تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الشحاذة بالبانتومايم


إذا مشيت في شوارع كوبنهاجن سترى أشياء غريبة، ففيها لا يوجد شحاذون بالمعنى المعروف، ولكن يوجد شحاذون من نوع آخر، ربما لا يتفق معي البعض في تعبير "الشحاذة" هنا، كما لا يتفق ضميري، ولكن صدقوني لا أجد تسمية أخرى لها.

والشحاذون هنا ليسوا كما نظن فقراء ومساكين، أعمى يتلمس طريقه، أو ذا رجل مقطوعة،  أو سيدة عجوز تعترض طريقك وتقول "لله يا محسنين .. حسنة قليلة تمنع بلاوي كثيرة" .. لا الوضع هنا مختلف تماماً، فالشحاذون هنا يرتدون الملابس الأنيقة، ويدخنون أفخم أنواع السجائر، شباب أو فتيات تجدهم أمامك في الشارع يطلبون "الحسنة" .. ولكن بطرق أخرى ..

في شارع  (Stroget) وهو شارع الفن، أحد الشوارع الرئيسية تجد شاباً ذو ملامح أسيوية يجلس على كرسي على جانب الطريق،  وفي يده آلة تشبه الربابة، يعزف عليها في هدوء معزوفات جميلة، وأمامه حقيبة مفتوحة، يقف المارة حوله يستمعون إلى عزفه،  ومن يستحسن منهم العزف يضع له في حقيبته المفتوحة عملات معدنية من الكرونا، ولك الحرية في أن تقف لتستمع،  وتمضي دون أن تدفع شيئاً..

مشهد آخر لسيدة جميلة ممتلئة، شقراء، ذات ملامح رومانية، تجلس على مقعد في الشارع جلسة لا تخلو من الأرستقراطية، في يدها آلة الأبوا تعزف عليها معزوفات حزينة، وأمامها أيضاً الحقيبة التي تتلقى بها "الحسنة" من المارة المستمعين ..

مشهد آخر لرجل ستيني يفترش الأرض على سجادة طويلة فارداً قدمه اليمنى أمام المارة، وفي يده آلة موسيقية خشبية عجيبة الشكل يسندها بقدمه، يعزف عليها بطريقة النفخ، وعن طريق النفخ المتواصل تصدر الآلة صوتاً غريباً أشبة بالمؤثرات الصوتية السينمائية، ولا شك أن مثل هذه الآلة وشكلها غير التقليدي قادران على جذب عدد لا بأس به من المارة ليقفوا ويستمعوا إلى العزف الغريب،  ويضعوا في حقيبة الرجل العملات المعدنية.

وليس شرطاً أن يكون العازف شخصاً، ربما تكون فرقة كاملة تقف في أحد الشوارع أو الميادين، بها عازف للأورج وعازف للكمان وعازفة عود، فهذه مثلاً فرقة يرتدي أعضاؤها عباءات ذات لون متحد مميز، ملامحهم وأزياؤهم تدل على أنهم من المكسيك، يعزفون في الشارع معزوفات جماعية جميلة، والمارة يقفون في دائرة كبيرة حولهم يستمعون، ويعبرون عن إعجابهم بالتصفيق والنقود، والحقيبة الموجودة أمام الفرقة على الأرض والتي يتلقون فيها "الحسنة" يوجد بها عدد من الـ CD)) مسجل عليها بعض أعمال الفرقة، سعر الـ (CD) الواحد 100 كرونه.

وهكذا وأنت تمشي تقابلك الوجوه ..، هذه فرقة أخرى ملامحها إيطالية تقدم أعمالها في أحد الشوارع، قائدها منعكف على العزف على الأورج باهتمام شديد كأنه في مهمة وطنية، بينما تجلس فتاة جميلة على كرسي ممتلئة القد، تحتضن في صدرها بحب آلة موسيقية تشبه القيثارة، تطلق بها عزفاً ذا رنين مميز، أما زميلهم الثالث فيعزف على آلة كبيرة غريبة الشكل تشبه الجيتار، وأمامهم الحقيبة التي تحتوي عدداً من السيديهات الغنائية.

ومن الواضح أن أغلب هؤلاء العازفين من الأجانب، يظهر ذلك من ملامحهم وأزيائهم أيضاً موسيقاهم، لذلك لا تندهش عندما تجد شاباً أسود ذو ملامح أفريقية يقف وحده في الشارع،  ويقرع بيديه على طلبة معلقة في  رقبته،  ويغني بصوت عال، وأمامه الحقيبة التي يجمع فيها "الحسنات".
وفي نفس الاتجاه تجد عجوزاً يرتدي ملابس تراثية مميزة يقف في منتصف الشارع يعزف بأصابعه وفمه على آله تشبه الناي.

وليس الأمر مقتصراً على العزف،  ولكنه يمتد ليشمل مظاهر فنية أخرى، مثلاً يقابلك شاب يطلي وجهه بطلاء أبيض وأحمر كالبلياتشو ، وفي يده كرات يلعب بها، ويؤدي حركات مثل حركات البانتومايم التي اشتهر بها الفنان المصري أحمد نبيل، وهذا شاب آخر يقف في منتصف الميدان،  ويتجمع حوله عدد كبير من المارة في دائرة كبيرة، يؤدي هذا الشاب حركات كوميدية تدفع الناس إلى الضحك، ويقهقه الناس أكثر عندما يقوم الشاب بتقليد المارة سواء أكان رجلاً أم سيدة في مشيهم وحركاتهم ببراعة فائقة.

وهذا شاب يبيع البالونات، ولكنه ابتكر طريقة طريفة لجذب الزبائن، يحمل منفاخاً في يده ويقوم في ثوان بنفخ عدد من البالونات الملونة، ويصنع منها بيديه وبمهارة عالية قلوب وميكي ماوس وأشكال أخرى طريفة، هو لا يبيعها بالمعنى المعروف، ولكنه يصنع لك شكلاً بالبالونات من بينها شكل قبعة،  وتقدم إليه أنت ما تستطيع من نقود.
بالطبع هذا نوع من الشحاذة، ولكن يمكن القول أنها الشحاذة الراقية، شحاذة بمقابل، تمنح هؤلاء نقودك مقابل الفن الذي يقدمونه، فن تقف بكامل إرادتك لتستمع إليه ..

ربما يرى البعض في هذا الموضوع تفسيراً آخر، كأن يقول أن هؤلاء فنانون مغمورون يريدون تقديم فنهم للناس، ولا ضير أن يكون ذلك بمقابل، ولكن مع ترحيبي بنزول الفن للشارع والالتحام بالناس، ومع أن مجتمعاتنا العربية توجد بها مظاهر شبيهة كالحاوي والسيرك مثلاً، إلا أنني وللحق لم أستسغ أن يقف الفنانون ليقدموا الفن بهذه الطريقة التي لا تخلو مهما تحلينا بالدبلوماسية من الاستجداء، عموماً هذا رأيي..

ولكن الجميل أن هؤلاء الفنانون الشحاذون لا يتعرضون لأي مضايقات، فلا الشرطة تمنعهم وتجمعهم في "البوكس"، ولا الأطفال يلاحقونهم بالطوب، جميع المارة يرحبون بهم ويبتسمون،  ويقفون احتراماً لما يقدمونه، ويعبرون عن إعجابهم بالتصفيق والنقود المعدنية.

وإن كنت قد صادفت حالة واحدة اقترب فيها شرطيان من أعضاء الفرقة، وهمسا إليهما بأدب ببعض الكلمات، فهمت منها أنهما يطلبان منهم التوقف عن العزف، وبدا أن الشرطيين ينظران إلى ساعتيهما، ففهمت أن هناك وقت مخصص للعزف، وأن الشرطيين ينبهان الفرقة لذلك.

في نفس الاتجاه تقابلك في شوارع كوبنهاجن مظاهر فنية أخرى، مثلاً رجل ذو ملامح عربية يجلس على كرسي في الشارع، وأمامه فتاة تجلس على كرسي مقابله، الرجل يرسم بالقلم وجه الفتاة رسماً كاريكاتورياً، ويقوم بإنهاء الرسم في مدة لا تزيد عن 5 دقائق، وسعر اللوحة كما هو معلق على لافتة 50 كرونا.

شاب آخر ذو ملامح عربية أيضاً يفترش الأرض بمجموعة من اللوحات الطريفة، وعلى كل لوحة سعرها الذي يتراوح بين 50 : 100 كرونا، والصور إما لمهرج ضاحك، أو لأطفال يلعبون ، وغيرها من الصور التعبيرية الطريفة التي يمكن أن تعلق في منزلك لتضفي لمسة من الفن والجمال، شاب آخر يحمل في يديه باقات جميلة من الورود ، ويعرض على الجمهور باقاته، والباقة بـ 30 كرونا ..

شاب آخر يفرش لوحاته على الأرض، يرتدي على وجهه قناعاً غريباً يشبه الأقنعة التي يتم ارتداؤها في الحرب الكيماوية، اخترع هذا الشاب وسيلة جديدة للرسم، حيث يستطيع في دقائق قليلة رسم لوحة باستخدام مادة تشبه "الدوكو"، ويستخدم في ذلك رشاشاً صغيراً كالذي يستخدم في دهان السيارات، ويقبل على هذا الشاب ولوحاته عدد لا بأس به من المارة لغرابة الطريقة التي يرسم بها، ويتراوح سعر اللوحة بين 50 ، 100 كرونا.

 وكما أشرت من الواضح أن معظم هؤلاء من الأجانب غير المقيمين في الدنمارك، ولو كانوا من المقيمين بها لعملوا في مهن أخرى أفضل،  لأن الإقامة الرسمية تتيح للمقيم ذلك.

تاريخ الإضافة: 2017-05-28 تعليق: 0 عدد المشاهدات :802
0      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات