قلنا أن الدنماركيون مولعون بالجمال، ومن البديهي أن هذا الاهتمام سوف يستتبعه بالتالي اهتمام بعناصر ومقومات هذا الجمال، من هذه العناصر البيئة، والبيئة تحافظ على الصحة، وتصنع الجمال، وتعطي القدرة النفسية على الحب والعمل والحياة.
وجمال البيئة تحققه النظافة التي توليها الدولة اهتماماً كبيراً، فالشوارع نظيفة على مدار الساعة، عربات القمامة الحديثة تمر على البنايات في وقت مبكر كل يوم لتأخذ بطريقة آلية محتويات الصناديق الموجودة أمام كل مبنى، ربما تندهشون إذا قلت لكم أن عربة جمع القمامة هي الشيء الوحيد الذي لم استطع التقاط صورة له، والسبب أنها تأتي مبكراً في السادسة صباحاً، تقوم بمهمتها، وتنصرف فوراً، أسمع صوتها وأنا نائم فانهض، وانظر من الشرفة فأجدها غادرت.
عدا ذلك توجد عربات أصغر لجمع القمامة تدور على مدار اليوم في الشارع والميادين تجمع النفايات، أعادتني الذاكرة قسراً إلى شوارع مصر المحروسة الملأى بالنفايات، ووزيرة البيئة التي صرحت "إن الوزارة بدأت خطة لإزالة نفايات من عدة محافظات عمرها أكثر من عشر سنوات"!، وفي تصريح آخر قالت الوزيرة "إن 40% فقط من القمامة ترفع يومياً"، مما حدا بالإعلامي حمدي قنديل للسخرية من هذه المعلومة في برنامجه (رئيس التحرير) متمنياً لقاء مشاهديه في الحلقة القادمة قبل أن تخفيه القمامة.
تذكرت قريتي كمثال للقرى المصرية المنكوبة الملأى بالقمامة والقاذورات، في إحدى زياراتي لها سألت : "أين ترمى القمامة؟"، قالوا لي "في التُرعة"، تصور ...!، "التُرعة" –بضم التاء- فحدث ولا حرج .. فهي مقلب قمامة رهيب يحفل بكل ما تتصوره من قاذورات، ونفايات، وفئران ..
في أحد الأيام كنت أتجول في العاصمة، وأحمل كيساً أنيقاً يحتوي على مجموعة من البطاقات السياحية التي اشتريتها، وكان سعرها 160كرونا، وأثناء تجولي في أحد الميادين تعرفت على صحفي إيطالي كان يعمل في بني غازي بليبيا، أثناء حديثي معه وضعت الكيس الخاص بي على الأرض، وبعد قليل وجدت عربة قمامة صغيرة تدور في المكان، فقمت بتصويرها، فوقف عامل جمع القمامة وابتسم في الصورة، وبعد أقل من دقيقة التفت بجواري فلم أجد الكيس، نظرت حولي لأجد عربة القمامة –التي قمت بتصويرها- تتحرك مبتعدة، الذي حدث أن العربة –التي صورتها- أخذت الكيس بسرعة إلى مصيره المحتوم.
الطريف أنني عندما طبعت الصور دققت في صورة عربة القمامة جيداً فلاحظت الكيس الأحمر الخاص بي موضوعاً في العربة، ضغطت على أسناني بغيظ، وقررت أن لا أخبر أحداً بهذه القصة أبداً.
لاحظ معي .. في دقائق أزيلت القمامة، أما عندنا فقد أزيلت بعد عشر سنوات ..، لذلك نصيحتي إذا ذهبت إلى الدنمارك، لا تضع أي شيء على الأرض، .. ستأخذه عربة القمامة فوراً ..!.
حفاظاً على البيئة ونشراً للجمال أنشأت الحكومة بحيرات صناعية كبيرة، مهدت حولها مضاميراً للمشي والجري، يقوم المواطنون بممارسة رياضة المشي والجري عليها على مدار اليوم، على شاطئ إحدى البحيرات أقيمت محمية للأوز البيض الأنيق، المئات من الأوز تسكن شاطئ البحيرة، لافتة كبيرة معلقة على الشاطئ توضح أن هذه المنطقة محمية للطيور، اللوحة امتدت إليها يد الإهمال، فقام أحد الأشخاص بطمسها بطلاء أسود، يبدو أن الإهمال موجود في كل مكان، حتى العالم المتقدم.
كل أوزة تتمشى مختالة، "من قدها؟"، وتنعم بكل أشكال الرعاية، فهناك من يحضر لها الطعام، وإذا حدث وخرجت أوزة لتتمشى على مضمار الجري، فإن المارة وقائدي الدراجات يتوقفون احتراماً لها، وينتظرون حتى تمر الأوزة بسلام ..!
كل أوزة معلق في أحد قدميها شريط جلدي أخضر اللون، على الشريط يوجد رقم متكرر باللون الأبيض، مما يوضح أن الأوز مسجل بالواحدة، وأن المنطقة محمية طبيعية تخضع لقوة القانون.
إذا زرت هذه المنطقة يجب أن تمشي على أطراف أصابعك، لأنك إذا تورطت وصدمت أوزة، أو أرقت مضجعها، فالويل لك، تذكرت شخصية سارق الأوز التي أبدعتها السينما المصرية وتساءلت .. لماذا لا يسرق أحدهم هذا الأوز ..؟.
رحم الله جدتي رحمها الله التي كانت تجلس جلستها الشهيرة، وتقوم "بتزغيط البط" أي تأكيله، وذلك بفتح منقاره باليد، ودفع عدد من حبات الفول بالقوة داخل فمه، وتمريرها باليد من عنقه حتى تستقر في معدته، لا أدري حقيقةً من اخترع هذه الطريقة الغريبة لتأكيل البط والأوز، بط لا يعرف مصلحته ..!، تذكروا جيداً .. نحن ندلل البط كما يدللون الأوز، ولكن الغاية تختلف، فنحن ندلل البط حتى نذبحه، وهم يدللون الأوز حتى يستمتعون بمنظره ..!