إكسبو 2020 دبي.
يحدث في كثير من الأحيان وفي جميع أنحاء العالم، أن تُستخدم أدوات القرن العشرين لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين المعقدة - كانت هذه هي الرسالة التي انبثقت عن سلسلة المجالس العالمية في إكسبو 2020 دبي، التي انعقدت ضمن الإطار الخاص بــ "برنامج الإنسان وكوكب الأرض".
في العام المُنصرم، وخلال الفترة الممتدة بين شهري أكتوبر وديسمبر 2021، برزت خمسة اتجاهات مُدهشة كنتاج للجلسات النقاشية الــ 26 التي دارت ما بين أكثر من 200 مشارك من أكثر من 35 دولة، شاركوا في مناقشات المجلس، التي تم نشرها في شهر يناير من العام الحالي 2022، ويمكن الاطلاع عليها هنا.
خلال الفترة الممتدة من شهر يناير إلى شهر مارس 2022، استضاف برنامج الإنسان وكوكب الأرض خمسة أسابيع موضوعية تمحورت حول السفر والاتصال؛ والأهداف العالمية؛ والصحة والعافية؛ والغذاء والزراعة وسبل العيش؛ والمياه. وكجزء من هذا البرنامج، استضافت سلسلة المجلس العالمي 26 محادثة حضرها 199 مشاركا من 48 دولة، حيث سُلّط الضوء خلال المناقشات التي جرى تداولها على خمس قضايا أساسية جديدة، بداية من تأطير مكانتنا في العالم وسد الفجوات المعرفية في أنظمة التعليم وصولا إلى تحسين مستوى الأدوات المُستخدمة في مؤسساتنا، مُلقية الضوء بذلك على أسئلة نحتاج إلى مواصلة البحث عن حلول لها.
إعادة النظر في الفلسفة الكامنة وراء النهج الذي يتمحور حول بني البشر
يساهم الاعتماد على نهج يتمحور حول بني البشر في الوقت الراهن في تشكيل الملامح الخاصة بتخطيط المدن والتعليم والتكنولوجيا والعديد من التخصصات الأخرى، في حين أن الهدف المتوخى منه هو جعل القيم الإنسانية الإيجابية معايير أساسية يُستند عليها في المسائل المتعلقة بكيفية تصميم المدن والابتكارات والسياسات والأنظمة، إلا أنه يعرضنا لخطر الفشل في رؤية أوجه الترابط بالغة الأهمية القائمة مع بيئتنا. وما من شك أن البشر يلعبون دورا محوريا، إلا أن هذا الأمر يجب أن لا يكون على حساب استبعاد جميع المسائل الأخرى.
إن تبني وجهة النظر "المتمحورة حول بني البشر" وحدها قد لا تفسح المجال لمراعاة الدور"المحوري" للمخلوقات وأنظمة الحياة الأخرى التي نتفاعل معها وتُؤثر على كوكبنا وصحتنا. لا يمكننا اعتبار بأن بني البشر هم محور الكون، إلا أنهم جزء لا يتجزء من نظام يمكننا تشكيله بطرق إيجابية أو سلبية.
فما هي القرارات التي سنتخذها إذا سمعنا أن الشعاب المرجانية "تبدو" مختلفة عند تحولها إلى اللون الأبيض، وأن بعض اليرقات لن تقترب منها؟ أو إذا رأينا التلوث بلون مختلف في الهواء؟ ماذا لو أننا شرعنا بإثراء نظم معلوماتنا من المعلومات المُستقاة من العلوم والمجتمعات الأصلية والبيانات المستمدة من التقنيات، حينها سنبدأ في اتخاذ قرارات مدفوعة بقدر أكثر فهما لمكاننا في العالم، والذي سيقود في نهاية المطاف إلى تحقيق مستقبل أفضل للإنسانية جمعاء.
فهم الصحة على أنها رفاهية كبديل للعلاج من الأمراض
يشهد قطاع الرعاية الصحية تحولا كبيرا، لم يقتصر تأثيره على رفاهيتنا فحسب، بل طال كذلك طريقة تصميمنا لمدننا. مع العلاجات الفعالة المتزايدة للأمراض المعدية، إضافة إلى التقدم المحرز في مجال البيانات الضخمة والوسائل التقنية، والمجال الناشئ لعلم الجينوم والطب الدقيق، ستتحول الرعاية الصحية من كونها مجرد ممارسة طبية ترتكز على علاج الأمراض والنوبات الحادة في المستشفيات، إلى أسلوب يتمحور حول الصحة الوقائيّة ومكافحة الأمراض المُزمنة على المدى الطويل.
لقد غدا التركيز على الرفاهية بدلا من العلاج، يؤثر بالفعل على تصميم حلول التنقل في المدن، من خلال خلق المزيد من المساحات لممارسة الرياضة والأنشطة البدنية، والمناطق الخضراء، وتوفير إمكانية ممارسة رياضة المشي في المدن التي تُعرف باسم "مُدن الخمس عشرة دقيقة". ومع زيادة تقديم خدمات التطبيب عن بُعد (الطب الإلكتروني)، ستُصبح الجهات المعنية بتوفير الرعاية الصحية أكثر لامركزية فيما يتعلق بتلبية الاحتياجات اليومية.
الأخلاقيات والتنوع في صميم الوقائع الرقمية الجديدة
في الوقت الراهن، تشقّ الكثير من التقنيات الرقمية المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي، والواقع المُعزّز، والميتافيرس، طريقها نحو حياتنا بطرق تتطلب قدرا أكبر من توخّي اليقظة. ولا يمكن اعتبار الأخلاقيات فكرة بالية، بل ينبغي دمج الأخلاقيات في صميم الأنظمة، كما بات التعاون مع الشركات الحكومية والرقمية لبناء التقنية بمسؤولية، أمراً ضرورياً من أجل مواءمة القيم الاجتماعية مع قوى السوق.
ولتحقيق هذا الغرض، لابد من تحقيق التنوع والشمولية في المؤسسات التي تُنشئ هذه الأنظمة، حتى لا نجد أنفسنا نتعامل مع أنظمة تُمثل "وجهة نظر عالمية بتصميم مهندس واحد" داخل الأنظمة التي من المحتمل أن تتخذ قرارات عالية المخاطر. ولإنشاء أنظمة رقمية شاملة، يتعيّن وجود فرق عمل متنوعة، ودوراً نشطاً للعناصر البشرية كوسطاء، مما يضمن تلبية التكنولوجيا للاحتياجات البشرية وليس العكس. عندما يتعاون الإنسان مع الآلات، فمن المرجح الحدّ من التحيزات التي نلاحظها باضطراد من جانب الذكاء الاصطناعي، وربما نقضي على تلك التحيزات تماما. وينبغي أن يكون التنوع المعرفي -بصفته أنماطا مختلفة من المعرفة- مشمولاً في مفهوم التنوع. مثل تشكيل فِرق من الأشخاص الذين يفكرون بشكل مختلف تماماً؛ ويقدمون وجهات نظر مختلفة، ما من شأنه بناء أنظمة أكثر شمولاً واستدامة، وجديرة بالثقة.
استكشاف المحيط المجهول
ربما نعرف، في وقتنا الراهن، عن الفضاء أكثر مما نعرفه عن المحيط. يعتمد فهمنا للمحيط على خريطتنا التقليدية والمعتادة التي تظهر المحيطات المختلفة والبحار: أمثال المحيط الهادي، والمحيط الأطلسي، والبحر الأبيض المتوسط، والمحيط الهندي وما إلى ذلك. بينما عندما نطلّ على تلك المحيط