في الحقيقة لا أضع نفسي مدافعًا عن ارتداء الحجاب من عدمه، لأن الأزهر الشريف أولى منا بذلك، ولكن أن تأتي الدعوات لمليونية يخلعن فيها نساء مصر حجابهن، ليمثل ذلك صفعة على وجه الإخوان، كما يدّعى الداعون، فهذا يحتاج إلى وقفة..
أولاً، أن ننسب الحجاب لجماعة معينة، سواء، إخوانًا أو غيره، فهذا أمر يشوبه عوار، ورؤية قاصرة تخبّئ وراءها الكثير.. هذه واحدة.
ثانيًا، رغم أن القانون المصري لا يفرض ارتداء الحجاب، ومن ثم بعيدًا عن المنظور الديني، فإن ارتداءه، أقل ما يمثله فهو يعبر عن حرية شخصية..
وبالتالي فإن الدعوة إلى خلعه، إنما هي من قبيل التعدي على حرية الآخرين، وممن.. من دعاة الليبرالية، والحرية الشخصية، الذين يصدعوننا ليل نهار، بعدم التعدي على حرية الآخر، أو السبر في أغواره.. وهذا إن دل فإنما يدل على انتهاك حقوق قطاع عريض من المجتمع يرى في ارتدائه الحجاب شرفًا وعِفة..
ثالثًا، التحجج بأن ليست كل من ترتدي الحجاب، طاهرة وعفيفة، فرغم أنه لم يقل أو يدّعى أحد ذلك، كما لم يقل آحد بعدم عفة أو غياب طهر كل من لم تلبس حجابًا، فإن هذا التحجج، أو شئت قل التبجح، يمثل استخفافًًا بمن يرتدينه، واتهامًا صريحًا وخوضًا في أعراض نساء عفيفات، وإلقاءً لتهم من دون سند أو دليل، بشكل جزافي ليس لمن يرتدين الحجاب وفقط، ولكن أيضًا لما يعبر عنه هذا الحجاب، الذي هو رمز راسخ للدين الإسلامي، ومن ثم التعدي عليه يمثل تعديًا، في جوهره، على الإسلام، ولذا نتطرق إلى قضية أخرى تُسمى ازدراء الأديان..
ثم أن تأتي الدعوة لخلع الحجاب في ميدان عام، في بلد إسلامي، شاء من شاء وأبى من أبى، في وقت تظهر فيه أول مذيعة في التليفزيون الأمريكي مرتدية الحجاب، ومن دون مضايقات ولا اتهامات لها بالتخلف أو عدم العفة والطهارة، أو أنها بارتدائها الحجاب تنتمي لجماعة الإخوان المحظورة قضائَيًا، فهذا أبلغ رد من بلد يمثل أكبر دولة في العالم، ويدين معظم سكانه بالديانة المسيحية، على دعاتنا المستنيرين!!.
إذا افترضنا حسن نية الداعين لخلع الحجاب، وما قاله آخرون يفتون في كل عضد، ويشبهون الحجاب بأنه غشاوة، وحان وقت رفعها عن رؤوس المصريين، تصريحات نجيب ساويرس الأخيرة في بوابة الوطن، التي غلّفها بقوله خلع الحجاب حرية شخصية، مردود عليه، بأنه من تكلم في ما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه..
وعلى اعتبار من يرتدين الحجاب لا يرتدينه، قسرًا أو جبرًا، ومن ثم لا ينتظرون نصيحتكم الغرّاء التي ستنتشلهم من بحر الظلمات إلى نور الطرقات، ولا سيما إذا جاءت النصيحة من غير أهلها، فإنها لا تمثل إلا صفعةً على وجوه ناصحيها، وتطبيقًا لفكرة الرويبضة..