القاهرة : الأمير كمال فرج .

تشهد مدينة البندقية بعد ساعات حدثا فنيا إستثنائيا ينتظره الفنانون وعشاق الفن كل عامين، وهو معرض بينالي فينيسيا الدولي 58 الذي يقام  في الفترة من 11 مايو إلى 24 نوفمبر 2019 تحت عنوان "قد تعيش في أوقات ممتعة  May You Live in Interesting Times" ، بقيادة أمين المتحف الأمريكي رالف روجوف وتنظمه لا بينالي دي فينيسيا .

ذكر تقرير كتبه فيليب كينيكوت في صحيفة washingtonpost إن "غيوم غريبة مذهلة ظهرت أعلى الجناح المركزي لبينالي فينيسيا ، وهو مبنى أبيض به رواق كلاسيكي مكشوف ، وهو الآن مركز عالم الفن العالمي،  تم إنشاؤه من قبل لارا فافاريتو ، وهو مجسم مصنوع من الماء الذي يتم دفعه من خلال فوهات ضبابية ، وبعد أن يدور الرذاذ لحظات فوق الجناح ، يستقر على الأرض ، تاركا الزوار يمرون أسفله القليل من البلل.

يتناقض خفة هذا العمل مع ثلاثة أكياس قمامة سوداء في كتل مشوهة في مكان قريب ، كما لو أن طاقم التنظيف أو موظفي الصيانة قد نسيوهم، ولكن في الحقيقة كانت الكياس أيضا فن ، فقد كان منحوتة من الرخام بواسطة أندرياس لوليس ، وهو فنان ألباني يعمل في اليونان.

تراكب إجتماعي

يُطلق على بينالي فينيسيا ، الذي أقيم لأول مرة عام 1895 ، لقب "السوبر بول من عالم الفن" (المباراة النهائية في بطولة دوري الألعاب الرياضية الأمريكية)، حتى أن البعض قارنه بالأولمبياد، وهو حدث عرضي يستقطب جمهورا دوليا أيضا ، لكن هذه المقارنة غير ملائمة أيضًا.

لا يعد بينالي فينيسيا حدثًا موجها للجماهير ، ولكنه عبارة عن تراكب اجتماعي متكرر للنخبة في مدينة تعد بالفعل أكثر كثافة بالفن من أي مكان آخر على هذا الكوكب، إنه مهرجان ثقافي أكثر مما ينبغي ولا يكفي المستهلك على الإطلاق.

وعلى الرغم من أن البينالي لم يفتح رسميًا حتى يوم السبت ، إلا أن هناك بالفعل سلسلة من اليخوت العملاقة التي ترسو على الرصيف بالقرب من مدخل أراضي البينالي، في إشارة إلى الزوار الذين يحرصون على المشاركة في هذا الحدث الفني المهم كل عام.

خلية عمل

في أول يوم لي هنا ، كان الجو مشرقًا وباردًا ، ولم تصل الحشود بعد، في أراضي جيارديني ، أصبحت الحديقة التي توجد بها الأجنحة الرئيسية ، خلية عمل ، حيث كان الرجال يحملون السلالم ، ويقومون بالتوصيل ووضع الملصقات على الجدران.

حاولت أن أفهم بنية هذه النظرة الواسعة غير العملية والمبهجة، يقول رئيس بينالي فينيسيا باولو باراتا من قلب هذه التظاهرة ، إن "المعرض الدولي للفنون مسح مجاني يرصد بشكل جوهري حالة الفن كل عامين، والقيم الفني لهذا العام هو الأمريكي رالف روجوف ، مدير معرض هايوارد في لندن".

20 حدث جانبي

يوجد أكثر من 20 حدثًا جانبيًا مرتبطًا بالبينالي الرسمي ، ومع ذلك ، فإن هناك المزيد من المعارض والأحداث غير الرسمية التي تتجمع في الميدان، لم لا؟ ، فالعالم كله يشاهد.

يقول باراتا: "60% من الأنشطة التي تقام هنا تحت سيطرتنا، ومع ذلك ، فإن الأمر برمته يشبه إلى حد ما معرضًا مجانيًا للجميع ، هو أشبه بمعرض الدولي منسق تمامًا يمكن للزائر أن يقضي فيه يوما كاملا في النظر إلى الفن.

الرقص الفلسفي

حدد منسق بينالي البندقية عام 2019 رالف روجوف  برنامجه الكبير في بينالي "قد تعيش في أوقات ممتعة"، حيث قام بتقسيم البينالي الضخم إلى جزئين ، أحدهما في مبنى طويل من الآجر في أرسنال، وهو مصنع لبناء السفن منذ قرون من أيام مجد البندقية كقوة بحرية في البحر الأبيض المتوسط ، والآخر في الجناح المركزي، وساهم نفس الفنانين في أعمال كلا المبنيين.

يشدد روجوف على أنه لا يريد الإدلاء ببيان ، أو إثبات فرضية أو اقتراح قاسم مشترك في العمل، ولكنه يقول: "بدلاً من أن يكون هناك موضوع محدد للبينالي ، أفضل أن أسلط الضوء على الأشياء التي يفعلها الفن، والتركيز على أوجه الشكوك الغريبة أو التناقضات المتناقضة، باختصار ، الرقص الفلسفي والجمالي المعتاد".

آلة الدم

البينالي المكون من جزأين وسيلة ذكية لإعطاء بعض الفنانين فرصة التنوع، من هؤلاء تيريزا مارجوليس ، وهي فنانة من المكسيك ، تقدم واحدة من أقوى الأعمال في المعرض، وهي قطعة تسمى "La Búsquedaلا بوسكيدا"، والتي إستخدمت في صنعها ملصقات النساء المفقودات، مثبتة على جدران زجاجية، عملها الآخر ، عبارة عن جدار منبسط يعلوه سلك شائك ، هو استخدام صريح لكليشيه قديمة.

ومن أكثر الأعمال تميزا في المعرض عملين للفنانين الصينيين سون يوان، وبنغ يو، الأول عرض عام 2016 في متحف سولومون غاغينهايم في نيويورك ، وهي ذراع آلية محمومة داخل غرفة زجاجية، تقوم بالمسح وتنثر الدم على جدران الأكريليك الشفافة، والآخر عبارة عن كرسي ضخم يشبه عرش لينكولن من النصب التذكاري في واشنطن، مع أنبوب مطاطي مرفق يرفرف بعنف كل بضع دقائق ، مما يخلق ضوضاء رهيبة ويعطل كل شيء آخر في العرض.

"آلة الدم" الرهيبة التي تنشر على مدار الساعة المزيد من الدم ـ رغم أنها تثير مشكلة التنظيف ـ  ترمز إلى أن العنف أداة أساسية للسلطة،  لكن الأعمال التي تترك انطباعًا كبيرا أولاً قد لا تشكل تأثيرا دائما.

قبح العالم

يستغرق الأمر ما يقرب من ثلاث ساعات لمشاهدة المعرض الرئيسي ، وهذا لا يتيح حتى الوقت للجلوس لمشاهدة  مقاطع الفيديو الأطولـ أو الانتظار في طابور محطات الواقع الافتراضي، ولكن ما يتبقى هو الإحساس السحري بالعمق المتلألئ في لوحات جولي ميهريتو ، المتلألئة بأضواء ذهبية ، والتي تجسد قبح العالم .

غرفة الفنان طارق عطوي الهادئة مليئة بالأدوات الموسيقية الغريبة ، مما يخلق صوتًا هجينًا من العصر الحجري والأصوات الإلكترونية ؛ أما صور سوهام غوبتا عن الفقراء المدقعين في كلكتا ، الهند ، فتجسد معنى الاستغلالية.

الأجنحة الوطنية

كل هذا التجوال ولم أتطرق إلى الأجنحة الوطنية، يخبرني هاتفي الخلوي أنني مشيت مسافة 7.6 أميال في اليوم الأول. الأجنحة الوطنية الفردية في البينالي تقدم الرؤية المعولمة للفن، حيث يقدم فيها كل بلد بيناله الفني الخاص به، ويمثل أمريكا هذا العام النحات مارتين بوريير.