تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الأمير كمال فرج يكتب : عيون عبلة التائهة بين محسن والجزار


القاهرة : الأمير كمال فرج .

كتبت كثيرا عن السرقات الأدبية، بدأ ذلك منذ 25 عاما، واخترت لموضوعاتي تعبير "اضبط .. سرقة أدبية" تأكيدا لدورنا جميعا في كشف السرقات، وكل الوقائع التي اكتشفتها كانت سرقات بالنص، لا تحتاج إلى جهد لإثباتها، فقط تحتاج إلى دقة ملاحظة، واستعمال القليل من أدوات البحث والنقد الفني، ولكن هذه المرة الأولى التي أتناول فيها سرقة أدبية فعلية، تحتاج إلى جهد لإثباتها، فالسارق المفترض "قبل أن نحدده" لم يسرق قصيدة بالنص كما فعل الأغبياء الآخرون، ولكنه انتحل الفكرة، والأسلوب، والوزن، والقافية ، وهي عناصر من الصعب إثباتها، حيث يمكن لأي أحد أن يتعلل بتوارد الأفكار، أو التعبير المضحك الذي يسوقه القدماء في تبرير بعض حالات السرقة الشعرية وهو "وقع الحافر عل الحافر".

 ولكن اللص دائما يترك وراءه ـ دون أن يدري ـ دليلا أو مجموعة أدلة تفضح السرقة وتكشفها، فقد اقتنص في قصيدته "جسم الجريمة" ١٢ صورة شعرية من القصيدة الأخرى، وهذا التشابه أو التطابق لا يمكن أن يأتي صدفة.
 
وهذا العامل الأخير لو قمت بضمه إلى العوامل الأربعة السابقة وهي "تشابه الفكرة، والأسلوب، والوزن، والقافية" سيكون لديك مبررات قوية لتوجيه الاتهام، أو كما يقول التعبير القانوني "إعداد عريضة الاتهام".

ولكن المؤسف والمؤثر في هذه الواقعة أن أحد طرفيها في ذمة الله، بينما الآخر حي يرزق، فلو كان الشاعر الراحل موجودا لقلنا أنه سيدافع عن نفسه، ولكنه الآن في دار الحق لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وإثبات نسب قصيدته، لذلك فإن علينا مسؤولية مضاعفة لكي نكون صوته الذي غاب، والمحامي الذي لم يستطع توكيله.

وقبل أن نبدأ يجب أن نؤكد أننا نحينا العاطفة جانبا، وحرصنا على تحري العدل، والحياد، ولا يهمنا أن نثبت أن هذا أخذ من ذاك، وذاك أخذ من هذا ، فقط يهمنا تحري الحقيقة، مع العلم أنني لم أتطرق للجانب الفني في القصيدتين ، حيث توجد بالإثنين العديد من الملاحظات النقدية.

محسن والجزار

لدينا الآن قصيدتان الأولى "انسحب ياعنترة"، وعدد أبياتها 42 للشاعر الراحل الدكتور محمد محسن (1953: 2009) ، والثانية  "عيون عبلة" وعدد أبياتها "27"  للشاعر مصطفى الجزار (1978 : ...)

بدأت المشكلة عندما أثارت قصيدة الجزار الكثير من الجدل واللغط بين عدد من  الشعراء، حيث تحدث البعض عن التشابه بينها وبين قصيدة الراحل محمد محسن، والتي ألقاها في أمسيات شعرية، ونشرت في ديوان مجمع، وكانت أحد أهم قصائده التي عرف بها في المجتمع السكندري، والبعض كان صريحا وقال أن القصيدة مسروقة من الشاعر الراحل.


4 أشياء متشابهة في القصيدتين:

القاريء لكلا القصيدتين سيكتشف عدة متشابهات أساسية هي :

1ـ موضوع القصيدة :
فالقصيدتان تتحدثان عن الواقع العربي المؤلم

2ـ الأسلوب :
القصيدتان اعتمدتا أسلوب مخاطبة "عنترة" البطل التاريخي أو الأسطوري.

3ـ الوزن:
القصيدتان كتبتا على البحر الكامل وتفعيلته الأساسية "متفاعلن".

4ـ القافية :
القصيدتان اتفقتا في القافية وهي الراء المفتوحة المتبوعة بالهاء.

نحن نؤمن بتوارد الأفكار ، حتى توارد الصور الشعرية العادية الشائعة، ولكن الأفكار المبتكرة والصور الشعرية الخلاقة من الصعب التخاطر فيها، قال عبدالقاهر الجرجاني "الأفكار والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العربي والأعجمي، والسرقة الأدبية لا تكون إلا في المعنى المبتكر الجديد".

ولاشك أن وجود تشابه واحد من هذه المتشابهات الأربعة يمكن أن يمر، ولكن اجتماع المتشابهات الأربعة في قصيدة واحدة يؤكد أن أحدهما نقل عن الآخر.


أبيات متشابهة ومتطابقة :

القاريء للقصيدتين معا سيكتشف دليلا ماديا أقوى على النقل ، حيث يوجد تشابه في الصور الشعرية ، في 13 موضع في القصيدتين، وهو التشابه الذي يرقى في معظم الأحيان إلى التطابق .

وللنظر إلى هذه المواضع ولنحكم :

محسن :
اغمد حسامك وانسحـب يا عنترة 
الجزار :
 كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة

محسن :
سرقوا من العقد الثمين الجوهـرة"
 الجزار :
سقـطَت مـن العِقدِ الثمـينِ الجوهـرة"

محسن :
(يا دار عبلة بالجـــوار تكلّـــمى)
الجزار : يـا دارَ عبلةَ بـالعراقِ تكلّمي

محسن :
 قبّل  ثرى  بغدادَ  عبلة  إنما
 ثغر الحبيبة  مزقته  المجـزرة
وابعث لها فى القدس عذرا عبلتى
ما عاد يجدى الحب..إنك مجبرة
الجزار :
 وابعثْ لعبلــةَ فـي العـراقِ تأسُّفاً
وابعـثْ لها فـي القدسِ قبلَ الغرغرة"


محسن :
 (لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى)
 وملا صداه الكون فاق الزمجـرة
ولمجلس الأمن اشتكى جرم البغاة
.. أفاض عن ظلم العدوّ وأنــــذره
الجزار :
 لو كانَ يدري ما المحاورةُ اشتكى
ولَصاحَ فـــي وجهِ القـطيعِ وحذَّرَه

محسن :
 ماذا تفيد الخـيل بين الطائرات
.. أو القذائف والمـــدافع مشـــهَرَة
الجزار :
هـذا الحصانُ يرى المَدافعَ حولَهُ
مـتــأهِّـباتٍ.. والـقذائفَ مُشهَـرَه

محسن :
عجبا لعبسٍ جهلهم حررتهم
 فدعوك عبدا أسود ا ما  أحقـره
الجزار :
يا فـارسَ البيداءِ.. صِرتَ فريسةً
عبداً ذليلاً أسـوداً مـا أحقرَه


محسن :
 حرموك عبلة والنياق وكل مجدك ..
 وانتصارك  أودعوه  المقبـرة
الجزار :
 فاجمـعْ مَفاخِرَكَ القديمــةَ كلَّهــا
واجعـلْ لهـا مِن قاعِ صدرِكَ مقبـرة

محسن :
 َوصَمُوكَ بالإرهاب وهو صناعـة
غربية  لأبالسٍ متحضّرة 
الجزار :
 متطـرِّفاً .. متخلِّفاً.. ومخالِفاً
نَسَبوا لـكَ الإرهـابَ.. صِـرتَ معسكَـرَه


محسن :
صحّى صحاب الكهف قبل الغرغرة
الجزار :
وابعـثْ لها فـي القدسِ قبل الغرغرة


محسن :
جدد حياتك بالشهــادة والفـدا
مــاذا تبــقى عنـدنا كى نخسـره؟!   
الجزار :
ضاعت عُبَيلةُ.. والنياقُ.. ودارُها
لــم يبــقَ شيءٌ بَعدَها كي نـخـســرَه

محسن :
وتسلحوا  بشقاقنا  فتفوقوا
فَلّوا  الحديد  بفتنة  متجـبرة
الجزار :
فأتــى العـدوُّ مُسلَّحاً، بشقاقِهم
ونـفاقِهم، وأقام فيهم مـنـبـرَه

محسن :
هل ضاع خيرك فى صياصيهم سدى
 يا ويحهم من يقترف شــرا يره  
الجزار :
هـذِي يـدُ الأوطانِ تجزي أهلَها
مَــن يقتــرفْ فــي حقّهــا شـرّا..يَــرَه

المتشابهات الـ 13 السابقة لا يمكن أن تكون جاءت صدفة، أو على سبيل توارد الأفكار، وهي تؤكد أن أحد الشاعرين أخذ من الآخر، وإذا ضممتها إلى الأربعة متشابهات السابقة وهي "موضوع القصيدة، الأسلوب، الوزن، القافية" سيحتكم الأمر بأن أحد الشاعرين أخذ عن الآخر.


أسبقية النشر :

ماتوفر لدينا من معلومات يؤكد الآتي :
ـ  قصيدة الدكتور محمد محسن نشرت في نوفمبر عام 2007 في ديوان "بلدي" الصادرة عن جماعة الأدب العربي بالأسكندرية، رقم الإيداع 526 / 2008 الترقيم الدولي 3 ـ 650 ـ 315 ـ 977 .

ـ قصيدة الجزار "وفقا لقوله " نشرت في مجلة "التبيان" في فبراير 2007، وعام 2009 في ديوان "عيون عبله"  رقم الإيداع "يقول أن هناك رقم إيداع رسمي في دار الكتب والوثائق القومية عام 2009 ".

هناك شواهد ومقاطع فيديو تؤكد أن محسن ألقاها في ندوات مسجلة قبل عام 2009 ، والجزار في المقابل يقول أنه نشرها وألقاها في مسابقة ببرنامج فضائي قبل عام  2009 .
 
ورغم أن أسبقية النشر قرينة على الملكية، فإننا سنضع ذلك جانبا، حيث يمكن لأي شخص أن يأخذ قصيدة لك ألقيتها في إحدى الندوات وينشرها باسمه، وهو ما حدث في إحدى السرقات التي اكتشفتها سابقا ، ليس ذلك فقط، ولكن السارق ادعى أن صاحب القصيدة هو من سرقها منه . لذلك سنعتبر الأسبقية قرينة من القرائن.


مخطوطة مهمة

إذا جنبنا أسبقية النشر، لدينا وثيقة تؤكد "وفقا لعائلة الدكتور محسن" أن محسن كتب القصيدة عام 1997 ، وهي نسخة من مسودة القصيدة الأولى كتبها الراحل الطبيب خلف ورقة تحاليل، يظهر بها ميلاد القصيدة والتعديلات التي أجراها الشاعر عليها، وكذلك الشخبطة التي تشهدها إرهاصات القصائد، تاريخ التحليل الموجود على ظهر القصيدة هو 22 / 6 / 1997.

وإذا صحت هذه الوثيقة ، فإنها تحسم أسبقية النشر لمحسن ، وأعتقد أن هناك تحليل في الطب الشرعي يمكن أن يفصل في صحة هذه الوثيقة من عدمها، وبسؤال مدرسة بقسم الطب الشرعي في كلية الطب بجامعة الأسكندرية، أفادت أن تحديد التاريخ بالضبط صعب، لكن يمكن معرفه هل طرأ أي تغيرات علي الورقة أم لا.
 

أحكام نقدية

ليست وظيفة الناقد أو الصحفي إصدار أحكام نقدية، فواجبه فقط إثارة القضية، ووضع الاستدلالات، والشواهد، والإدلاء برأيه النقدي، والقراء فقط بوسعهم الحكم.

هناك عدد من العوامل تجعلني منحازا لنص محمد محسن، فإضافة إلى ما سبق أن قدمته هنا من تشابهات ودلائل، هناك أيضا قرائن مختلفة ، ومنها عدد الأبيات في كل قصيدة، حيث كان نص الدكتور محسن هو الأكبر والجزء يأخذ عادة من الكل ، أيضا عنوان قصيدة محسن أدق لأن محور القصيدة الأساسي والمخاطب بها هو "عنترة" بعكس الجزار الذي اختار لقصيدة عنوان "عيون عبلة " رغم أن عبلة ليست القضية الأساسية.

 وكذلك حرص محسن على تقويس شطرات أخذها عن معلقة عنترة، حتى أنه تشدد في ذلك عندما قوس عبارة "فرق تسد" الشائعة رغم عدم وجود ضرورة لذلك، بينما تخلو قصيدة الجزار من أي تقويس، حتى للشطرات الكاملة التي أخذها من معلقة عنترة مثل "هلا سألت الخيل يا ابنة مالك" ، و"لو كان يدري ما المحاورة اشتكى".

محسن لم يعارض الجزار، ليس لأن قصيدته كتبت أولا على الأرجح ، وليس فقط لأن محسن لم يذكر ذلك قولا ولا نشرا حيت تقتضي المعارضة الشعرية ذلك، ولكن لأن طبيعة قصيدة محسن لا تشير إلى ذلك، فالمعارضة تعني كتابة قصيدة على نفس الوزن والقافية، ويتتبع فيها الشاعر أبيات ومعاني القصيدة التي يعارضها ، ويقدم وجهة نظر مختلفة عنها، وهذا ما لم يتوفر في قصيدة محسن .

والقاريء لقصيدة محسن يشعر أنه لا يعارض أحدا، فقط يجاري الشاعر عنترة ابن شداد في معلقته الأصلية "معلقة عنترة" التي تبدأ بـ "هل غادر الشعراء من متردمِ؟"،  فكتب على وزنها، واستشهد ببعض أبياتها الشهيرة، عندما قال "أوددت تقبيل السيوف "، و"هل غادر الشعراء من متردم"، و"يادار عبلة بالجواء تكلمي"، ولكنه لم يلتزم بالقافية الميمية الشهيرة التي وردت بالمعلقة.. هو إذن لم يعارض الجزار "كما يزعم الجزار نفسه" ، وأيضا لم يعارض معلقة  عنترة لأن المنهج الفني للقصيدة لا يشير إلى ذلك.

ومن العوامل المرجحة أيضا أن الجهة الشاكية هي عائلة محسن أبناؤه وأصدقاؤه ومعاصروه ، بينما لم يشتك الجزار !، وفي رأيي أن الشاكي غالبا يكون هو الذي يشعر بالغبن والظلم ، وبالمعنى العامي "محروق".

وهناك عامل جوهري وهو أن الطرف المفترض أنه مأخوذ عنه في ذمة الله، ولن يضيره أو ينفعه نسب قصيدة إليه، أي أن "الغرض الشخصي" غير موجود، ودافع الأقارب ضعيف، وهذا يصب في صالحه.

ولكن العامل الأهم معرفتي الطويلة بالشاعر الدكتور محمد محسن، فقد كان رحمه الله يسير في درب مستقل يحفر في حقول بكر لم يرتدها أحد، كان غزير المعاني، حاضر الأفكار ، لذلك لم يكن بحاجة إلى تقليد أو اقتفاء أثر أحد.

لكل شاعر بصمته الوراثية الشعرية ، والشطرة الشعرية مثل فصيلة الدم، يمكن أن تقدم معلومات متعددة عن صاحبها، وقصيدة محسن قطعة من روحه التي أعرفها، حتى أنها تتضمن بعضا من قاموسه العلمي الذي يفرض نفسه في كل قصيدة بسبب عمله كطبيب ، مثل "وقنابلا ذرية والليزر"، والحرص على تفصيح المفردات مثل "التلفاز"  ، و"تكأكأوا" ، لذلك فإني أرى أن القصيدة تعبير عن روح الشاعر التي نعرفه وأسلوبه الأدبي الذي اعتدنا عليه.

لذلك كله أعتقد أن الجزار قرأ قصيدة محسن أو استمع إليها ، وأعجب بها،  فكتب قصيدته على غرارها عن قصد أو غير قصد، .. كلنا في مرحلة ما ننبهر بقصائد معينة، ونتمنى أن نكتب مثلها، لذلك كان أساتذتنا ينصحوننا بحفظ آلاف من أبيات الشعر ثم ننساها، وأظن ـ وبعض الظن إثم" أن الاشتراك في برنامج "أمير الشعراء" كان عاملا محركا في الموضوع، فقد دفع ذلك الجزار إلى عمل قصيدة ذات بعد قومي رنان وزاعق لكي يحظى بالفوز ، وربما ـ  أكرر ربما ـ كان ذلك أحد أسباب "تأثره" أو أخذه بقصد أو غير قصد عن قصيدة محمد محسن.

الطريف أن هناك شطرة في قصيدة الجزار نفسه تقول "فاجمع مفاخرك القديمة .. واجعل لها من قاع صدرك مقبرة" وهي مشابهة لشطرة قالها الشاعر هشام الجخ في إحدى قصائده حيث قال "خبيء قصائدك القديمة .. واكتب لمصر اليوم شعرا مثلها"، وإذا تذكرنا أن الجخ نفسه أدين قضائيا بالسرقة من مربعات الواو للشاعر عبد الستار سليم ، فإننا سندخل بذلك إلى متواليات من السرقة تحتاج إلى جيش من النقاد لتتبعها. 

يقين القاضي عامل مهم في أي قضية، لذلك فإن يقيني الشخصي يميل إلى مصداقية قصيدة محسن، ولكن رغم ذلك لن أحدد الأمر .. سرقة، أو إنتحال، أو إقتباس، أو تأثر، حيث أن مفهوم السرقة الأدبية يختلف من عصر آخر، وأن كان إهمال النقد لهذه القضية الأدبية ضلل الشعراء، والهواة، وساعد على ضياع الحقوق ، لذلك سنترك الأمر للزملاء والباحثين والنقاد، كل يدلي بدلوه  ورأيه ومنطقه .. ، وأرحب باعتراض الزملاء ، فمن بين الجدل تتجلى الحقيقة.

 

................................

القصيدتان :

   انسحب يا عنترة (٤٢ بيتا)    

 
محمد محمد محسن 
                         

أغمد حسامك وانسحـب يا عنترة
 سلّم لجرذان الحقـول القسـورة
فعيــــــون عبلةَ تستجـير و قلبها
 استعبدوه  فمن  له  ليحـرره
هل غادر الأوغاد من متــردّم
وطن الحبيبة من غــزاه ودمّره
كل التواريخ القديمة شاهـدات
.. أنّ سيفك كالجحــيم  مسعَّرة
هل أنبتت فيك الحداثة بدعـة ؟
فضللت دربك فى خطى متـعـثرة
أم صرت ذيل الأجنبيّ وعبــدهُ
 ترجو الفتات وتستدر المغفـرة 

أيناكَ من حرب الكواكب والفضــا..
 ئيات  والتلفــاز.... أين المقــــدرة
وقنابلا ذرية والليزر اخترق .
 المدي كي يدحره
يا فارسا ساق النعاج أمامه 
فرت جيوش الجبن تصرخ عنتره
اجتر شعرك فالمفاخـــــــــــر كلها
فى عالم الد سكوهراءٌ.. ثـــرثــرة
سقطت من الأفلاك شمسك حينــما
سرقوا من العقد الثمين الجوهـرة
أوددت تقبيل السيوف أم  الصـــواريخ
  الرهيبة  و القنابل  ممطـرة

قبّل  ثرى  بغدادَ  عبلة  إنمـــــــــا
 ثغر الحبيبة  مزقته  المجــــــزرة
وابعث لها فى القدس عذرا عبلتى
ما عاد يجدى الحب..إنك مجبــرة

قد شوّه الأوغاد وجهك فاصـبرى
وتضرعى  لله  ينصرْ  عسكـــره
ما عاد فى سيفى وشعرى حيـــلة
تنجيك من أنياب غيلان  الشــــرَه
فدماؤنا  ولحومنا  وعظــــــامنا
 تلقى  بهـا  دبّــــــــابة  لمجـنـزرَة
ماذا تفيد الخــــــيل بين الطائرات
.. أو القذائف والمـــدافع مشـــهَرَة
(لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى)
 وملا صداه الكون فاق الزمجـرة
ولمجلس الأمن اشتكى جرم البغاة
.. أفاض عن ظلم العدوّ وأنــــذره

أضحى  فراتك  يستباح  ونفطـنا
 ذهبا بأيدى الغاصبين ومفخــرة
أمم الكلاب تكأكأوا ليمزقــوا
  جسدا به الأشلاء جِدُّ منفــرة
العروة انفصمت تنافر ودّهــا
والكأس كل شظيَّةٍ متبعثـرة
هَــلاّ سـألت الخــيل ياابنة مـالكٍ
حُمُرُ الجحود جميعها  مستنفــــرة
عجبا لعبسٍ جهلهم حررتـــــــــهم
 فدعوك عبدا أسود ا ما  أحقـره
حرمــوك عبلـة والنياق وكل مجـدك
 وانتصارك  أودعوه  المقبـرة
هل ضاع خيرك فى صياصيهم سدى
 يا ويحهم من يقترف شــرا يره  
شنقوك بالحبل الخنوع وشتــتوا
وطنا طغوا فيه .. ودكوا منـبره
وتسلحوا  بشقاقنا  فتفوقــوا
فَلّوا  الحديد  بفتنة  متجــــــــــبرة

(فرّق تسُد) هذا سلاح عـدونا
فله السيادة والقوى والسيطــرة
وشراذم العربان بعد توحـدٍ
صارت مصائرها بكف السمسرة
وصَمُوكَ بالإرهاب وهو صناعـة
غربية  لأبالسٍ متحضّـرة 
ماذا يفيد الجهل بين حضارة
صعدت إلى المرّيخ كى تستعمـره
هلا نغير ما بأنفسنا معا
من غير ربي قادر ليغيره
كل الذى قـــــد خلّفــــته حـــروبنا
 جرحٌ  سحيق  والهزائم  منكــــرة

هل صارت الأوطـــــان في أيامنا
زهرية تحوى الهوى أم مجمـــرة
دانت لسيفك سـادة وممـالكٌ
 وعروش كسرى والجنان المثمرة
لو شئت وحــــدت الجزيرة كلّها
وأتت  قبائلها  إليك  مسخّــرة
أشعارك العصماء دســتورٌ لـهم
وسديد رأيك  للضمائر  تذكـرة

(يا دار عبلة بالجـــوار تكلّـــمى)
 صحّى صحاب الكهف قبل الغرغرة 
شق الصفوف مجاهدا يا عنترة
 يِّسـاقط الفرسان عـند القسورة
جدد حياتك بالشهادة والفدا
ماذا تبــقى عنـدنا كى نخسـره؟!  




عيون عبلة (٢٧ بيتا)

مصطفى الجزار


كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة
فعـيـونُ عبلــةَ أصبحَتْ مُستعمَــرَه

لا تـرجُ بسمـةَ ثغرِها يومـاً، فقــدْ
سقـطَت مـن العِقدِ الثمـينِ الجوهـرة

قبِّلْ سيوفَ الغاصبينَ.. ليصفَحوا
واخفِضْ جَنَاحَ الخِزْيِ وارجُ المعذرة

ولْتبتلــع أبيــاتَ فخــرِكَ صامتــاً
فالشعـرُ فـي عـصرِ القنـابلِ.. ثـرثرة

والسيفُ في وجهِ البنـادقِ عاجـزٌ
فقـدَ الهُـــويّـةَ والقُــوى والسـيـطـرة

فاجمـعْ مَفاخِــرَكَ القديمــةَ كلَّهــا
واجعـلْ لهـا مِن قــاعِ صدرِكَ مقبـرة

وابعثْ لعبلــةَ فـي العـراقِ تأسُّفاً
وابعـثْ لها فـي القدسِ قبلَ الغرغرة

اكتبْ لهـا مـا كنــتَ تكتبُــــه لهــا
تحتَ الظـلالِ، وفـي الليالي المقمـرة

يـا دارَ عبلــةَ بـالعـــراقِ تكلّمــي
هــل أصبحَـتْ جنّــاتُ بابــلَ مقفـــرة؟

هـل نَهْـــرُ عبلةَ تُستبـاحُ مِياهُـهُ
وكــلابُ أمريكـا تُدنِّــس كـوثـرَه؟

يـا فـارسَ البيداءِ.. صِرتَ فريسةً
عــبــداً ذلـيــلاً أســــوداً مـا أحقــرَه

متــطـرِّفــاً .. متخـلِّـفـاً.. ومخـالِفـاً
نَسَبوا لـكَ الإرهـابَ.. صِـرتَ مُعسكَـرَه

عَبْسٌ تخلّـت عنـكَ… هــذا دأبُهـم
حُمُــرٌ – لَعمـرُكَ – كلُّهـا مستنفِـــرَه

فـي الجـاهليةِ..كنتَ وحـدكَ قـادراً
أن تهــزِمَ الجيشَ العـظيــمَ وتأسِـــرَه

لـن تستطيـعَ الآنَ وحدكَ قهـرَهُ
فالزحـفُ مـوجٌ.. والقنابـلُ ممـطـرة

وحصانُكَ العَرَبـيُّ ضاعَ صهيلُـهُ
بيـنَ الــدويِّ.. وبيـنَ صـرخــةِ مُجـبـــَرَه

هــلاّ سألـتِ الخيـلَ يا ابنةَ مـالـِـكٍ
كيـفَ الصـمــودُ ؟ وأيـنَ أيـنَ المـقــدرة!

هـذا الحصانُ يرى المَدافعَ حولَهُ
مـتــأهِّـباتٍ.. والـقـذائفَ مُشهَـرَه

لو كانَ يدري ما المحاورةُ اشتكى
ولَـصـاحَ فـــي وجـهِ القـطـيــعِ وحذَّرَه

يا ويحَ عبسٍ .. أسلَمُوا أعداءَهم
مفـتــاحَ خيـمـتِهــم، ومَـــدُّوا القنطـرة

فأتــى العــدوُّ مُسلَّحاً، بشقاقِهم
ونـفـــاقِــهـم، وأقام فيــهــم مـنـبـرَه

ذاقـوا وَبَالَ ركوعِهـم وخُنوعِهـم
فالعيــشُ مُـرٌّ .. والهـــزائـــمُ مُنـكَــرَه

هـذِي يـدُ الأوطانِ تجزي أهلَها
مَــن يقتــرفْ فــي حقّهــا شـرّا..يَــرَه

ضاعت عُبَيلةُ.. والنياقُ.. ودارُها
لــم يبــقَ شــيءٌ بَعدَهــا كـي نـخـسـرَه

فدَعــوا ضميرَ العُـربِ يرقدُ ساكناً
فـي قبـرِهِ.. وادْعـوا لهُ.. بالمغـفـرة

عَجَزَ الكلامُ عن الكلامِ .. وريشتي
لـم تُبــقِ دمعـاً أو دماً فـي المحبـرة

وعيونُ عبلـةَ لا تــزالُ دموعُهـــا
تتــرقَّــبُ الجِسْــرَ البعيـدَ.. لِتَـعــبُـرَه












تاريخ الإضافة: 2016-03-26 تعليق: 0 عدد المشاهدات :5510
11      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات