تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



دبدوب طل الملوحي | الأمير كمال فرج


 حاولت أم المدونة السورية طل الملوحى (19 عاما) أن تستعطف السجان ليوصل الدبدوب إلى ابنتها في الزنزانة، فابنتها لا تنام إلا مع دبدوبها الصغير، فلم تفلح".. تأثرت عندما قرأت هذه الكلمات التي كتبها ناشطون يقودون حملة لإطلاق سراح المدونة السورية الصغيرة.

وسواء أكانت الواقعة حقيقية، أم تعبير مجازي هدفه توضيح صغر عمر السجينة،  ومأساتها وراء القضبان فإنني بكيت، تسللت الدموع من عيني، وأنا أتذكر دبدوب "طل" الوحيد الذي يحن إليها كما تحن هي إليه، والسجان الذي لا يعرف العواطف، وينفذ التعليمات بالحرف، والدبدوب ضمن قائمة الممنوعات. بكيت .. ، بدأ الأمر بدموع بسيطة ملأت عيني،  ثم جاء البكاء، وبسرعة أصبحت عيناي حمراء كالدم.

بكيت عندما تصورت مشهد الشابة الصغيرة التي اعتقلها الأمن السوري بسبب آراء كتبتها في مدونتها على الإنترنت، طالبت فيها الرئيس بشار الأسد باتخاذ خطوات نحو الديمقراطية، وذكرته بوعوده التي قطعها على نفسه عندما تولى الحكم.

ورغم عدم معرفتي بـ "طل"، بكيت تعاطفا مع هذه الصغيرة التي تحمل ملامح الشام وصمود الشام، والتي كانت ـ وقت اعتقالها ـ طالبة بالمرحلة الثانوية، وبدلا من أن تذهب إلى الامتحان، ذهبت إلى السجن، وبدلا من أن تحلم بالجامعة، تحول حلمها الغض إلى كابوس على يد سجان لا يعرف الفرق بين الطفولة والجريمة، والحب والموت،  والعصفور والثعلب، وبدلا من أن يطرق باب أهلها الخطَّاب، طرقه المخبرون.

تصورت هذه الشابة الصغيرة والتي كانت في سن اعتقالها أقرب إلى الطفولة ـ أختي أو ابنتي، ومن منكم يرضى أن تقبع طفلته في غياهب السجن مع جموع السجينات، .. تألمت عندما تأملت الواقع السياسي في بلادنا العربية، حيث مازال المواطن يعتقل بسبب رأيه أو معتنقه السياسي، يعتقل لأنه يحب وطنه،  ويحلم أن يكون أفضل. كما يعتقل العصفور لأنه يجب الغناء.

اعتقلت المدوِّنة الصغيرة "طل" في ديسمبر 2009 ، وحتى الآن لا تعلم عائلتها شيئا عنها، هل هي حية أم ميتة؟، وباءت كل محاولات أهلها لمعرفة مصيرها بالفشل، كما تبددت في الهواء نداءات والدها ووالدتها للرئيس السوري بالكشف عن مصيرها، ورغم الوقفات الاحتجاجية التي تمت أمام بعض السفارات السورية في دول عربية وغربية للمطالبة بإطلاق سراح "طل"، ورغم البيانات التي أصدرتها منظمات دولية حقوقية، لم يزل مصير "طل" مجهولا.

وبين هذه الأخبار المتضاربة قرأت منذ شهور خبرا يفيد بموت "طل" جراء التعذيب، .. وجع قلبي النبأ،  ولكن بعد شهور أخرى قرأت خبرا عن محاكمة المدونة السورية ففرحت، لأن هناك أمل أن تكون على قيد الحياة، وأمل آخر في ان تحظى بمحاكمة عادلة.

وبين أخبار "طل" التي تناقلتها المدونات، ومجموعة حملت اسمها على "الفيس بوك"، ورفض الأجهزة السورية إظهار حقيقة ما حدث للمدونة الشابة ضاعت الحقيقة، وانفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات والشائعات التي لن تنتهي.

بعض الأخبار تقول أن المدونة "طل" اتهمت بالتجسس لحساب السفارة الأمريكية بالقاهرة، وأنها أضرَّت ببلدها سورية، وتسببت في محاولة اغتيال ضابط سوري كبير، ومن بين ركام التصريحات الرسمية يمكن للقاريء الحصيف أن يستنبط الحقيقة.

أتفهم حساسية الموقف السوري الأمريكي، والمحاور التي تقف بها سوريا الآن، وأقر بحق سوريا وكل بلد في حماية نفسه، وبغض النظر عن صحة المواقف من عدمه، أخشى أن تكون "طل" قد راحت ضحية التجاذبات  والمحاور السياسية المتنازعة.

ورغم الأخبار المتضاربة التي لم تثبت بعد، هناك حقائق ثابتة نقرأها بين الأحداث ، وهي أن "طل" مازالت لم تبلغ سن الرشد، وأنها لم تحاكم حتى الآن، وأن أسرتها لا تعلم عن مصيرها شيئا.

إن اعتقال "طل" يفجر قضية غاية في الخطورة، وهي ظاهرة اعتقال الصغيرات، والحكم عليهن بأحكام السجن وأحيانا الإعدام، رغم أنهم وفقا للقانون الدولي صغار لا يجب محاكمتهم، العديد من الأنظمة العربية تحاكم الصغار كما تحاكم الكبار، دون أي اعتبار لصغر أعمارهم. العرب يتزوجون الصغيرات،  ويعنِّفون الصغيرات، ويعتقلون الصغيرات.

حتى لو ارتكبت "طل" جريمة ـ وهذا ما لم يثبت حتى الآن لأنها لم تحاكم ـ كان من الواجب على الأجهزة الرسمية التعامل معها بالنصح والإرشاد والتوجيه، لا الزج بها وراء القضبان،  وتدمير مستقبلها الدراسي والاجتماعي، والبنات الجانحات في هذه السن واللائي يرتكبن جرائم،  يتم إيداعهن في دور للرعاية، وليس في السجن.

أما إذا كانت التهمة الحقيقية، هي نشر آراء مناهضة للنظام السوري ، فإن ذلك ليس جريمة، فالتعبير عن الرأي حق تكفله كل المواثيق الدولية، والمعارضة جزء لا يتجزأ من أي نظام للحكم، ليس ذلك فقط، ولكن وعي هذه الشابة بقضايا وطنها،  ومطالبتها النظام السياسي في بلدها بإقرار الديمقراطية هو في الحقيقة علامة وعي تستحق التقدير،  وليس العقاب.

قد يقول قائل " وأنت مالك" ، وقد يرميني آخر بالتهمة الجاهزة، وهي الحقد على سورية، ومحاولة التشهير بالنظام السياسي بها، وقد يشير خبيث إلى جنسيتي، ويلمح إلى نظرية المؤامرة،  وهذا كله مردود عليه، وكما قال أحمد شوقي "كلنا في الهم شرق"، وسوف أقف مع "طل"،  كما أقف مع أي إنسان لقي نفس المصير. لقد تحطمت الحواجز بين الشعوب، وتراجعت الجنسيات ، وأصبحنا جميعا ننتمي إلى عالم واحد، وحرية التعبير أصبحت قضية إنسانية.

أناشد الرئيس بشار الأسد التدخل شخصيا للإفراج عن طل الملوحي، وإعادتها إلى مقعد المدرسة، حتى لو أخطأت، فعمرها الغض الصغير يشفع لها، وهدفها الإصلاحي يشفع لها، ونشفع لها نحن ككتاب وإعلاميين عرب نقف مع سوريا في نفس الخندق من أجل قضاياها العادلة، كما أناشد السيدة السورية الأولى أسماء الأسد ـ وهي أم تعرف معنى الأمومة،  ومعنى افتقاد الأم لابنتها ـ بإعادة الشابة "طل" إلى حضن أمها لتعيش مع  أسرتها فرحة العام الجديد.

أحلم لسورية ومصر والأردن وكل بلادنا العربية من المحيط إلى الخليج بانتهاء حقبة السجن والاختفاء القسري بسبب حرية التعبير أو التوجه السياسي، وأن يكون حق الرأي مكفولا للجميع كالماء والهواء، وأن نعي جميعا هذا الإعلام الجديد الذي بدأ يتشكل الآن، والذي أصبح حجب المعلومة فيه ضرب من المستحيل.

وحتى تعود "طل" إلى أسرتها سيظل دبدوبها الجميل يؤرقني، يتجسد لي في المنام وفي الصحو،  ويذبحني كل  يوم ألف مرة،  ويستدر من عيني الدموع.

تاريخ الإضافة: 2014-04-14 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1199
1      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات