تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



حبة السمسم | الأمير كمال فرج


في سابقة أولى طلب 45 مليونيرا أمريكيا بأن تفرض الحكومة عليهم الضرائب للمساهمة في تقليص الفارق الهائل بينهم وبين مواطنيهم من محدودي الدخل. جاء ذلك في مذكرة رفعوها للرئيس باراك أوباما باسم "الصحة الضريبية لأمتنا ولخير مواطنينا"، طلبوا فيها إلغاء الإعفاءات الضريبية، التي تمنح لدافعي الضرائب الذين يزيد دخلهم السنوي عن مليون دولار.

 وفي بادرة أخرى أطلقتها جمعية "ولث فور كومن غود" (الثورة لخير العامة) وقع 410 أميركيا من أصحاب الدخول المرتفعة مذكرة تدعو واشنطن إلى وقف هداياها الضريبية لمواطنيها الذين يزيد دخلهم على 250 ألف دولار سنويا.
ومنذ شهور تعهد أربعون من مليونيرات أميركا بالتبرع بأكثر من نصف ثرواتهم لمنظمات خيرية، وهي المبادرة التي أطلقها بيل جيتس مؤسس مجموعة مايكروسوفت العملاقة.

 مبادرات مدهشة لم نسمع عنها من قبل، وعلى الأخص في العالم العربي المتخم بالمليونيرات وأصحاب رؤوس الأموال الذين لم يفكر أحدهم في اتخاذ مثل هذه المواقف، .. أثرياء يطلبون فرض الضرائب عليهم، لتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، إنه الإحساس الجمعي العالي بالمسؤولية الذي يجعل الفرد جزءا من الكل، ويحول المصلحة الجماعية إلى مصلحة فردية.

 الغريب والمدهش أن تنطلق هذه المبادرات من دول غير إسلامية، وتنعدم في نفس الوقت في البلاد الإسلامية، رغم أن قائمة أغنى أغنياء العالم التي أصدرتها مجلة "فوربس" للعام الحالي 2010 ضمت 19 عربيا.

 نحن كمسلمين أولى بتقديم هذه المبادرات، حيث أمرنا ديننا بالتكافل والتراحم، وأقر الزكاة لإعانة الفقير والمحتاج، ولدينا نماذج مشرفة لخلفاء راشدين وصحابة وقادة ورجال أعمال قدموا مصلحة الناس على مصالحهم، وخصصوا كل ما يملكونه لبيت مال المسلمين، ونشروا العدل والرخاء في ربوع المجتمع المسلم.

 ونتذكر هنا ما قاله الإمام محمد عبده عندما زار الغرب ، حيث قال "وجدت هناك إسلاما بلا مسلمين، وأجد هنا مسلمين بلا إسلام"، فالكثير من الدول الغربية تحقق مباديء الإسلام رغم أنهم غير مسلمين .. ، بينما نحن المسلمون لا نطبق الكثير من تعاليم الإسلام. نتعامل مع الإسلام كصفة وشكل،  بينما الإسلام الحقيقي جوهر ومعاملة.

 في الغرب مزايا كثيرة نفتقدها نحن في بلاد المسلمين، .. الديمقراطية والانضباط، والنظافة، والجمال، وحرية الرأي، وتداول السلطة وحكم المؤسسات، والرفق بالحيوان، وحرية العبادة، والحفاظ على البيئة، والتطوع، وتعظيم العلم، ودعم البحث العلمي، والتقدم الصناعي والتكنولوجي، والتعدد العرقي والمساواة الاجتماعية، .. كلها سمات تميز بها المجتمع الغربي، وغابت عن المجتمع الإسلامي، رغم أن هذه السمات هي نفسها التي أمر بها الإسلام العظيم.

 للغرب نواقصه ، ولكن لا يمكن أن نمسك بسلبية واحدة، أو حتى سلبيات، ونهمل المزايا الكثيرة التي يتمتع بها.

الكثيرون يرفضون التجربة الأمريكية برمتها،  ويكرهون كل ما هو أمريكي بسبب مواقف الحكومات الأمريكية المتعاقبة التي كان بعضها ضد العرب والمسلمين، ومنها دعم إسرائيل وغزو العراق وأفغانستان. ولكن هؤلاء لا يعلمون أن الحكومة الأمريكية مجرد مجموعة حاكمة تحركها المصالح والصفقات الانتخابية، وهي تختلف عن الشعب الأمريكي يقيمه الاجتماعية المتجذرة، التجربة الأمريكية في منظورها العام تجربة خلاقة. ولعل هذا هو السبب في تحول أمريكا في سنوات معدودة إلى أكبر قوة في العالم.

 التجربة الأمريكية حافلة بالعديد من الإيجابيات والمزايا التي نفتقدها نحن في العالم العربي، ومع ذلك نصر على رفضها واستنكارها،  لنكون بذلك كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال. وتكون المحصلة النهائية هي أنهم تقدموا وحكموا العالم، بينما نحن تخلفنا وحكمنا العالم.

 نهاجم أمريكا ونعتبرها الشيطان الأكبر، وننتقد الثقوب الكثيرة هناك، ولا ننظر للثقوب الأكثر التي لدينا والتي أصبحنا معها كالغربال، نطالب الغير بالمثالية، بينما نحن لم نستوفي أبسط حقوق الإنسان. نهاجم أمريكا لأنها لا تحرر فلسطين، وفي الوقت نفسه نختبيء وراءها، ونستجديها لكي تتوسط لنا لدى إسرائيل، وتعيد لنا أرضنا المستباحة، وننسى أن القضية قضيتنا، وأن أرضنا لن تحرر إلا بالأيدي والبندقية.

 في بلادنا الحكومة تفرض الضرائب، وتمص جسد المواطن النحيل شيئا فشيئا كعود القصب، وتخترع كل فترة ضريبة جديدة لتمول الخزائن الخاوية،  كالضريبة العقارية، وضريبة العاملين بالخارج، ولو كان بوسع المسؤولين عندنا لفرضوا ضرائب على الماء والهواء، وإن كان ذلك ليس مستبعدا، فمن الممكن جدا بعد سنوات قليلة أن يخترع المسؤولون تحت ضغط المطالبات الدولية بتقليل ظاهرة الاحتباس الحراري  فرض ضريبة  على الهواء،  تذهب لتحسين نوعية الهواء وتقليل التلوث.

 أسهل شيء يمكن أن تفعله الحكومة الفاشلة هي فرض الضرائب، وأسهل شيء تفعله المؤسسات الفاشلة لتعويض الخسائر أن تسرح جزءا من الموظفين، أو تقلل الرواتب، وبدلا من أن تعكف الحكومة على العمل والإنتاج، تلجأ لحيلة الضعيف وهي فرض الضرائب.

 مفهوم التطوع في أمريكا له طبيعة خاصة، فقد أصبح التطوع ثقافة عامة، الكل يخصص جزءا من وقته لخدمة الناس، وقد عملت الحكومة على تنظيم هذا التطوع بالآليات التي تنظمه وتفعله وتنميه.  والضريبة التي يدفعها المواطن ليست مجرد جباية من الدولة تفرضها على المواطن، ولكنها مساهمة وشراكة في دعم المجتمع، لذلك ليس غريبا أن تنبت هذه البيئة التكافلية في مثل هذه المبادرات التطوعية غير المسبوقة.

 نحتاج إلى تطوير العمل التطوعي،  وتحويله من عبء ثقيل نادر الحدوث إلى واقع يومي، وثقافة شعبية، وأسلوب حياة، الكثير من مشكلاتنا يمكن أن تحل عن طريق العمل التطوعي، وذلك من خلال إنشاء مؤسسة عامة للعمل التطوعي تنظم العمل الخيري، وتسوقه، وتبتكر أنماطا متجددة منه،  يمتزج فيها الترفيه بالحركة بالعمل الجماعي بالعطاء وخدمة الناس.

 والأهم أن نفعل الزكاة كركن أساسي من أركان الإسلام الخمس،  ليس فقط بجمعها، ولكن بنشر "ثقافة الزكاة" ومعانيها والدروس المستفادة منها، لتتحول من واجب ديني روتيني إلى نظام تكافلي متكامل متفاعل يساعد على خدمة وتطوير المجتمع.

 عندما يتحول العمل التطوعي في بلادنا العربية إلى ثقافة عامة، سيكون المجتمع أكثر تراحما وتآذرا، ستختفي سلبيات عديدة كالجشع، والفقر، والخوف، والقلق، والتفاوت الطبقي، والظلم، وغلاء الأسعار، وخناقات الشوارع، .. عندها من الممكن أن نجد مليونيرا يتبرع بنصف ثروته للجمعيات الخيرية، وآخر يطلب من الدولة زيادة الضرائب عليه لدعم الفقراء، كما فعل أخواننا الأمريكيون، وجعلوا رؤوسنا كحبة السمسم من الخجل.

تاريخ الإضافة: 2014-04-17 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1096
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات