الأمير كمال فرج
عندما يؤرخ للحضارات تتصدر "بيروت"، وإذا تابعت مؤشر الحرية ستكتشف أن "لبنان" هو من وضع أبجدية الحرية، وعندما تحدد مقاييس عشق المدن ستتذكر "ست الدنيا" "سويسرا الشرق"، و"المدينة الإلهة" التي وصفها نزار قباني بـ "الأنثى التي تمنح الخصب وتعطينا الفصولا".
أما إذا ذكر الفن، فيكفي أن نذكر فيروز، "جارة القمر" التي علمتنا الحبّ ووزعت علينا الخبز والحرية، و"الرحابنة" الذين لوّنوا الشعر والموسيقى بطعم الأقحوان والفرح، وعندما نوثق تاريخ الصحافة العربية، نتذكر هذا الجيل الرائد من الصحافيين اللبنانيين الذين أسسوا الوعي العربي في زمن الجهل، وبشروا بالديمقراطية في زمن القمع، وحين تذكر الثقافة نستدعي فورًا المقولة الشهيرة "القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ".
الإعلامي اللبناني علي المرعبي، امتداد لجيل من الصحفيين اللبنانيين الرواد الذين أسسوا الصحافة العربية، وهو الناشر ورئيس التحرير لمجلة "كل العرب"، والمؤسس والأمين العام لاتحاد الصحفيين والكتاب العرب في أوروبا، ومشرف عام مركز ذرا للأبحاث والدراسات في باريس.
أمضى جلّ عمره في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة، وخصص كل جهده لإحياء صحافة الموقف، وهي صحافة لا تكتفي بالنشر والفرجة، ولكن تنحاز للمباديء والقيم وتنتصر للقضايا العربية.
الصحافة رسالة، ولكنهم علمونا القاعدة الخطأ، وهي "عدم الإنحياز"، .. بينما الحياد في الحقيقة جريمة، ومسك العصا من المنتصف خدعة، والوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف خيانة، الصحفي الحقيقي يجب أن ينحاز، ولكن المهم ينحاز لمن؟ .. صحافة الموقف تنحاز للحق والعدالة والانسانية.
ينتصر المرعبي لصحافة الموقف في زمن اللعب على كل الحبال، والأكل على كل الموائد، والخيانة التي أصبحت وجهة نظر، وحيث تمتليء الساحة بنسخ كثيرة جدًا من "محفوظ عجب" الشخصية التي أبدعها موسى صبري، وهي لصحفي انتهازي متسلق يتلون حسب الظروف، لا يتورع عن فعل أى شئ يحقق أغراضه. قال مارتن لوثر كينغ "أسوأ مكان في الجحيم، محجوزٌ لهؤلاء الذينَ يبقونَ على الحيادِ في أوقاتِ المعاركِ الأخلاقيةِ العظيمة"
من هذا المنطلق، ينتصر المرعبي للقضايا العربية، ينحاز لفلسطين القضية الكبرى، والأحواز العربية المحتلة، يدافع عن حضارة السودان، وحرية ليبيا، ووحدة اليمن، ويفزع لكل المظلومين والمهمشين والأسرى، ويرفض النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية.
والمرعبي محلل بارع، يتميز بثقافة سياسية عريضة، يتفاعل مع الحدث ويكشف جوانبه وخلفياته وتبعاته برؤية موضوعية. وهو ما جعله ضيفًا دائمًا على القنوات الإخبارية ومنها "القاهرة الإخبارية"، إضافة إلى جهوده من خلال مجلة "كل العرب"، واسهاماته في مجال النشر، والندوات الثقافية التي يقودها في قلب العاصمة الفرنسية، والتي تنطلق من نفس المبدأ وهو الثقافة/ الموقف.
أسس المرعبي اتحاد الصحفيين والكتاب العرب في أوروبا عام 2018، وحصل على الترخيص القانوني في فرنسا، وأقيم المؤتمر التأسيس الأول 2020، وتم انتخاب أمانة عامة من 23 عضو، وأنتخب أمينًا عاما للاتحاد، ويعمل الاتحاد وفق أهداف عريضة تتركز في لم شمل الصحفيين والكتاب العرب في أوروبا، والدفاع عن حقوقهم، سواء في أوروبا، أو في الدول العربية.
ويقف الاتحاد مع أي صحفي يتعرض لأزمة، ويتضامن معهم، ويتابع الاتصالات، ونجح مؤخرًا في تقنين وضع ثلاثة صحفيين عرب في فرنسا، بالتنسيق مع وزارة الداخلية الفرنسية، ويبلغ عدد أعضاء الاتحاد حاليا 300 صحفي من أنحاء العالم.
علي المرعبي إنسان عروبي حتى النخاع، منفتح على الحضارات الأخرى، ولكنه يتمسك بمسؤولية الدفاع عن القضايا العربية المشروعة، التعليم ـ في رأيه ـ هو النقطة المركزية، والتحدي الأكبر أمام الأمة، ويدعو لبناء المجتمع العربي على أسس صلبة ومتينة وقادرة على التطور، وينادي بحق العمل والعلاج والحياة وهي الحقوق الطبيعية التي يجب أن يتمتع بها كل انسان الذي يعيش على هذا الكوكب.
ويطمح المرعبي إلى تجميع العالم العربي الذي تفرق زَرافات ووُحدانا، وتحقيق الحلم العربي بتأسيس نوع من الوحدة على غرار معجزة الاتحاد الأوروبي، لأن هذا الزمن زمن التكتلات العملاقة، وهو يحمل تقديرًا خاصًا لمصر، ويعتبرها حجر الأساس في العمل العربي المشترك.
في فندق "الحياة ريجنسي" في قلب باريس التقيته، وكانت جلسة مثمرة، امتد فيها النقاش حول الصحافة والسياسة والكتابة والإبداع، وباريس مدينة النور وقبلة المبدعين، وساعدني هذا اللقاء على الاقتراب أكثر من فكر الرجل الذي يتميز بسعة أفق وحسّ عروبي خالص.
تحية تقدير لعلي المرعبي الاعلامي والانسان، رائد صحافة الموقف العائدة بقوة، وجهوده في دعم الصحافة العربية الجادة، الرجل الذي يعمل في كل اتجاه، ويحارب على كل جبهة، ينتصر للحق والعدل والحرية.