تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



أحمد علي منصور آخر الشعراء الفرسان


الأمير كمال فرج.

أحمد علي منصور رجل من زمن قديم، فيه حكمة المتنبي، وبلاغة عبد القاهر الجرجاني، ووطنيّة سليم حسن، يتميز بأخلاق الشعراء الفرسان التي قلّ أن تجدها الآن، ففي زمن القشور يتبدد المضمون، وفي زمن المصالح، لن تجد من يعمل لوجه الله، وفي زمن الأدعياء الذين يسدّون عين الشمس، نادرًا ما تجد المبدع الذي تحترق جمجمته من أجل قصيدة.

أحمد منصور شاعر وناقد وآثاري ولد في قرية كفور بلشاي التابعة لمدينة كفر الزيات في دلتا مصر، كان جدّهُ العمدة "حسن" العمدة الأخير بعد إنهاء نظام العُمَد القديم الذي كان فيه العمدة العارف لكل فرد في القرية، الحامي لقيمها، وعاداتها وتقاليدها، في زمن الطيبين.

كان دوّار العمدة في حارة الجنينة، مفتوحًا لكل أهل القرية، حتى أن جنازة والدى ـ رحمه الله ـ أقيمت فيه، ولازلت أتذكر كيف كانت صواني أهل القرية تتوافد عليه لإطعام المعزّين الذين جاءوا من بلاد بعيدة.

أحمد منصور نموذج لكرم القرية المصرية الذي بدّدَه الاستهلاك، وخَضَار الأفق الذي زحفت عليه جحافل الأسمنت، ولكن في الوقت نفسه نموذج للأمل في عودة الروح، كطائر الفينيق الذي يحترق، ولكنه يولد مرة أخرى من بين الرماد.

كان "منصور" يكتب الشعر الفصيح الجميل، نسمعه فنقول "الله، وعندما كبر ورغم ميوله الأدبية، قرّر أن يدخل  "قسم الآثار"، فقد كان شيء ما يجذبه إلى هذا العالم الساحر الغامض، عالم قدماء المصريين الغني بكل ما يغري الشاعر والباحث على حدٍّ سواء.

أحمد منصور رفيق الرحلة الجبلية الصعبة منذ أن كنا صغارًا نتسكّع في شوارع كفرالزيات، نضرب الحصى بأقدامنا، ونحلم بأن نمسك القمر، نسافر عبر القطارات للمدن البعيدة للمشاركة في أمسية شعرية، ونتجادل حول هنّة عروضيّة.

نشأنا معًا، وحاربنا معًا، .. انتصرنا مرة، وهُزمنا مرّات، ورغم عواصف الحياة التي تفرق الأحبة، كانت صداقتنا كالبنيان المرصوص يشدٌّ بعضه بعضًا.

نذر منصور حياته للدفاع عن القيم، ولأن الانتصار للمباديء في هذا الزمن إنتحار طوعي، سباحة ضدّ التيار، ووقوف أمام العاصفة، دفع الثمن غاليًا، والمواقف التي تؤكد ذلك كثيرة، من بينها موقفه الوطني من مشروع بناء متحف كفر الشيخ الذي كان مسؤولًا عن تأسيسه، فبعد سنوات من العمل في هذا المشروع الحلم والذي تفتقده محافظة عريقة مثل كفر الشيخ، وبسبب عدم وجود التمويل الكافي، حاول المسؤولون في وزارة الآثار إيقاف المشروع، وتحويله إلى قاعات أفراح.

وتصدّى منصور لمحاولات رؤسائه إجهاض المشروع، واعتبر ذلك إهدارًا للمال العام، ووقف وحده في وجه وزارة كاملة بمدرائها وسلطاتها وجبروتها، وقاد العاملين في المتحف في وقفة إحتجاجية أمام المشروع.

ولم يكتف بذلك، ولكن قاد بنفسه جهودًا غير عادية للبحث عن ممولين، وأثمرت جهوده عن موافقة محافظ كفر الشيخ على تمويل استكمال المشروع، وفي يوم مشهود تم افتتاح المتحف بحضور نفس المسؤولين الذين تآمروا لإجهاضه.

وبدلًا من تكريمه على وطنيته، ودوره في تأسيس هذا المتحف الذي جمع الآلاف من القطع الأثرية وأصبح أيقونة حضارية في المحافظة. عاقبته الوزارة على رفضه تنفيذ الأوامر، وحرموه لسنوات من جزء من راتبه، وبعد رحلة قضائية مريرة أنصفه القضاء المصري العادل، وأعاد له حقوقه كامله.

وعلى صعيد الإبداع، أصدر منصور عددًا من الدواوين هى: "مُخَربَشَاتُ الأَودِيَةِ البَهِيمَة"، "هُـــزِّي إلَـيّ"، "لـمَّا كَانَ النُّور"، "أَضْغَاثُ أيَّامِ الغَرِيب"، "النَّواقِيس- مُعارَضَة مُعَلَّقَةِ عَمرو بن كُلْثُوم"، "غَوَاشِي اللَّيْل". وله عدة مجموعات شعرية مخطوطة، منها: (شَجَرُ الجِيمَات، آيَةُ السَّوْسَانِ وآيَتَان، قِصَار الصُّوَر، أَحلامُ الطِّفلِ الأَخْطَل)، "دِيوَانُ المُعَارَضَات"، فضلاً عن ديوان في المديح النبوي، وديوانين مخطوطين للناشئة والفتيان، وفي مجال النقد له مخطوط بعنوان: "شِعْرِيَّةُ المَوْتِ والثَّورَةِ- قِراءَةٌ في أَبْجَدِيَّةِ أَحمَد عَنْتَر مُصطَفى".

يتميز شعره بالجدّة والأصالة، فقد حافظ على مكتسبات القصيدة العربية، وفي الوقت نفسه حلّق في فضاءات الحداثة والإبداع، وقدم من خلال دواوينه صوته الشعري الخاص، ولكن منجزه الحقيقي يتجسد في  ديوانيه : فُصُولٌ مِّنْ سِيرَةِ السِّينِ" (قصيدة طويلة)، و "آيَتَايَ اللَّتَاي- فُصُولٌ مِّنْ سِيرَةِ الطِّين" (قصيدة طويلة)، واللتين أحيا فيهما المطولات الشعرية التي بدأها شعراء المعلقات امرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، وعنترة بن شداد، والحارث بن حلزة اليشكري قبل 1400 عام.

ومن إنجازاته الشعرية أيضًا ديوانه "النواقيس" الذي جدَّد فيه فن المعارضات، بمعارضة طويلة من 500 بيت لنونية عمرو ابن كلثوم، التي يقول فيها "أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا"، ويمكن القول أن هذا الديوان أول تحديث للمعارضة الشعرية العربية.

حصل منصور على درجة الماجستير في "الجمل الصغرى التابعة السادة مسد الاسم في اللغة المصرية القديمة"، ودرجة الدكتوراه في :"الأنساق الدلالية في بنية الجملة المصرية القديمة بين المبنى والمعنى". وفي ذلك بطولة أخرى، ففي الوقت الذي كان بوسعه إنهاء الماجستير في سنتين، والدكتوراة في ثلاثة، كما يفعل غالبية الباحثين، أصرّ الباحث عن القيمة على تقديم الجديد في رسالتيه، فأنهى الماجستير في تسع سنوات، والدكتوراة في عشر سنوات، ولكنه مرة أخرى يدفع الثمن، فقد ضاعت فرصته في التعيين في الجامعة، حيث تشترط الجامعات حداثة السن.

وفي مجال الآثار، قدّم منصور العديد من الاكتشافات الأثرية، وشاهدت بنفسي في متحفيّ "السويس" و"كفر الشيخ" بعض الآثار التي ساهم في اكتشافها، والتي يتحدث عنها بتواضع غريب، رغم أنها تضعه في مصاف كبار علماء الآثار. وصفه أستاذ اللغة المصرية القديمة في كلية الآثار جامعة القاهرة، والأمين العام للمجلس الاعلى للآثار الأسبق الدكتور عبدالحليم نورالدين  بـ "النابغة".

يؤكد منصور في كل محفل أنِّي من علمته العروض الشعري، وإذا صحَّ ذلك، فقد علَّمني هو قواعد البحث العلمي، وعلَّمني ما هو أهم من كل ذلك، كيف تتمسك بالقيمة، وتدفع راضيًا الثمن كاملًا؟.

أحمد علي منصور آخر الشعراء الفرسان، .. رغم استسلام الجميع، لازال يمتشق سيفه ودرعه، ويحارب على كل الجبهات، يدافع عن القيمة، يقبض على جمرة الشعر، مستعد دائمًا لدفع الثمن، نفس الثمن الذي دفعه الرواد والمصلحون.

تاريخ الإضافة: 2024-04-22 تعليق: 0 عدد المشاهدات :779
7      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات