تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



صورة مزيفة | الأمير كمال فرج


عادة ما يكون لكل شيء صورتان، صورة ذهنية، وهي صورة انطباعية، وصورة واقعية، وهي الصورة الحقيقية، ..الصورة الذهنية تتكون نتيجة تأثيرات وعوامل مختلفة، منها السمع والاطلاع والسؤال، والتجربة الشخصية الفردية، أما الواقعية فهي الأساس، وغالبا ماتكون هذه الصورة ـ رغم أهميتها ـ مغيبة، ولمعرفتها نحتاج بعض الجهد والبحث والتجربة.

 والفرق بين الصورتين يشبه الفرق بين النقد الانطباعي والنقد التحليلي، على سبيل المثال هناك شخص الصورة الذهنية العامة عنه أنه فقير، وعندما تقترب منه تكتشف أنه غني، وهناك شخص الصورة المختزنة عنه أنه مغرور، ولكنك بالتعرف عليه عن قرب، والتعامل معه تكتشف أنه متواضع، هناك شخص ملامحه جامدة توحي بالشر، وعندما تتعامل معه تكتشف أنه حمل وديع.

 والظاهرة أيضا يمكن تطبيقها على الشعوب، فأحيانا نرى سمات عرفت عن شعب معين، ولكن الواقع يؤكد أن هناك سمات أخرى عدة غابت، وتوارت في ظل الانطباع الشكلي السائد الكبير .

 ولتقريب الصورة أكبر الشعب اللبناني مثلا الصورة الذهنية العامة له ترتبط بالنجمات الجميلات والغناء والفنون وستار أكاديمي والحرية الواسعة، ولكنك إذا توغلت في المجتمع ستكتشف الكثير من الملامح الإنسانية من فقر وغنى وخير وشر وعزيمة ويأس، وعمل وكفاح ..، وهي كلها ملامح غيبها الإعلام.

وفي العالم العربي ظلت الصورة الذهنية للمواطن الخليجي والسعودي خاصة مرادفة للثراء الفاحش والإسراف والتعالي، ولكنك إذا توغلت في المجتمع السعودي ستكتشف العديد من النماذج الإنسانية الايجابية والسمات المجتمعية التي لا يمكن معرفتها إلا إذا لامست يديك أرض الواقع.

 في الحالة الأولى لعب الإعلام دورا كبيرا في إبراز الصورة الشكلية للفتاة اللبنانية المتحررة التي تهتم بمظهرها ومكياجها وترتدي الميني جيب، فتقدمت المشهد النماذج الفنية في مجال الغناء والتمثيل والعمل الفضائي، دون غيرها من الفئات الأخرى، وأهملت النماذج الإيجابية المتعددة كالفتاة اللبنانية الدؤوبة والمكافحة التي تعمل عملين الأول في الصباح والآخر في المساء لكي تؤمن مصاريف دراستها الجامعية، والطالب الساعي للعلم والتفوق.

 وفي السعودية شوهت حقبة النفط الصورة الحقيقية للشعب السعودي، فأبرزت سمات شكلية غير دقيقة للمواطن السعودي، المحور الأساسي بها المال الذي نتج عن ظهور النفط، وتقدمت المشهد صورة كاريكاتورية نمطية مشوهة، واختفت عن الصورة نماذج حقيقية عدة تجسد الكفاح والعمل والتدين والإيثار والفقر والضغوط الاقتصادية والعزيمة والسعي للعلم والتفوق وغيرها من السمات الإنسانية الايجابية.

 كما ساهمت وضعية "الكفيل" لوحدها في تشويه الصورة الحقيقية للمواطن السعودي، فعمم الكثيرون نموذج الكفيل الذي يظلم العاملين لديه ويهضم حقوقهم ويتحكم في مصائرهم، فتصدرت المشهد هذه الصورة السلبية المحدودة، بينما لدينا في الصورة الحقيقية نماذج كثيرة لمواطنين يحسنون التعامل مع العمالة التي تعمل تحت كفالتها، ويقدرون دور العاملين الوافدين ودورهم في عملية التنمية.

 من هنا كانت الصورة الذهنية دائما صورة غير حقيقية مضللة، قد تربط بينها وبين الحقيقة خيوط ضعيفة، ولكنها في الإجمال تختلف تماما عن الواقع. للمعرفة طريقان الأول هو قراءة الكتب والصحف والموسوعات، والاستماع إلى الإذاعات، وسؤال الأصدقاء والجيران ، أما الثاني فهو الدخول بنفسك إلى قلب الأحداث لتتعرف عليها بنفسك..، تشعر بلهيبها يلفح وجهك، وبالطبع الخيار الثاني هو الأفضل، لأنه هو الذي يوفر لك المعرفة الحقيقية.

 والأمر ليس بسيطا كما نتصور، فالمعلومة الصحيحة عنصر مهم من عناصر الحياة، فالمعلومة الصحيحة أساس ضروري للفهم، والنجاح والعلاقات الجيدة والتعاون المثمر والسعادة والرخاء والتقدم ، والمعلومة المغلوطة تؤدي إلى الجهل والطلاق والمشاكل الأسرية والانهيار الاقتصادي والخلاف والشقاق والنزاعات والمشاكل الحدودية والحروب.

 الصورة الذهنية ظالمة، كما أنها بما تتضمنه من معلومات مغلوطة تتسبب في علاقات خاطئة، حيث يترتب على عدم معرفة الشخصية عدم القدرة على التعامل معها بالأسلوب الصحيح. لأن المعرفة الخاطئة تؤدي إلى علاقة غير سليمة، وقد يتجاوز الضرر ذلك فقد تتسبب ـ كالمعلومات الإستخبارية المزيفة ـ في حروب عالمية.

 وليس دائما المسؤولية تقع على الناظر، ولكنها تقع أحيانا على المنظور، فالبعض يقدمون أحيانا صورا مغايرة لواقعهم على سبيل التجمل، أو الادعاء أو الغرور، ولكن المدهش أن البعض يقدم هذه الصورة المغايرة تحرجا من الواقع، وتعففا عن السؤال، وهؤلاء الذين وصفهم الله عز وجل في الآية القرآنية "(للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ) "سورة البقرة".

 عندما أزور أي بلد أول ما أحرص عليه هو الخروج من معتقل الفندق الزجاحي المكيف إلى الشارع، أتمشى على قدمي في المناطق المحيطة، وأتوغل في الأحياء الشعبية، والقرى وأتحدث مع الباعة الجائلين، وأتلمس الملامح الحقيقية والوجوه كما هي بدون مساحيق تجميل. المشي أقرب طريق للمعرفة والاكتشاف، يساعدك على معرفة الصور الواقعية للناس والأماكن والشعوب، هناك ستجد الناس على سجيتهم، بلا رتوش أو أقنعة.

 الصورة الذهنية صورة خاطئة مزيفة ومضللة، ولكن للأسف يؤمن بها الكثيرون، بل ويبنون عليها كل مواقفهم، يقع ضحيتها الجميع سواء كان الإنسان البسيط، أو رئيس الدولة، الصورة الذهنية تقدم للكسولين المعلومات المعلبة الجاهزة .. علب زاهية فاخرة التغليف، عليها عبارة "معلومات صنعها الآخرون".

الوقوع في أسر صورة ذهنية كاذبة يشبه الوقوع في فخ، فتنبه للأمر، ولا تأسرك الأضواء الكاذبة، وشركات العلاقات العامة وموظفي الاستقبال والسماسرة، امدد يدك بنفسك لتتلمس الواقع، وتكتشف بنفسك الصورة الحقيقية.
تاريخ الإضافة: 2014-04-17 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1299
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات