على الرغم من أنني حين أزورها أحرص كل الحرص على أن أبدو كأحدهم، لطرد ذلك الشعور غير المريح، بأن الجميع ينظر إلى قفاك.. أركب اللادا الجميلة، واستخدم الهورن، بمناسبة أو من دونها، أضحك من قلبي، أطلق عبارات بصوت مرتفع: ولااااااااا، أوعاااااااا، سمو عليكووووووو، كانت الحياة ستكون صعبة جداً لولا وجود حروف العلة، تخيّل كيف ستمد كلمة مثل: «عبط»، دون أن تضطر إلى نفخ شدقيك في بائها؟! أجلس في المقهى الشعبي وأطلب «حجر سلوم وكشري»، أتقن اللهجة تماماً، ورغم كل ذلك، تأتيني الطلبات، ويقول لي «القهوجي» ببساطة: أجدع ناس بتوع الخليج!
كيف أدركَ ذلك؟! راجعت «المنيوال» الخاص بكيف تكون مصرياً ثلاثين مرة، ورغم ذلك لم أفلت! الأغرب من ذلك أنك حين تفتح حديثاً مع أحد الأحبة المصريين، وهو يتحدث عن الخليج، يستخدم مصطلح «العرب»، العرب بيحبوا الأهوه، والعرب بيجوا هنه في الصيف، والعرب بيحبوا السمك، والعرب بيحبوا الحوامدية، أؤشر لمحدثي بأن يصمت، وأقول له: خف علينا، العرب والعرب، حسّستني أنكم «فرنساوية»! يبتسم بطريقتهم الجميلة، ويقول: أخف عليك ليه؟ هو أنا ضربتك؟! تختلف الثقافات باستخدام كلمة «خف»!
في زيارتي الأخيرة للمحروسة التقيت أحد المصورين القدماء، الذي أخبرني بأنه كان في الإمارات في السبعينات، وقال لي إنه يعرف أن «العرب» يحبون الصور القديمة، أخرج لي مجموعة من الصور، فعلاً فيها صور كثيرة للشيخ زايد، رحمه الله، والشيخ خليفة، استوقفتني صورة معينة للشيخ زايد، مع أحد الإعلاميين القدماء، كان يبدو غاضباً، غاضباً بطريقة لم نعهدها في صوره الباسمة التي اعتدنا عليها، سألته عن سر الصورة، فأخبرني بأنه كان قريباً حين التقطها، وكان كل ما سمعه من الشيخ زايد، رحمه الله، وهو يقول للإعلامي: «إلا مصر، لا تخسرون المصريين بهذه الكتابات».
اليوم، وأنا أشاهد الكثير من التهجم غير المبرر على مصر، كدولة وتاريخ، يسيء الأمر كثيراً، فمصر ليست سياسة وحكومة وجيش فقط، إنها أكثر من ذلك بكثير، مصر هي الجزء الأكثر حميمية فينا، إنها وصية نبينا، لتحافظ عليها حباً فيه، إن لم تكن تريدها أمّاً أو تستكثر اللقب عليها، فاعتبرها أختاً تستحق حنانك وحمايتك على الأقل.
صدقوني يا جماعة، لا يوجد ما يمكنه أن يحل مكان مصر، لا بديل، مهما حاولنا إقناع أنفسنا بالعكس، تخيلوا لو كان يونس شلبي من بلاد عربية أخرى، هل كنا سنحبه بالقدر ذاته؟! هل كان سيكون باللطافة ذاتها؟! «بدهاش تضبط»!
لا أعتقد!