تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



تفاعلا مع الأمير كمال فرج .. الحناوي : محسن والجزار من الأجدر بالإمارة؟


القاهرة : خاص .

أرسل الشاعر والناقد عاطف عبدالعزيز الحناوي دراسة نقدية كتبها حول قصيدة "عيون عبلة" للشاعر مصطفى الجزار، وقصيدة الشاعر الراحل الدكتور محمد محسن ، واللتين أثارتا الجدل في الفترة الأخيرة بسبب وجود تشابه بينهما، وهي القضية التي طرحها الأمير كمال فرج في مقالته النقدية "عيون عبله التائهة بين محسن والجزار" والتي نشرت في 26 / 3/ 2016

وكان الشاعر مصطفى الجزار قد أرسل رده الذي نشر بعنوان "الجزار يرد على الأمير كمال فرج : محسن عارض قصيدتي عيون عبلة" في 30 / 3 / 2016

وتفاعل الناقد أحمد محمود أبوالعلا "محمود الرخم" مع الموضوع، وكتب مقالا في موقع "مبتدا" ونشره موقعنا بعنوان "الرخم يرد على الأمير كمال فرج : عيون عبلة .. لا سارق ولا مسروق" نشر في 30 / 3 / 2016.

فيما يلي ما كتبه الناقد عاطف الحناوي عن القضية :

(محمد محسن أم مصطفى الجزار أيهما أجدر بالإمارة ؟
 عاطف عبدالعزيز الحناوي
قضية السرقات الأدبية قضية قديمة جديدة، ومتجددة على الدوام : طالما أن هناك إبداعا و مبدعين, و لصوصا سارقين يطمحون – أي هؤلاء اللصوص - لأن يبلغوا شأوا في عالم الشهرة , بملابسهم المسروقة أو المستعارة على أقل تقدير .
وكم تحدث نقادنا الأوائل عن هذه القضية، وفي العصر الحديث ظهر مصطلح مهم، ألا وهو التناص ,و لكن هل ثمة علاقة بين التناص و السرقة الأدبية ؟ أم أنهما مختلفان ؟ لننظر في المصطلحين ابتداء قبل الشروع في التحدث عن نصين شعريين يتنازعهما ظن السرقة، وربما يصدق الظن وربما يخطئ، وبعض الظن إثم، ولكن الناقد في عمله يشبه عمل الفقيه استنباطا للأحكام ومواطن الإبداع، ولنا أن نحكم بعدها على السارق بما يليق أو نحسبه يليق به وبجريمته المنكرة! .
أولا : المصطلحات (السرقة – التناص)
1-    السرقة :
إن السرقة بغيضة إلى النفوس، يشمئز منها كل من سمعها، وهي عار على من وُصِفَ بها ,ونظرًا لخطورتها وكبر جرمها ; أوجب الله فيها قطع اليد قال الله تعالى: ﴿والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالا ً من الله﴾ المائدة، وهي معروفة وموجودة في كل مجتمع، ويعرفها الكبير والصغير، ومن أسبابها حب التملك ، والفقر والعوز، وحب السيطرة، والإعجاب بالشيء .
وانتقلت دلالتها من الماديات إلى المعنويات «وأصبحت الأفكار الإنسانية موضعًا للسطو تمامًا كالمال و العقار، وحينئذ أدرك المفكرون خطر هذا النوع من السرقات على تراثهم الفكري , فجدوا في تتبعه و محاولة القضاء عليه .
والسرقة الشعرية معروفة منذ القديم ومن الأمم التي عرفتها اليونان والرومان حيث  أشار "أرسطو"  إلى نوع منها حين ذكر أن هناك صورًا تعبيرية قديمة يستخدمها الشعراء نقلاً عن نظرائهم الأقدمين، و"هوراس" يعترف بأنه قلد "أركيلوكس" و"ألكيوس" .
ومن الأمثلة التي وصلت إلينا من العصر الجاهلي ما ذكره "ابن سلام الجمحي"  في طبقات فحول الشعراء , في قوله : «كان قُراد بن حنش من شعراء غطفان، وكان جيد الشعر قليله، وكانت شعراء غطفان تغير على شعره فتأخذه فتدّعيه" .
وكان مصطلح السرقة الشعرية قليل التداول في العصر الجاهلي , ثم ازداد تداولاً في صدر الإسلام و في العصر الأموي , أما في العصر العباسي فاستشرى وانتشر وكثر التقاذف به .
وتحول هذا المصطلح «من الأخذ حرفيًا دون تحوير إلى إطلاقه أيضًا على الأخذ مع ضرب من التحوير , وتبعاً لذلك تطور من القبح المطلق لدى المخضرمين إلى القبح الذي يمكن أن يخالطه إحسان لدى بعض الإسلاميين المتأخرين  ورأى بعضهم كـ"القاضي الجرجاني" و"الآمـدي" و"ابن قتيبة" و"أبي هلال العسكري" وغيرهم أن الأخذ لابد منه، ولا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه .
فقالوا : إن الأخذ مباح إن أحسن صاحبه فـمن أخذ معنى بلفظه كما هو كان سارقاً، فإن غيّر بعض اللفظ كان سالخاً، فإن غيّر بعض المعنى ليخفيه عن وجهه كان ذلك دليل حذقه ,  فمصطلح السرقة خطير، ولا نطلقه هكذا جزافاً، ويجب التحرز في ذلك، فأول شيء أن يكون أخذ اللفظ والمعنى معاً ، ويوافق "أبوهلال العسكري" "ابن رشيق" في رأيه فيرى أنه « ليس لأحد من أصناف القائلـين غنىً عـن تناول المعاني ممن تقدمهم، والصب على قوالب من سبقهم, و لكن عليهم – إذا أخذوها - أن يكسوها ألفـاظاً من عندهم ويبرزوها في معارض من تأليفهم , ويوردوها في غير حليتها الأولى , ويزيدوها في حسن تأليفها , وجودة تركيبها , وكمال حليتها ومعرضها , فإذا فعلوا ذلك فهم أحق بها ممن سبق إليها و من المصطلحات المرتبطة بموضوع السرقة و دراسته عبر تاريخ الأدب العربي الإغارة والانتحال و المرافدة و غير ذلك من مصطلحات قتلت بحثا في تراثنا النقدي العظيم , و قد حدثني الدكتور محمد شحاتة عن التضمين و عن التدميج و ذكر أنهما مصطلحين مهمين في سياق الحديث عن الشعر و قضية السرقة و قضية الإبداع و التجديد و التقليد .
2-    المعارضة الشعرية :
(عرض) لغة : ظهر، و(عارضه) سار حياله، أو أتى بمثل ما أتى به. و(عارض) الكتاب بالكتاب: قابله. وقد جاء في معجم (لسان العرب) أن (المعارضة) هي المحاذاة .
واصطلاحا:  هي أن يقول الشاعر قصيدة في موضوع ما، فيأتي شاعر آخر، فينظم قصيدة أخرى على غرارها، محاكياً القصيدة الأولى في وزنها، وقافيتها، وموضوعها، مع حرصه على التفوق.
وهكذا تقتضي (المعارضة) وجود نموذج فني ماثل أمام الشاعر المعارض، ليقتدي به، ويحاكيه، أو يحاول تجاوزه , و المعارضات كثيرة في تراثنا الأدبي منها مثلا معارضات أحمد شوقي للبحتري و البوصيري و غير ذلك الكثير .
3-    التناص :
أما التناص، فبعيد كل البعد عن هذه المعاني، وما يراد به منه هو نقيضها، فهو امتصاص النص غيره من النصوص وتفاعله معها، بشكل يدل على سعة اطلاع المبدع وثقافته، ومهارته في النسج وإعادة الإنتاج، ولذلك فهو محمود ولا مفر للمبدع منه.
التناص قد يكون عن قصد ووعي، ولكنه في الغالب يكون عن غير وعي.
 لا شأن للتناص بهذا الصراع ولا بالسبق الزمني، فمنهجه وظيفي؛ لا يهتم بالنص المأخوذ منه، أو النص الغائب، وإنما كل همه النص الجديد الذي امتص النصوص الأخرى وحوّلها – تشبه العملية التناصية عملية البناء الضوئي أو عملية التمثيل الغذائي , حين تتحول المواد الخام إلى مواد جديدة من خلال عملية ديناميكية متماسكة - ، وعلى ذلك فإن الأمر يتطلب مجهودا قرائيا من الأديب و القارئ على حد سواء، أي أن التناص يوسع ملكة الإنتاج لدى المبدع , و ملكة القراءة لدى المتلقي فهو أمارة على سعة الاطلاع، وربما اتخذ النقاد نسبة الخيوط الإبداعية القديمة - زادت أو قلت - في النسيج الإبداعي الجديد دليلا و مؤشرا على درجة استقلالية الأديب وعبقريته أو خضوعه للمتقدمين عليه على حد تعبير الدكتور محمود المقداد .
ننتقل بعد هذه المقدمة التي كان لابد منها إلى الحديث عن النصين الشعريين قيد البحث ...
وأقدم النصين كاملين أولا، ثم بعض التحليل الفني :
 
انسحب ياعنترة
محمد محمد محسن                          
أغمد حسامك وانسحـب يا عنترة
 سلّم لجرذان الحقـول القسـورة
فعيــــــون عبلةَ تستجـير و قلبها
 استعبدوه  فمن  له  ليحـرره
هل غادر الأوغاد من متــردّم
وطن الحبيبة من غــزاه ودمّره
كل التواريخ القديمة شاهـدات
.. أنّ سيفك كالجحــيم  مسعَّرة
هل أنبتت فيك الحداثة بدعـة ؟
فضللت دربك فى خطى متـعـثرة
أم صرت ذيل الأجنبيّ وعبــدهُ
 ترجو الفتات وتستدر المغفـرة 
أيناكَ من حرب الكواكب والفضــا..
 ئيات  والتلفــاز.... أين المقــــدرة
وقنابلا ذرية والليزر اخترق
 المدى كي يدحره
يا فارسا ساق النعاج أمامه 
فرت جيوش الجبن تصرخ عنتره
اجتر شعرك فالمفاخـــــــــــر كلها
فى عالم الد سكوهراءٌ.. ثـــرثــرة
سقطت من الأفلاك شمسك حينــما
سرقوا من العقد الثمين الجوهـرة
أوددت تقبيل السيوف أم  الصـــواريخ
  الرهيبة  و القنابل  ممطـرة
قبّل  ثرى  بغدادَ  عبلة  إنمـــــــــا
 ثغر الحبيبة  مزقته  المجــــــزرة
وابعث لها فى القدس عذرا عبلتى
ما عاد يجدى الحب..إنك مجبــرة
قد شوّه الأوغاد وجهك فاصـبرى
وتضرعى  لله  ينصرْ  عسكـــره
ما عاد فى سيفى وشعرى حيـــلة
تنجيك من أنياب غيلان  الشــــرَه
فدماؤنا  ولحومنا  وعظــــــامنا
