القاهرة: الأمير كمال فرج .
كشف تقرير عن قضية الزواج المبكر للأطفال ، وما يتسبب فيه من كوارث اجتماعية ، وذلك من خلال اليمتساشي جبريكيدان وهي طفلة في العاشرة من عمرها، انتهت طفولتها فجأة بالزواج المبكر.
تقول جبريكيدان لصحيفة Daily Mail وهي تتذكر اليوم الذي تغيرت فيه حياتها إلي الأبد : "كنت ألعب في الخارج عندما دعتني أمي إلي داخل المنزل، وأخبرتني إني سأتزوج، تفاجأت، وبكيت كثيرا، ولكني لم أجرؤ علي قول أي شيء لوالدي"، ثم تم زواجها علي فتي في السادسة عشرة من عمره بعد شهرين فقط من ذلك اليوم .
وعلي الرغم من الصدمة الشديدة، لم تكن تجربة اليمتساشي فريدة من نوعها، فطبقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن هناك 14.2 مليون طفلة تحت عمر الخمسة عشرة عاما يتم إجبارهن علي الزواج كل عام، معظمها من الهند والشرق الأوسط، ومن أمثال اليمتساشي أيضا من الصحراء الكبرى بجنوب إفريقيا، والنيجر، وتشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وبالطبع أثيوبيا .
نشأت اليمتساشي في بيئة مروعة، فبالإضافة إلي الانقطاع عن التعليم، وانتهاء الطفولة إلي الأبد، تعاني الفتيات من صدمة الشروع في العلاقات الجنسية، مما يعرضهم للعنف المنزلي، والإصابة أيضا بالأمراض الجنسية، كل ذلك بالإضافة إلي ضياع فرصة الحياة المهنية، وفرصة عيش حياة أفضل إلي الأبد .
والأسوأ من ذلك طبقا لإحصائيات الأمم المتحدة، تلقي العديد من الفتيات حتفهن أثناء الولادة، أو خلال مضاعفات الحمل، وهو السبب الرئيسي لوفاة الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين الخامسة عشرة، والتاسعة عشرة في الدول النامية .
وتقول المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة باباتوندي أوسوتيمين، أن زواج الأطفال يعد انتهاك فظيع لحقوق الإنسان، ويسلب الفتيات حقهن في التعليم والصحة والآفاق المستقبلية البعيدة، وتضيف قائلة : "إن زواج الفتيات في سن مبكرة يقضي علي آمالهن ".
وهو رأي تتفق معه اليمتساشي، والتي تبلغ الآن 38 عاما وتعيش في لندن. وتقول أنها مازالت تشعر بالغضب من والديها في بعض الأحيان، وتؤكد أن الزواج المبكر "دمر" حياتها، وتضيف قائلة : "قرر والدي ووالديه الزواج , لم يكن لي خيار في ذلك ."
وقبل إثارة موضوع الزواج المبكر، تذكرت اليمتساشي طفولتها السعيدة في مقاطعة بشمال أثيوبيا . حيث تقول : "كنت في المدرسة، وعلي الرغم من أني انقطعت عن التعليم بعد زواجي، ما زلت أتذكر بعض الذكريات السعيدة عن طفولتي، كنت اقضي كل الوقت في اللعب والأكل فقط."
وقد انتهي كل ذلك عندما قرر والداها تزويجها من فتي كانت أول مرة تقابله في حياتها هو في يوم زفافهما .
وتضيف قائلة : "لم أكن أعرفه، كان الأمر سيان بالنسبة لي عندما رأيته، كان طفلا مثلي وكان غاضبا مثلي تماما، وكان عمره ستة عشر عاما ."
وكما تكشف قصة اليمتساشي، فان الفتيات لسن وحدهن ضحايا الزواج القهري المبكر، وتقول مديرة الحملة الخيرية للمساواة بلندن جاكي هانت، إن الأمر أكبر بكثير من مجرد صدمة.
وتضيف: " يتزوج الفتيان في سن مبكرة، وهي قضية تحتاج للمواجهة أيضا ، ولكن الفتيان يمثلن الأغلبية في زيجات الأطفال، حيث يميل الفتيان إلي الزواج من فتيات في نفس عمرهم أو أصغر قليلا ، بينما تتعرض الفتيات للزواج من رجال اكبر سنا بكثير، كما أن الأمر مختلف بالنسبة للفتيان، فهم لا ينقطعوا عن التعليم، بينما تتعرض الفتيات لخطر الولادة المبكرة، وجميع مضاعفات الحمل".
ورغم أن اليمتساشي حصلت علي زوج مقارب لسنها، فإن الزواج يعني لها الابتعاد عن المنزل، وترك المدرسة، والشروع في الحياة التقليدية كزوجة أثيوبية .
وتقول : " كنت أحضر المياه وأجمع الخشب، بالإضافة للطهو لزوجي، وكانت كل الايام تمر كذلك"، وتضيف : " كان مصدر المياه بعيدا عن البيت، لذا فكنا نذهب بعيدا ثم أعود للطهو".
وعندما بلغت الثالثة عشرة من عمرها أنجبت الطفل تيفسالين، والذي يبلغ الآن 25 عاما، ليضيف إلي مسؤولياتها طفلا لتهتم به، في حين هي نفسها ما زالت طفلة .
وتتذكر الحمل والولادة كوقت صدمة وعذاب رهيبين، وما زاد الأمر سوءا حقيقة أن جسدها غير الناضج لم يتكيف مع المتطلبات الجسدية للحمل .
وتقول : "عندما كنت حامل، كنت أتألم لدرجة البكاء، كما أن الولادة كانت صعبة ومؤلمة، لأني كنت حينها طفلة " .
وإن كان الحمل صعبا فإن الأمومة أصعب، وما زاد الأمر سوءا أن أثيوبيا في هذا الوقت (عام 1989) كانت في خضم حرب أهلية شرسة .
احتدم الصراع علي فترات متقطعة منذ عام 1947 حتي عام 1991 , وفي النهاية أدي إلي سقوط 1.4 مليون قتيلا , ومن بينهم زوج اليمتساشي، ولم يكن يبلغ من العمر سوي 19 عاما فقط عندما قاتل مع قوات المتمردين للإطاحة بالديكتاتور الماركسي الأثيوبي منغستو هايلي مريم.
وتقول اليمتساشي : "بعد ولادة الطفل كانت هناك حرب مروعة، واخذوا زوجي عندما كان عمره 19 عاما فقط، وقتل في الحرب . ترملت عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، وتركني زوجي مع طفلي وكان عمره عام واحد، كان الوضع قاسيا جدا، وصعب أن أتحمل مسئولية طفل حين كنت أنا نفسي ما زلت طفلة".
وعلي الرغم من عدم رغبتها في الزواج، فقد شعرت بحزن شديد عندما تتذكر كيف أن زوجها لقي حتفه في هذه السن الصغيرة، فكم كانت حياته قصيرة ولم يستمتع بها.
وتستأنف : "أشعر بالأسف من أجله لأنه لم يستمتع بحياته، فقد تزوج في سن صغيرة وتوفي في الحرب، عندما أري ابنه أحيانا لا استطيع أن أمنع نفسي من البكاء".
وكأم أرملة وصغيرة، وجدت اليمتساشي نفسها وحيدة مع طفلها، وسرعان ما سقطت في أيدي المتاجرين ووقعت ضحية إغراءات حياة أفضل بالخارج.
تركت طفلها مع أمها، وسافرت إلي مصر لتعمل كخادمة، ولكن بعد مرور شهرين فقط من وصولها ظهر متاجرون آخرون بوعود بحياة أفضل في المملكة المتحدة.
وتقول : "تم تهريبي إلي لندن بمساعدة بعض العرب، واخبروني أني سأعمل معهم ولن يتركوني، ولكنهم جاءوا بي إلي هنا وتركوني".
وكان عمرها لا يتجاوز السادسة عشرة فقط عندما انتقلت العروس الطفلة لتعيش مع عائلة بالتبني بسبب صغر سنها، ولكنها سرعان ما انتقلت إلي شقة صغيرة خاصة بها .
وعادت لتكمل تعليمها، وتعلمت اللغة الانجليزية، وأنشأت مؤسسة خيرية تهدف إلي مساعدة الأمهات الصغار ممن تزوجن وهن أطفال في أثيوبيا، كما تشكل جزءا من "أطفال لا زوجات" وهي شبكة عالمية من المنظمات غير الحكومية والتي تعمل على إنهاء زواج الأطفال.