الكم، كما يؤكد القيمة الكبرى للوقت لديهم.
الساعة لها ثمن، فما بالك باليوم كله، تأمل معي وتحسر على العامل المصري الذي ذكرت إحدى الدراسات أنه الأقل في العالم من حيث الإنتاج، وهذا لا يدهشنا، فما دام الموظف يقوم بالتزويغ من عمله الحكومي ليعمل سائقاً على تاكسي أجرة في وقت العمل، وما دامت الموظفة تأتي للعمل ومعها "التريكو" لكي تقوم بإعداد "بلوفر" لابنها، و"حلة" المحشي لكي تقوم "بتقويره" في العمل، فلا تستغرب ذلك أبداً، وقل علينا السلام ..!
الغريب أن تراثنا النثري والشعري مليء بأكوام من العبارات والنصائح المسجوعة وغير المسجوعة والتي تدعو إلى الاهتمام بالوقت، منها (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) ، ولكن هذه الأقوال ظلت دائماً مجرد مأثورات، ركاماً نلوكه دون تنفيذ، ألا يدل ذلك على أن الأمة العربية "أمه كلام"، أو "ظاهرة صوتية" كما قال موشى ديان.
ديننا يدعونا إلى النظافة، ولكننا لا نهتم بها، يدعونا إلى الرياضة فلا نهتم بها، يدعونا إلى الكثير من القيم الجميلة، ولكن لا حياة لمن تنادي، لذلك ليس عجيباً أن يتأخر المسلمون هذا التأخر الذي نراه، رغم أنهم "خير أمة أخرجت للناس"، يقول بيتر دراكر "الوقت هو أندر الموارد، ولو لم يمكننا إدارته، فلن يمكننا إدارة أي شيء آخر".
لذلك من المستحيل أن تجد هنا شخصاً واقفاً لا يتحرك، الكل يتحرك، الحركة فعل، والفعل عمل، والعمل إنتاج، وأسلوب حياة، والمحصلة واضحة، هم تقدموا وأصبحوا ينتمون إلى العالم المتقدم، ونحن تأخرنا ، وأصبحنا ننتمي إلى العالم الآخر، أقصد المتأخر.
والسؤال الآن .. لماذا لا نطبق الساعات في العمل في مصر، ونعيد "للساعة"، بل "للدقيقة" قيمتها في نظام العمل، لماذا لا نعيد للوقت قيمته، ونفتح جميعاً أفراداً وجامعات وحكومات ملف "إدارة الوقت" حتى نستطيع إيقاف النزيف .. نزيف الوقت والأمل والمستقبل ..؟