لا شك أن العالم قاطبةً، يُتابع عن كثب فاعليات "مصر المستقبل"، ذلك المؤتمر الذي يُقام في مدينة "شرم الشيخ"، إحدى البقاع الساحرة في مصرنا المحروسة، وتعوّل عليه الدولة في جلب ما يزيد على 60 مليار دولار استثمارات خارجية..
انعقاد "قمة مارس"، كما أُطلق عليه إعلاميًّا، في ذاك التوقيت، فضلاً عن أنه تحدٍ حقيقي تراهن الحكومة من خلاله على أنها تسير وفق الطريق الصحيح سياسيًّا واقتصاديًّا، إلا أنه يكشف في الوقت نفسه، أيضًا عن قدرة مؤسسات الدولة على حماية المستثمر وتذليل جميع العقبات أمامه، ومحاولة إقناعه بالتخلص من كافة الإجراءات البيروقراطية، التي عرقلت النمو الاقتصادي، ومن ثم السياسي والاجتماعي.
على مدار ثلاثة عقود ونيف خلت.. سعت الدولة، ممثلة في حكومتها إلى الترويج لهذا المؤتمر، خلال الشهور المقبلة، مستخدمة كل ما يمكن استخدامه من وسائل، لتهيئة المناخ الملائم الجاذب لاستثمارات في بلد أقل ما يوصف به أنه يحظى بفرص لا تتمتع بها أي دولة أخرى، على وجه البسيطة من دون مبالغة، ويعي ذلك كل من يعرف عن مصر ولو شيئًا قليلاً.
جاءت محاولات الحكومة في حفنة من إجراءات لا يغفل أحد جرأتها في ظل حالة هياج وفوران شعبي أودت بحياة نظامين رئاسيين في أقل من ثلاث سنوات.. ما سجل "بنطًا" للحكومة الحالية ورئاستها التي صارحت وواجهت الشعب بحقيقة الموقف المأزوم الذي تمر به البلاد، قَبِلَ من قبل وأبى من أبى، سواء على المستوي الداخلي أو الخارجي.. تمثلت هذه الإجراءات في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته حكومة محلب، ومنها رفع الدعم تدريجيًا عن الطاقة، بجميع مكوناتها.
وتطبيق منظومة الخبز والتموين رغم ما شابها من سلبيات، فإنها إذا ما اكتمل تطبيقها على المستوى المطلوب تستحق عن جدارة أن تدُرّس، فضلاً عن التعديلات التي أدخلتها على قانون الاستثمار وبعض قوانين الضرائب، وختامًا بإجراءات البنك المركزي المصري، الذي حاول عبرها القضاء على السوق الموازية للدولار الأمريكي، للسماح للعملة المحلية بالانخفاض أمام العملة الخضراء.
كما يأتي ذلك الإجراء من وجهة نظري ليس فقط للقضاء على السوق الموازية، وإنما لعدم إعطاء الجنيه المصري قيمة أكثر من قيمته. بالإضافة إلى وجود تصريحات بتكرار تحريك أسعار الدعم خلال الفترة القليلة المقبلة، ما ترك رصيدًا لدى صندوق النقد والبنك الدوليين بجدية الحكومة في الإصلاحات التي أعلنت عنها، وتأكيدها على محاولة النهوض بالبلاد بشفافية واضحة.
ولا يفوتنا أن نغفل المردود الإيجابي على الإعلان عن مشروع محور قناة السويس الجديدة، أو شُريان العالم الجديد، وفكرة تمويله الجهنمية بحهد ذاتي صِرف، عن طريق طرح شهادات استثمارية بعائد 12% سنويًا، وتأكيد الرئيس على أنه لن يبني مصر إلا أبناء مصر.
يبقى في نهاية المقال تناول إسناد الترويج للمشروعات المقرر طرحها على طاولة المؤتمر، لبنوك استثمار لها وزنها في الأسواق كافة، والزيارات المكوكية التي قام بها وزير الاستثمار النشط أشرف سالمان... رغم أن المؤتمر قائم على طرح المشروعات والتعريف بها لدي المستثمرين، ولا يمكن التنبؤ بتوقيع اتفاقيات خلاله، نظرًا لضيق وقت الانعقاد ودراسة جدواها، فإن "مصر المستقبل" يظل بصيص الأمل الذي يعيد مصر لتقف من جديد على خطى ثابتة، كما هو معهود عنها..