القاهرة : وكالات .
توفي الصحفي المصري البارز محمد حسنين هيكل عن 92 عاما ، وشيعت جنازته بعد صلاة العصر أمس من مسجد الإمام الحسين المجاور للجامع الأزهر بالقاهرة، واشتهر هيكل محليا وعربيا ودوليا خلال رئاسته لتحرير صحيفة الأهرام التي استمرت ١٧ عاما، وعينه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وزيرا للإرشاد القومي عام 1970 بجانب رئاسته لتحرير الأهرام، وعرف بأنه صانع الأحداث السياسية.
وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي بيانا نعاه فيه قائلا "مصر فقدت اليوم علما صحفيا قديرا أثرى الصحافة المصرية والعربية بكتاباته وتحليلاته السياسية التي تناولت فترات ممتدة من تاريخ مصر والأمة العربية."
قضى هيكل أكثر من 70 عاما عاملا بالصحافة وله كتب كانت من الأكثر مبيعا بينها (خريف الغضب) و(مدافع آية الله).
وخلال رحلة طويلة بين الصحافة والسياسة كان صديقا مقربا لملوك ورؤساء أبرزهم في حياته المهنية عبد الناصر وبينهم الملك عبد الله أول من حكم الأردن وأحمد بن بلة أول رئيس للجزائر بعد استقلالها عام 1962 ومحمد رضا بهلوي آخر حكام إيران وآية الله الخميني زعيم الثورة الإيرانية التي أنهت حكم الشاه عام 1979. كما كان صديقا للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران.
وعبر تلك الرحلة تولى هيكل مهام ومناصب صحفية وسياسية. وخلال عمله وزيرا للإرشاد القومي أسند إليه عبد الناصر الإشراف على وزارة الخارجية لفترة وجيزة في وقت كانت فيه مصر تخوض حرب استنزاف ضد إسرائيل وتستعد لحرب تسترد بها سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.
عمل هيكل مراسلا في دول منها إيران التي كانت موضوعا لكتابه الأول (إيران فوق بركان) عام 1951 ثم كتب بالإنجليزية عن إيران كتاب (عودة آية الله) عام 1982 والذي ترجم إلى العربية بعنوان (مدافع آية الله).
وكانت المحطة الأبرز في مسيرة هيكل الصحفية حين انتقل عام ١٩٥٧ من رئاسة تحرير مجلة (آخر ساعة) الأسبوعية التي تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم إلى رئاسة تحرير صحيفة (الأهرام).
ومنذ العاشر من أغسطس آب 1957 ظل يكتب مقاله الشهير (بصراحة) في العدد الأسبوعي من الأهرام كل يوم جمعة واستمر في كتابته حتى الأول من فبراير شباط 1974 حين ترك الأهرام بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات وتفرغ لكتابة الكتب والمقالات وصار من أشهر كتاب العالم.
حاور هيكل أغلب الرموز السياسية والثقافية والفكرية في القرن العشرين منهم عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين والقائد البريطاني
الفيلد مارشال برنارد مونتجمري والزعيم الهندي جواهر لال نهرو ، وصدرت هذه المحاورات في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ).
وكان هيكل مستشارا لعبد الناصر حتى رحيله يوم 28 سبتمبر 1970 وأصدر كتبا تدافع عن مشروعه للوحدة العربية ومنها (لمصر لا لعبد الناصر) ثم اختلف مع السادات بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣.
وفي سبتمبر 1981 أمر السادات باعتقال هيكل ضمن حملة شملت ١٥٣٦ معارضا حزبيا وصحفيا ظلوا رهن الاعتقال إلى ما بعد اغتيال السادات بأيدي إسلاميين متشددين في السادس من أكتوبر تشرين الأول 1981.
وكتب هيكل شهادته على عصر السادات في كتابه (خريف الغضب) الذي أغضب محبي السادات لتعرضه فيه لبشرة والدته ست البرين السمراء.
وصدرت لهيكل عشرات الكتب التي تجمع بين التوثيق والتأريخ والشهادة ومنها (بين الصحافة والسياسية) و(حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر) و(الخليج العربي.. مكشوف) و(الإمبراطورية الأمريكية) و(المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) في ثلاثة مجلدات تشرح المسار التاريخي للمفاوضات.
وحمل المجلد الأول عنوانا فرعيا هو (الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية) والثاني (عواصف الحرب وعواصف السلام) والثالث (سلام الأوهام.. أوسلو - ما قبلها وما بعدها) حيث عارض اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل وكتب مقدمة كتاب (غزة - أريحا.. سلام أمريكي) للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد.
وسجل هيكل جوانب من تفاصيل وخلفيات الحروب العربية الإسرائيلية على ضوء الصراع الدولي في ثلاثة كتب تحت عنوان (حرب الثلاثين سنة) وحمل المجلد الأول عنوان (ملفات السويس) والثاني (1967.. سنوات الغليان) والثالث (أكتوبر 73.. السلاح والسياسة).
وحين بلغ عامه الثمانين في 2003 كتب سلسلة مقالات عنوانها (استئذان في الانصراف.. رجاء ودعاء وتقرير ختامي) ولكنه عاود الكتابة بين حين وآخر عن رحلة أو تجربة في صحف ومجلات منها (الكتب.. وجهات نظر) بالتوازي مع تركيز الاهتمام في برنامج (مع هيكل.. تجربة حياة) على مدى سنوات في قناة الجزيرة.
وقدم هيكل في البرنامج التلفزيوني شهادته على العصر من خلال سيرته المهنية حيث أعطى لكل مجموعة من الحلقات اسما دالا على الظرف التاريخي لها ومنها (زمان الحرب) و(أيام يوليو) عن ثورة 23 يوليو1952 التي أنهت الحكم الملكي في مصر و(طلاسم 67) عن حرب يونيو 1967.
وسجل هيكل سلسلة حلقات لقناة (سي.بي.سي) التلفزيونية المصرية مع المذيعة لميس الحديدي بعنوان (مصر أين؟ ومصر إلى أين؟) اعتبارا من ديسمبر 2012 تناول فيها الأوضاع السياسية في مصر والمنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي.
ونعاه رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل وقال في بيان "الفقيد الراحل ساهم بقدر كبير في إثراء الحياة الفكرية بما قدمه من الكتب والمقالات والدراسات السياسية والتاريخية."
ونعته نقابة الصحفيين قائلة في بيان إنه "أعطى للإنسانية وللأمة العربية ولمصر جهده وفكره وصلابة موقفه وريادته الفذة في مهنة الصحافة وفي الكتابة الصحفية"، وقال الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في بيان إن الأمة العربية فقدت "مثقفا وكاتبا كبيرا وموسوعيا."
وأشاد الأزهر بدوره "في إثراء الحياة السياسية والصحفية بكتاباته الراقية التي ساهمت في تشكيل وعي كثير من المصريين ونهضت بالصحافة المصرية."
وأشاد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي "بالدور البارز الذي قام به الفقيد الراحل سواء من خلال مسؤولياته الحكومية في الدولة المصرية أو على الصعيد الفكري وإسهاماته الكبرى في الحياة العربية المعاصرة."
ووصفه عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية في تصريح لقناة (سي.بي.سي اكسترا) التلفزيونية المصرية بأنه "قامة من القامات الرفيعة في مصر".
وهيكل زوج لهدايت تيمور منذ عام 1955 ولهما ثلاثة أبناء هم علي وهو طبيب ورجلا الأعمال أحمد وحسن.