 تلقى  بهـا  دبّــــــــابة  لمجـنـزرَة
ماذا تفيد الخــــــيل بين الطائرات
.. أو القذائف والمـــدافع مشـــهَرَة
(لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى)
 وملا صداه الكون فاق الزمجـرة
ولمجلس الأمن اشتكى جرم البغاة
.. أفاض عن ظلم العدوّ وأنــــذره
أضحى  فراتك  يستباح  ونفطـنا
 ذهبا بأيدى الغاصبين ومفخــرة
أمم الكلاب تكأكأوا ليمزقــوا
  جسدا به الأشلاء جِدُّ منفــرة
العروة انفصمت تنافر ودّهــا
والكأس كل شظيَّةٍ متبعثـرة
هَــلاّ سـألت الخــيل ياابنة مـالكٍ
حُمُرُ الجحود جميعها  مستنفــــرة
عجبا لعبسٍ جهلهم حررتـــــــــهم
 فدعوك عبدا أسود ا ما  أحقـره
حرمــوك عبلـة والنياق وكل مجـدك
 وانتصارك  أودعوه  المقبـرة
هل ضاع خيرك فى صياصيهم سدى
 يا ويحهم من يقترف شــرا يره  
شنقوك بالحبل الخنوع وشتــتوا
وطنا طغوا فيه .. ودكوا منـبره
وتسلحوا  بشقاقنا  فتفوقــوا
فَلّوا  الحديد  بفتنة  متجــــــــــبرة
(فرّق تسُد) هذا سلاح عـدونا
فله السيادة والقوى والسيطــرة
وشراذم العربان بعد توحـدٍ
صارت مصائرها بكف السمسرة
وصَمُوكَ بالإرهاب وهو صناعـة
غربية  لأبالسٍ متحضّـرة 
ماذا يفيد الجهل بين حضارة
صعدت إلى المرّيخ كى تستعمـره
هلا نغير ما بأنفسنا معا
من غير ربي قادر ليغيره
كل الذى قـــــد خلّفــــته حـــروبنا
 جرحٌ  سحيق  والهزائم  منكــــرة
هل صارت الأوطـــــان في أيامنا
زهرية تحوى الهوى أم مجمـــرة
دانت لسيفك سـادة وممـالكٌ
 وعروش كسرى والجنان المثمرة
لو شئت وحــــدت الجزيرة كلّها
وأتت  قبائلها  إليك  مسخّــرة
أشعارك العصماء دســتورٌ لـهم
وسديد رأيك  للضمائر  تذكـرة
(يا دار عبلة بالجـــوار تكلّـــمى)
 صحّى صحاب الكهف قبل الغرغرة 
شق الصفوف مجاهدا يا عنترة
 يِّسـاقط الفرسان عـند القسورة
جدد حياتك بالشهادة والفدا
ماذا تبــقى عنـدنا كى نخسـره؟!  

عيون عبلة
مصطفى الجزار
كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة
فعـيـونُ عبلــةَ أصبحَتْ مُستعمَــرَه
لا تـرجُ بسمـةَ ثغرِها يومـاً، فقــدْ
سقـطَت مـن العِقدِ الثمـينِ الجوهـرة
قبِّلْ سيوفَ الغاصبينَ.. ليصفَحوا
واخفِضْ جَنَاحَ الخِزْيِ وارجُ المعذرة
ولْتبتلــع أبيــاتَ فخــرِكَ صامتــاً
فالشعـرُ فـي عـصرِ القنـابلِ.. ثـرثرة
والسيفُ في وجهِ البنـادقِ عاجـزٌ
فقـدَ الهُـــويّـةَ والقُــوى والسـيـطـرة
فاجمـعْ مَفاخِــرَكَ القديمــةَ كلَّهــا
واجعـلْ لهـا مِن قــاعِ صدرِكَ مقبـرة
وابعثْ لعبلــةَ فـي العـراقِ تأسُّفاً
وابعـثْ لها فـي القدسِ قبلَ الغرغرة
اكتبْ لهـا مـا كنــتَ تكتبُــــه لهــا
تحتَ الظـلالِ، وفـي الليالي المقمـرة
يـا دارَ عبلــةَ بـالعـــراقِ تكلّمــي
هــل أصبحَـتْ جنّــاتُ بابــلَ مقفـــرة؟
هـل نَهْـــرُ عبلةَ تُستبـاحُ مِياهُـهُ
وكــلابُ أمريكـا تُدنِّــس كـوثـرَه؟
يـا فـارسَ البيداءِ.. صِرتَ فريسةً
عــبــداً ذلـيــلاً أســــوداً مـا أحقــرَه
متــطـرِّفــاً .. متخـلِّـفـاً.. ومخـالِفـاً
نَسَبوا لـكَ الإرهـابَ.. صِـرتَ مُعسكَـرَه
عَبْسٌ تخلّـت عنـكَ… هــذا دأبُهـم
حُمُــرٌ – لَعمـرُكَ – كلُّهـا مستنفِـــرَه
فـي الجـاهليةِ..كنتَ وحـدكَ قـادراً
أن تهــزِمَ الجيشَ العـظيــمَ وتأسِـــرَه
لـن تستطيـعَ الآنَ وحدكَ قهـرَهُ
فالزحـفُ مـوجٌ.. والقنابـلُ ممـطـرة
وحصانُكَ العَرَبـيُّ ضاعَ صهيلُـهُ
بيـنَ الــدويِّ.. وبيـنَ صـرخــةِ مُجـبـــَرَه
هــلاّ سألـتِ الخيـلَ يا ابنةَ مـالـِـكٍ
كيـفَ الصـمــودُ ؟ وأيـنَ أيـنَ المـقــدرة!
هـذا الحصانُ يرى المَدافعَ حولَهُ
مـتــأهِّـباتٍ.. والـقـذائفَ مُشهَـرَه
لو كانَ يدري ما المحاورةُ اشتكى
ولَـصـاحَ فـــي وجـهِ القـطـيــعِ وحذَّرَه
يا ويحَ عبسٍ .. أسلَمُوا أعداءَهم
مفـتــاحَ خيـمـتِهــم، ومَـــدُّوا القنطـرة
فأتــى العــدوُّ مُسلَّحاً، بشقاقِهم
ونـفـــاقِــهـم، وأقام فيــهــم مـنـبـرَه
ذاقـوا وَبَالَ ركوعِهـم وخُنوعِهـم
فالعيــشُ مُـرٌّ .. والهـــزائـــمُ مُنـكَــرَه
هـذِي يـدُ الأوطانِ تجزي أهلَها
مَــن يقتــرفْ فــي حقّهــا شـرّا..يَــرَه
ضاعت عُبَيلةُ.. والنياقُ.. ودارُها
لــم يبــقَ شــيءٌ بَعدَهــا كـي نـخـسـرَه
فدَعــوا ضميرَ العُـربِ يرقدُ ساكناً
فـي قبـرِهِ.. وادْعـوا لهُ.. بالمغـفـرة
عَجَزَ الكلامُ عن الكلامِ .. وريشتي
لـم تُبــقِ دمعـاً أو دماً فـي المحبـرة
وعيونُ عبلـةَ لا تــزالُ دموعُهـــا
تتــرقَّــبُ الجِسْــرَ البعيـدَ.. لِتَـعــبُـرَه
الجو العام للقصيدتين واحد , حيث الانهيار العربي بما له من أثر نفسي سلبي , و اندحار للبطولة , المتمثلة في عنترة العبسي , تحت وطأة العجز المادي و النفسي و تحت وطأة الأسلحة المتطورة .
وطبيعي جدا أنه حينما تكون الحالة النفسية التي لعبت دورها في إنتاج إبداعي لمبدعين مختلفين , أن تأتي بعض الألفاظ بل و بعض الصور متشابهة , و لكن ليس لدرجة التطابق , لأن التطابق يلقي بشبهة الأخذ و النقل عن فلان وفلان من الشعراء , أو كما يقولون وضع الحافر على الحافر , و لعل ذلك يتضح في حالتنا التي نحن بصدد الحديث عنها , فقد جاءت قصيدة الدكتور محمد محسن متماسكة فنيا , وتحفل بالتصوير الشعري الدرامي ( الذي تعودناه منه في جل قصائده و قد أسلفت الحديث عن رائعته " صرخات الجثة في المشرحة " و عن ومضته الشعرية الرائعة التي قال فيها : ومضت و مضت ! ) وكذلك الاقتباس من شعر عنترة و هذا أمر حتمته التجربة الشعرية , حيث جعل الشاعر – رحمه الله – عنترة و عبلة رمزين خالدين – و هما كذلك بالفعل – و هذا التناقض الصارخ بين السيف والحصان و الدبابات و حروب الفضاء , يلقي بثقله النفسي , معبرا عن حالة الإحباط و الاستسلام :
اغمد حسامك وانسحب يا عنترة    سلم لجرذان الحقول القسورة
هل أنبتت فيك الحداثة بدعة         فضللت دربك و الخطى متعثرة
أم صرت ذيل الأجنبي وعبده     ترضى الهوان و تستدر المغفرة
ويقول :
ماذا تفيد الخيل بين الطائرا        ت أو القذائف و المدافع مشهرة
ويكشف سبب المهانة التي وصلنا إليها , و نتيجتها المحتومة :
و تسلحوا بشقاقنا فتفوقوا               فلو الحديد بفتنة متجبرة
وصموك بالإرهاب و هو صناعة      غربية لأبالس متطورة
ويقول :
ماذا يفيد الجهل بين حضارة        صعدت إلى المريخ كي تستعمره
ثم يهيب بنا – نحن العرب جميعا – أن ننظر في تاريخنا المجيد، حينما دانت لنا الدنيا، ونستلهمه، ونستمد منه المدد والقوة، فلا سبيل أمامنا سوى أن نجدد أنفسنا ونتوحد كي ننتصر، فالفداء فريضة واجبة كي تتجدد الحياة :
لو شئت وحدت الجزيرة كلها        وأتت قبائلها إليك مسخرة
ويقول :
جدد حياتك بالشهادة والفدا         ماذا تبقى عندنا كي نخسره ؟!
بناء على ما تقدم يتضح لنا كيف أن الدكتور محمد محسن بنى قصيدته بناء منطقيا يعرض فيه القضية و أسبابها ونتائجها الكارثية، ثم يقترح طريق الحل والخروج من الأزمة الطاحنة، فإنما هو مستمسك بالأمل، مهما اسودت ملامح الواقع المرير !
أما قصيدة الأستاذ مصطفى الجزار فقد جاءت حاملة و معبرة عن الجو النفسي نفسه والاتكاء على شخصية عنترة و عبلة،  كما فعل محمد محسن في قصيدته .. وإن كانت جرعة اليأس أعمق , و كأنها بلا نهاية أو حل،  اللهم إلا ما قد توحي به كلمة " تعبره " من أمل خافت ..
 يقول الشاعر مصطفى الجزار :
ضاعت عبيلة و النياق و دارها      لم يبق شئ بعدها كي نخسره
فدعوا ضمير العرب يرقد ساكنا      في قبره و ادعوا له بالمغفرة
عجز الكلام عن الكلام و ريشتي     لم تبق دمعا أو دما في المحبرة
و عيون عبلة لا تزال دموعها        تترقب الجسر البعيد لتعبره   
و في القصيدة تلك المفارقة نفسها، حيث الصراع و المواجهة بين السيف و البندقية و كأننا أمام حالة من العبث و اللاجدوى , فالمعركة محسومة و لا جدال، وتلك المفارقة نجدها عن الكثيرين من الشعراء، وليس محمد محسن ومصطفى الجزار فقط فنراها - مثلا -عند الشاعر التشادي حسب الله مهدي فضلة في قوله :
أيستوي التبر و الفخار في ثمن ؟!      أم الأتان مع الصاروخ تستهمُ ؟!
وفي نص مصطفى الجزار صورته الشعرية عن جنات بابل التي صارت مقفرة وهي صورة جيدة و لا شك .
وإذا قدمنا إلى الموازنة بين بعض الأقوال الشعرية , في النصين محل التحليل , نجد أن التماسك الفني و الصدق الفني في نص محمد محسن أوفر مما هو في نص مصطفى الجزار، وهذه قرينة مهمة نستطيع من خلالها الحكم و التقييم في قضيتنا التي نحن بصددها في هذه الدراسة، كما أن التشابه الشديد بين الجمل والصور قرينة أخرى، وربما كانت الأبيات التالية قرينة أخرى.
  يقول محمد محسن :
حرموك عبلة و النياق و كل مجـ        دك و انتصارك أودعوه المقبرة
هل ضاع خيرك في صياصيهم سدى     يا ويحهم من يقترف شرا يره
ويقول مصطفى الجزار :
هذي يد الأوطان تجزي أهلها       من يقترف في حقها شرا يره
جعل محمد محسن خيانة عبس لبطلهم عنترة , و نسيانهم فضله و حقه , سببا في حاق بهم من سوء و شر , و لكن مصطفى الجزار في هذا البيت يبدو متناقضا و منبتا عن جو القصيدة كلها و رؤيته غائمة، بعض الشئ،  فمن الذي سيجزي و من المعاقب ؟! 
أضف إلى ذلك لفظة " سرقوا .. في نص محمد محسن " و لفظة " سقطت .. في نص مصطفى الجزار " فإن السرقة – سرقة الجوهرة - هنا أقوى و أكثر تعبيرا من مجرد السقوط .. أليس كذلك ؟!
ولعل ذلك يذكرنا بقول الشاعر :
توخى حِمام الموت أوسط صبيتي    فلله كيف اختار واسطة العقدِ
فانظر إلى التوخي و دقة الاختيار , و ليس أشد على النفس من سرقة الشئ الثمين , فما بالنا لو كان الوطن هو الشئ المسروق !
ختاما أقول :
من خلال عرضنا السابق، وما تناقشنا فيه من معنى السرقة والمعارضة والتناص، وغير ذلك مما ألمت به الدراسة من مقارنة بين نصي محمد محسن ومصطفى الجزار، يتبين لنا كيف أن قصيدة محمد محسن أكثر أصالة وجمالا وعمقا وجلالا وترابطا، والترابط بين أجزاء الجسد / القصيدة مهم جدا، ولا جدال  من قصيدة مصطفى الجزار جيدة .
كما جاءت الفكرة متشابهة إلى حد التطابق، حتى في بعض الصور والتراكيب بما يدفعنا إلى دوامة السؤال من جديد : هل هذه سرقة أدبية ؟،  أم أنه محض توارد خواطر ؟ وإن كان حدوث هذا التوارد العجيب إلى حد التطابق في مجال العلوم الطبيعية أكثر ورودا واحتمالية، وقد حدث ذلك بالفعل أكثر من مرة، حين يصل عالمان إلى  نتيجة واحدة، وكلاهما في معمله وفي بلده البعيدة، وما ذلك إلا لأن العلوم الطبيعية تحكمها سنن كونية لا تتبدل باختلاف المكان والزمان، ولكن هل يصدق ذلك في مجال الأدب، حين يكون لكل مبدع بصمته الوجدانية و اللفظية والتصويرية التي لا تكاد تتشابه مع أي بصمة أخرى في الكون كله ؟!
ــــــــــــــــــــــــــ
المصادر و المراجع :
1ـ الإلهام و فن الشعر عند أمير الشعراء أحمد شوقي – أنطوان بودولاموت ترجمة الدكتور محمود المقداد .
2ـ مجلة عالم الفكر المجلد 43 – التناص في شعر جمال الصليعي و محمود درويش – الدكتور محمد عبد الباسط عيد .
3ـ  طبقات فحول الشعراء – محمد بن سلام الجمحي .
4- السرقة الشعرية في التراث النقدي العربي المصطلح والمفهوم "المنصف" لابن وكيع - أنموذجا - ديْول طاهر .




تاريخ الإضافة: 2016-04-06 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1842
9      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات