القاهرة : ثقافة .
فاز ثلاثة علماء بجائزة نوبل للفيزياء هذا العام، من بينهم دونا ستريكلاند، وهو إنجاز كبير يتمنى كل عالم تحقيقة. لكن التغطية الإعلامية للخبر اهتمت بإبراز غياب المرأة عن جوائز نوبل للفيزياء.
وذكر تقرير نشره موقع BBC أن "ستريكلاند ثالث امرأة تفوز بالجائزة، بعد ماري كوري في عام 1903، وماريا جيوبرت ماير التي فازت بالجائزة بعدها بستين عاما، وعلى الرغم من حصول فرانسيس أرنولد، مهندسة الكيمياء الحيوية، على جائزة نوبل في الكيمياء، إلا أن ضآلة نسبة الفائزات بجائزة نوبل في العلوم تثير تساؤلات عديدة حول وضع المرأة في التدريس الجامعي بالمجال العلمي".
وقطعت الباحثات شوطا طويلا على مدار القرن الماضي، ولكن لا يزال هناك من الأدلة ما يؤكد ضعف تمثيل المرأة في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات.
عراقيل خفية
أشارت دراسات إلى أن النساء اللائي يواصلن العمل في المهن العلمية يصطدمن بعراقيل خفية وعلنية. إذ يشتد التحيز ضد المرأة في المجالات التي يهيمن عليها الرجال، وكثيرا ما يُنظر للمرأة في هذه المجالات على أنها دخيلة أو أن مشاركتها "صورية" لإثبات التوزيع المنصف للمناصب.
وأثبتت دراسات أن وصول المرأة إلى المناصب القيادية، سواء في الرياضة أو السياسة أو الطب أو العلوم يحفز الفتيات وغيرهن من النساء للسير على خطاهن، ولكن هل تحسن معدل تمثيل المرأة في مختلف المجالات؟ وما الذي يعوق المرأة عن المشاركة الفعالة في قاعات المحاضرات والمعامل والمناصب القيادية وحتى في نيل الجوائز؟
قوالب نمطية خادعة
المرأة والرياضات
يتصور كثيرون أن النساء يكرهن الرياضيات ولسن بارعات في العلوم، وقد ترسخت هذه الأفكار المسبقة عن النساء في أذهان الرجال والنساء على حد سواء.
وطالما دحض الباحثون هذه القوالب النمطية عن التفاوت المعرفي بين الجنسين بالأدلة العلمية. إذ تشير الدراسات إلى أن الفتيات والنساء يعزفن عن دراسة العلوم الطبيعية والرياضيات والعلوم التقنية والهندسة، لا بسبب ضعف قدراتهن المعرفية، ولكن بسبب السياسات التعليمية والمشكلات الثقافية، والقوالب النمطية السائدة في هذه المجالات، ولأنهن لم يصادفن نماذج ملهمة لنساء نجحن في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات.
وعلى مدار العقود الماضية، ركزت جهود زيادة مشاركة المرأة في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات على تحدي هذه القوالب النمطية عن المرأة، من خلال إصلاح التعليم ووضع برامج جديدة تهدف إلى حث الفتيات على دراسة العلوم الطبيعية والتقنية والهندسة والرياضيات من المرحلة الابتدائية والثانوية وحتى الجامعة، ومواصلة الدراسة والتدريب بعد التخرج من الجامعة.
وقد حققت بعض الجهود نجاحا ملموسا، إذ زاد إقبال النساء نسبيا على العمل في المهن العلمية والتقنية والرياضية والهندسية والالتحاق ببرامج الدراسات العليا في هذه التخصصات.
وقد أصبح الآن نصف العاملين في مجال علم النفس والعلوم الاجتماعية من النساء. وزادت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة في المجال العلمي بشكل عام، باستثناء الكمبيوتر والرياضيات.
عقبات تنظيمية
حسب المعهد الأمريكي للفيزياء، تحصل النساء حاليا على نحو 20 في المئة من شهادات البكالوريوس، و18 في المئة من درجات الدكتوراة في الفيزياء، في حين أنه في عام 1975، لم تحصل النساء إلا على 10 في المئة من إجمالي شهادات البكالوريوس، وخمسة في المئة من إجمالي شهادات الدكتوراة.
ورغم ذلك، تواجه النساء الحاصلات على درجات الدكتوراة في العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا الكثير من العراقيل التي تحول دون ترقيها إلى المناصب القيادية في سلك التدريس الجامعي، أو التي لا تسمح لها بشغل هذه المناصب إلا في أوقات الأزمات.
تواجه المرأة الكثير من العقبات التنظيمية والمؤسسية عند الترقي في السلك الأكاديمي في التخصصات العلمية والتقنية والهندسية والحسابية.
فجوة الأجور
وبالإضافة إلى فجوة الأجور بين الجنسين، فمن الصعب على المرأة تحقيق النجاح والترقي والحفاظ في الوقت نفسه على التوازن بين أعباء العمل وأعباء الأسرة في ظل متطلبات نظام التدرج الوظيفي لأعضاء هيئة التدريس في التخصصات العلمية. إذ تتطلب الأبحاث المعملية التفرغ للدراسة في المعامل لسنوات.
بالإضافة إلى أن العمل في بيئات يهيمن عليها الرجال، يجعل المرأة تشعر بالعزلة، أو بأن مشاركتها صورية لإيهام الآخرين بوجود مساواة بين الجنسين في توزيع المناصب، أو قد تصبح أكثر عرضة للتحرش.
إقصاء المرأة
وكثيرا ما يعمد الرجال في هذه البيئات إلى إقصاء المرأة من المناسبات الاجتماعية واستبعادها في حالة وجود فرص لإقامة شبكة علاقات مهنية، وهذا يجعلها تشعر أنها دخيلة على المجال بأكمله.
وكلما قلت نسبة النساء في بيئة العمل، أي أقل من 15 في المئة، عجزن عن الدفاع عن أنفسهن، وتزيد احتمالات النظر إليهن على أنهن أقلية أو استثناء في المكان، ومن ثم يضطررن لقبول المشاركة الصورية في اللجان لإثبات تمثيل المرأة، أو أن يؤدين بعض أعباء زملائهن الذكور ويقدمن النصح لطالبات الدراسات العليا.
وفي ظل انخفاض نسبة النساء العاملات في المجال، تقل فرصهن في إقامة شبكة علاقات مهنية مع غيرهن من الباحثات لتبادل النصح وتقديم الدعم.