تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



هزيمة شخصية | الأمير كمال فرج


أعترف أنني هزمت، اهتزت الأرض من تحتي كزلزال صغير، وثار الدم في نافوخي، وشعرت أن كل مبادئي التي أنادي بها منذ 30 عاما تنهار، وأن هناك من يخرج لي لسانه، أحسست باليأس والعجز، وأن مانكتبه كلام في الهواء،  شعرت أنني تعرضت لسطو مسلح بمطواه قرن غزال في وضح النهار، .. أحسست لأول مرة بهزيمة شخصية، عندما رأيت ابني يحمل في يده كيس "دوريتوس  ".

  للنصب أنواع كثيرة، منها النصب التقليدي المعروف، ولكن هناك نوع من النصب لا تكتشفه أبدا، لص يختلس منك كل يوم قروشا صغيرة، لا تشعر بها، وفي نهاية الشهر إذا جمعت ما فقدته ستكتشف أنه مبلغ كبير من المال، سم تظل تبلعه يوميا لا يميتك فجأة، النصب الغذائي أسلوب جديد يأخذ من أموالنا وأعمارنا، ولكنه يمارس معنا لعبة القتل البطيء.

 في طفولتي كنت عندما أذهب إلى المدرسة تضع أمي في حقيبتي مجموعة من السندوتشات، وكنا إذا أردنا شراء الحلوى اشترينا العسلية من عم بندق، القريب من المدرسة، كان الحليب مشروبا أساسيا في فطور الصباح، وكان الباعة المنتشرون أمام المدرسة يبيعون منتجات منوعة من الحلوى.

  أما اليوم فقد اخترعت لنا شركات المواد الغذائية أنماطا غريبة من المواد، تستهدف شريحة أساسية وهي الأطفال، وهي عبارة عن مجموعة من الشيبسي ومنتجات الذرة معبأة بأسلوب براق، ومسماه بأسماء كارتونية ومزينة بشخصيات محببة لدى الأطفال.

 والناظر لهذه المنتجات من الجانب الغذائي سيكتشف أنها منتجات فقيرة من حيث العناصر الغذائية، ليس ذلك فحسب، ولكنها تضرهم على المدى الطويل، حيث تكون هذه المنتجات غنية بالدهون والمواد الحافظة والزيوت المهدرجة، والملح وهو عنصر أساسي في تدمير صحة المراهقين.

 حذرت الدراسات من زيادة نسبة الملح في الطعام، وقال باحثون إنه إذا استطاع المراهقون خفض كمية الملح التي يتناولونها يوميا بواقع 3000 مليجرام فإنهم سيحدون من خطر الإصابة بأمراض في القلب وجلطة دماغية بشكل كبير عندما يكبرون، و يمكن أن يخفض ضغط الدم بنسبة تتراوح بين 30 و43% عندما يصبحون بالغين، وتوصي جمعية القلب الأميركية بالحد من كمية الصوديوم التي يتم تناولها إلى 1500 مليجرام، ويستهلك المراهقون أكثر من 3800 مليجرام.

  النقطة الأخرى الجوهرية أن هذه المنتجات كالهواء المعبأ في زجاجات، أنظر مثلا إلى كيس الشيبس، لن تكتشف نوعا غذائيا جديدا، أو فكرة خلاقة، فالأمر لا يتعدى كمية قليلة من شرائح البطاطس المقلية، كل هذه الضجة تحدث على ماذا ؟، .. بطاطس مقلية، وعندما نذكر القلي سنستدعي التحذيرات الطبية العديدة الخاصة بالقلي، وما يمكن أن يسببه القلي غير الصحي من أمراض. حيث يتسبب الاستخدام المتكرر للزيت في القلي في زيادة نسبة الشوادر الحرة التي تزيد مستوى الكوليسترول السبب الرئيسي في أمراض الشرايين وزيادة ضغط الدم وأمراض القلب والدماغ.

 ولكن لكي تحظى الفكرة المتواضعة على إقبال الجماهير لابد أن تصاحبها آلة إعلامية كبيرة، تتمثل في حملات إعلانية ضخمة ومواد إعلانية تعتمد على الإبهار السمعي والبصري والحركى، والمتتبع لحجم الإنفاق الإعلاني على هذا النوع من الإعلانات سيكتشف أنها تمثل نسبة كبيرة من الإنفاق الإعلاني, وبالطبع فإن حجم هذا الإنفاق يشير إلى حجم المبيعات الضخم، وبالتالي يشير إلى حجم التدمير الذي يحدث جراء تسويق منتجات غير صحية على الأطفال والمراهقين.

 نجحت الآلة الإعلانية الضخمة التي تعتمد على أسلوب الإلحاح والإبهار واستغلال الجنوح الإنساني إلى الاستسهال، في تحويل هذه المنتجات غير الصحية إلى موضة وأسلوب حياة، تماما كقصات الشعر وموضات الملابس والاكسسوارات الغريبة التي يقبل عليها الشباب، وقد انعكس ذلك في شكل مليارات من الدولارات تحققها شركات الإنتاج سنويا. أما الخسائر الاقتصادية والصحية المقابلة التي يتكبدها الإنسان فهى خسائر غير منظورة،  ولم يتم تقديرها بعد.

 ولتحقيق المزيد من الرواج وإحكام السيطرة على المستهلك الضحية حرصت بعض الشركات على تزويد منتجاتها بلعب صغيرة ملونة، لجذب الأطفال الشريحة الرئيسية المستهدفة ، وأتذكر هنا نوعا من الشيبس كان موجودا من ثلاثين عاما اسمه "كاراتيه" كان يتبع هذه الطريقة، وكنا صغارا نتسابق لشرائه ليس لتناوله، ولكن لتجميع أشكال صغيرة من الألعاب وجوده داخله.

  وقد أدركت بعض الدول هذا الأسلوب التسويقي الخبيث لمنتجات غير صحية، وقررت بلدية سان فرانسيسكو مؤخرا منع توزيع الألعاب المجانية في وجبات الأطفال الغنية بالدهون والملح والسكر، وأكد أعضاء البلدية أن اللعبة التي تقدم مع الوجبة تحفز طلب الأطفال عليها بشكل كبير،  واتخذوا قرارا بمنع تضمينها في الوجبة إذا لم تأت الأخيرة ملبية لبعض المعايير الغذائية.

  ووضعت البلدية شروطا كي تحظى الوجبة بحق تقديم لعبة مجانية، منها أن تحدد سعراتها الحرارية بـ 600 وألا تحتوي على أكثر من 640 مليغراما من الملح، وألا تتعدى نسبة السعرات الحرارية الناتجة عن المواد الدهنية 35% وتلك الناتجة عن الدهون المشبعة 10% ، ولا بد من أن تتضمن الوجبات حصة كافية من الفاكهة والخضار.

  وإمعانا في الإغراء لجأت هذه الشركات إلى تقديم أنواعا من الشيبس بنهكات مختلفة مغرية كالخل والكباب والجمبري ليصبح المستهلك هنا أشبه بمن يدفع للكبابجي أموالا لكي يشتم فقط الرائحة.

 أصبحت هذا الأنواع الغريبة من شرائح البطاطس وحبوب الذرة جيلا جديدا من الأغذية أشد خطرا من الوجبات الجاهزة التي حذر الخبراء منها طويلا، وأكدوا آثارها المدمرة على المدى البعيد، حيث يرجع إليها السبب في أمراض السمنة والقلب والشرايين، وهذا الجيل الجديد تكمن خطورته في كونه أصغر حجما، وأسهل حملا،  وأقل سعرا، وأكثر ضررا، مما يجعله أكثر تدميرا، على المستوىين الاقتصادي والصحي.

دخول "دوريتوس" إلى عقر داري، ووجوده في يد أطفالي وزوجتي هزيمة شخصية، وخبطة في الرأس تنبأت بها الجملة الاعلانية التي تستخدم لتسويقة التي تقول "طعم هيخبطك"، تؤكد أن الخطر ليس على الأبواب، ولكنه استباح الديار والعيال، ومؤشر على طبيعة الحرب الغذائية غير المتكافئة بين المال والقيم، والتسويق والحقيقة،  والصحة والمرض.



تاريخ الإضافة: 2014-04-15 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1115
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات