تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الدكتورة هبة مدحت: الباحث العربي يجب أن تكون له مقاربة ونظرية



أستاذة السوربون تؤكد أن قوة اللغة العربية تكمن في الجذور

* التعامل مع بعضنا البعض سيؤدي إلى تبادل مصطلحي
* من درسوا علم المصطلح في لغة لم يفهموه بقدر من درسوه في لغتين
* يجب إضافة المصطلحات الحديثة، والبناء على ما قدمه القدماء
* المحاولات السابقة لفرض المصطلحات فشلت ومثال ذلك الفرنكوفونية

 

 


 

باريس: الأمير كمال فرج

تفرض قضية المصطلح نفسها في الساحة النقدية، وتستأثر بالكثير من الجدل، وهذا شيء طبيعي، فالمصطلح جزء أساسي من اللغة والسياقات الاجتماعية، به يتحقق الفهم، وهو غرض أساسي لكل اللغات، وفي هذا الإطار كان الحديث عن إشكاليات المصطلح.

الدكتورة هبة مدحت أستاذ الترجمة وعلم المصطلح بالمدرسة العليا للمترجمين الفوريين والتحريريين بجامعة السوربون باريس 3 من أبرز من كتبوا عن علم المصطلح وناقشوا اشكالياته اللغوية والمجتمعية.

صدر لها بالفرنسية عدة كتب في هذا المجال منها: "الترجمة وعلم المصطلح مقاربة متعددة التخصصات"، "الواقعيات ذات المدلول الثقافي"، "الأدب والترجمة وتعلم اللغات"، "اللغة العربية الفصحى والتنوعات الإقليمية"، "الترجمة وتعلم اللغات بين الوساطة والمعالجة"، كما ترجمت إلى العربية كتاب "قصور ومنازل القاهرة" تأليف برنارد موري، جاك ريفيولت (3 أجزاء)، وهي تعكف حاليا على مشروعين، الأول: قاموس العمارة الإسلامية فرنسي عربي، والثاني: قاموس المصطلحات الزخرفية.

كشفت الدكتورة هبه مدحت ـ في لقاء أجرته "الشارقة الثقافية" معها في باريس ـ أبعاد أزمة المصطلح، ورفضت فرض مصطلح معين، وقالت إن قوتنا وفرصتنا في اللغة العربية تكمن في التعامل مع بعضنا البعض، داعية إلى وجود تبادل مصطلحي عربي عربي، مشيرة إلى أهمية أن يكون للباحث العربي مقاربة ونظرية تنبع من ثقافته وهويته

وأكدت الدكتورة هبة أن لدينا تراث عظيم من كتب المصطلحات، ولكن لا يمكن أن نظل نتغنى بالقديم، داعية إلى إضافة المصطلحات الحديثة، والبناء على ما قدمه القدماء.. وآراء أخرى في هذا الحوار..

أزمة المصطلح

ما هي أبعاد أزمة المصطلح في العالم العربي؟

ـ لأزمة المصطلح أسباب وجذور، أولًا تعدد الدول العربية، فنحن دول متعددة، وشيء طبيعي وجود فروق بيننا، وهذه مشكلة عالمية، ففي المصطلحات نجد مثل هذه الفروق في اللغة الإنجليزية، أستراليا ليست مثل أمريكا أو إنجلترا، وفرنسا ليست مثل بلجيكا، ولكننا كعرب مصممون على أن نفرض على أنفسنا مصطلحًا واحدًا، وهذا مستحيل. لابد من وجود فروق ولابد أن نتقبلها.

لذلك يجب أن نحدد المفهوم، وقوة اللغة العربية إنها لغة تقوم على الجذور، أفهم الجذر ومن ذلك الجذر أخرج معنى الكلمة، وبناءً على ذلك، هناك ألفاظ عامة كالجوال والمحمول على سبيل المثال، لسنا في حاجة إلى القاموس للتعرف على معانيها، حتى لو تغيرت الدول العربية.

المشكلة الثانية أننا نصر على معرفة أصل الكلمة، يجب أن نعد قواميس لتاريخ المصطلح، وهي في غاية الأهمية، وقواميس أخرى متخصصة تدلنا على الاستخدام الحالي للمصطلح في مجاله دون النظر على استخداماته في المجالات الأخرى، أي أن نقول: في هذا المجال يستخدمون المصطلح للتعبير عن هذا المفهوم. فلا أحتاج إلى العودة كل مرة لتاريخ المصطلح. لأن ذلك يرهق مستخدم القاموس.

كان علماء اللغة العرب يعرفون اللفظ لغةً واصطلاحاً. فكانوا أولا يعرِّفونه بناءً على جذره وعلى تطور المعنى الذي أدخِل على هذا الجذر، ثم بعد ذلك يتطرقون إلى معناه اصطلاحا، أي يحددون المفهوم الذي ينطوي عليه هذا المصطلح. وهذا هو الأسلوب الحكيم الذي يجعلنا نلِم بكل ما يحمله هذا المصطلح من معانٍ. ولكني أري اليوم أن العديد من اللغويين يهتمون بمعني المصطلح لغة، دون العناية بالمفهوم الذي يحمله، رغم أن الهدف الأول للقارئ من الاطلاع على القاموس هو التعريف الاصطلاحي، أي الوصول إلى المفهوم الذي يحمله المصطلح.

إن قوتنا وفرصتنا في اللغة العربية تكمن في التعامل مع بعضنا البعض، لا أن أقول لكل شعب استخدم مصطلحًا معينًا، يجب أن نتعاون في المجالات العلمية، ولكننا نلجأ دائما للخبير الأجنبي، وهذا خطأ، فإن عدم التعامل بيننا شكل حاجزًا في المصطلحات، وبمجرد التعامل المشترك نجد المصطلحات تجري بسلاسة.

أيضا للأسف نحن دول مستوردة للعلم، لذلك تأتينا مصطلحات من أصل إنجليزي وفرنسي. مثال "الموبايل" البعض يقول "سيلولير"، رغم أن لدي "المحمول" و"الجوال"، لأن هذه الآلة وصلتني متأخرا على شكل موبايل. لذلك لابد من وجود تبادل مصطلحي عربي عربي، أنا لا أعترض على أخذ الخبرة من أهلها، ولكن من المهم وجود مصطلح عربي.

 

 

 

 

مقاربات عربية

ـ معظم مصطلحات النقد الأدبي أجنبية، فكيف السبيل إلى نظرية نقدية عربية؟

ـ أثناء وضعي كتاب بالفرنسية يتضمن عرضًا لتاريخ علم المصطلح وتاريخ الترجمة، وفي مرحلة البحث عن تطبيق أي نظرية أو مقارنة في اللغة العربية، وجدت كنز وقيمة عظيمة، ففي العصور القديمة وجدت الكثير من المصطلحات، مثل كتاب "الإبل"، و"اللبن" وغيرها..، وقد استعرضت ذلك في كتابي، وفي فرنسا وأوروبا وجدت الكثير، ولكن في العصر الحديث لم أجد أي نظرية أو أي مقارنة، كلنا نأخذ من الأجنبي ونكتفي بذلك.

الباحث العربي يجب أن تكون له مقاربة ونظرية تنبع من ثقافته وهويته وتتماشى مع خواص اللغة العربية، وهذا غير موجود. الواقع الآن، حتى يكون لدي مصداقية يجب أن ألجأ إلى مصطلح أجنبي، وبذلك أكون قد نجحت، وهذا خطأ.
لدينا تراث عظيم، ففي القرن الثالث الهجري ظهر كتاب "الحيوان" أول كتاب جامع كُتب باللغة العربية في علم الحيوان وكتاب "الانسان" وهو عبارة عن قواميس علمية، وكتب أخرى عن "الرياح" و"المطر" ومثل هذه الكتب القيمة غير موجودة الآن، لكن لا يمكن أن أظل أتغنى بالقديم، يجب أن أضيف المصطلحات الحديثة، وأبني على ما قدمه القدماء.

إشكاليات بحثية

ـ ماهي الإشكاليات التي واجهتك في المقارنة بين المصطلح العربي والأجنبي؟

حاولت ترجمة هذه المصطلحات العربية القديمة فوجدت نفسي أسيرة للغة الأجنبية. في الماضي كنا لا نجد المقابلات للغة العربية، ولكن اليوم حدث العكس.المشكلة تكمن في أن مقارباتنا ونظرياتنا أجنبية، ونحن لا نرفض ذلك، فقد تعلمنا منها الكثير، ولكن أين أنا كعربي في علم المصطلح وعلم الترجمة؟

في نظريات الترجمة توقفنا عند رفاعة الطهطاوي، رغم أنه لم يقدم نظرية، ولكن يمكنني أن أستنتج من أعماله التي تركها لنا نظرية. بعد ذلك كلها نظريات أجنبية فرنسية وإنجليزية. كل مؤسسي هذه النظريات أجانب. لا أطالب بمقاطعة الأجنبي، فأنا أعيش في دولة أجنبية، وأتأثر بها، ولكني أتمنى عندما أفتح كتابًا عربيًا أجد نظريات ومقاربات عربية.

 

القدماء قاموا بجهد عظيم، فقد جمعوا مئات المصطلحات من القبائل، وأدخلوها في شعرهم، وتركوا لنا الشعر العربي العظيم، لم يكن تعريف علم المصطلح قد وجد، وكان علم الألفاظ. لقد أبدعوا في سرد أسماء المطر والإبل، حتى أنهم قاموا بتشريح الناقة وحددوا اسم كل عضو، وامتدح الشعراء حتى أسنان الإبل.

تبادل المصطلحات
ـ كيف يمكن التعامل مع ظاهرة تعدد المصطلحات؟

ـ لمعالجة هذه المشكلة نحتاج إلى لقاءات كثيرة على المستوى العربي، للاتفاق على المصطلح ووضع الضوابط الخاصة به، عندما نلتقي سنلاحظ أن كل منا يستخدم مصطلحا، بتكرار اللقاءات سنتفق بالتدريج على المصطلح الأفضل، التلاقي النقدي والبحثي هو الحل، ولكن إذا جلس كل منا في بيته يردد مصطلحاته ستكون مشكلة.

يجب تفعيل القنوات العربية السليمة، وأن نتبادل المصطلحات، ومع الوقت، وبدون أن نشعر، سنستقر على مصطلح معين، أما أن أفرض على شعب معين أن يستخدم مصطلحًا ما، وألا يستخدم مصطلح آخر فهذا غير ممكن، والدول الفرنكوفونية حاولت وفشلت في ذلك، وفي النهاية التزم كل بلد بمصطلحاته. سبب آخر مهم لتفاقم أزمة المصطلح، وهي أننا نتأخر في استخدام المصطلح، ولا ننشره منذ لحظة إنشائه.

 

 

 

العلوم الإنسانية
ـ أحد الأمثلة على فوضى المصطلحات وجود تعريفات كثيرة للرواية، مثل "الرواية الصحراوية" والصحية، والعلمية، والتاريخية، وغيرها.. فما رأيك؟

العلوم الإنسانية مشكلة في علم المصطلح، وعلماء المصطلح يتجنبون مناقشة ذلك، لأني يمكن أن أقدم مئة مصطلح في بحث، مع الأسف الشديد لا نلتزم بالمسميات، نريد دائما تقديم شيء زائد.

لذلك ربما أكون الوحيدة التي فتحت هذا الملف، خاصة في القانون، "الرواية الصحراوية" كمثال الناقد أراد أن يمنحها نموذجًا معينًا، ليس هناك ضابط.

ولكن الذي يدرس علم المصطلح لا يهمه المسمى، قدر اهتمامه بالمفهوم. هل تستأهل أن تكون رواية صحراوية، أم لا؟، هل تتسم بسمات معينة تؤهلها لتسمية خاصة، أم إنها لا تختلف عن الروايات الأخرى. نفس الأمر ينطبق على الرواية البوليسية والصحية وغيرها..

هذه الأشياء لا يمكن السيطرة عليها. فالنقاد على سبيل المثال، لكلٍ رؤيته للعمل الأدبي وأسلوبه، وبالتالي يعبرون عنه بالمصطلح الذي يروق له ولو أنشأوا مصطلحاً جديدا لوصفه. ولكن هذا ليس في اللغة العربية فقط، فوضى المصطلحات موجودة في العلوم الإنسانية على وجه العموم..

الترجمة القانونية
ـ عملتِ طويلا في الترجمة القانونية، ماهي انعكاسات أزمة المصطلح في الجوانب القانونية؟

ـ أنا في الأساس مترجمة محلّفة في محكمة باريس، ومنذ سنوات أعمل في المجال القانوني،  ومشاكل المصطلح تواجهني يومياً في القانون، لأن هذا المجال ليس فيه اجتهاد.

ترجمت مواد قانونية عربية مختلفة، وكنت في هذه الحالة أخاطب الشخص بمصطلحاته، أفتح قوانين الدولة المعنية نفسها، وأبحث عن المسميات، وهذا الأمر يحتاج مرونة من الباحث، يجب أن أعرف الجزائري ماذا يقول؟، والسعودي ماذا يقول؟، وهكذا..، لدي جدول بالمصطلحات المحلية، لا أفرض عليهم الحديث بمصطلح معين.

على سبيل المثال، مكتب التعريب في الرباط ينشر "المعجم الموحد" الذي يقدم مصطلحًا واحدًا أو اثنين، فمثلا ذكر "محكمة النقض" و"محكمة التمييز"، ولم يذكر "محكمة التعقيب" الموجودة في تونس، أو "المحكمة العليا" كما يقال في الجزائر.

إن تعدد المصطلحات ليس عائقاً بالنسبة لي، المهم أن أجمعها في قاموس، وأذكر المصطلحات في الدول المختلفة، ويكون ذلك في مدخل واحد، لأننا في الواقع، لن نستطيع إجبار الكل على استخدام مصطلح واحد.

أنا أرفض علم المصطلحات النمطي الذي يعتمد على "قل هذا"، و"لا تقل ذلك" عند تحرير نصّ قانوني أو علمي على وجه العموم، هذا أسلوب مكتب التعريب الذي أشيد بالنشاط الذي يقوم به في توحيد المصطلحات وتعريفها تعريفاُ علميأُ. لكن الواقع مختلف عند كتابة النص العلمي الذي لابد وأن يعتمد على كل عوامل التواصل، لذا لابد من تفعيل علم المصلحات الوصفي. باختصار، يجب أن نتعامل مع الخيارات المصطلحية للشعوب.

وهذا لا يمنع الاجتهاد، بالبحث عن أسماء أفضل، مثال كلمة "الأرابيسك" وهو فن عربي، بالبحث وجدت أسماء أفضل له مثل "عربسة".. ومن اشتقاقاتها "يعربس معربس عربسة"، حتى الآن لم يستخدمها أحد، وكل علماء الآثار يستخدمون أرابيسك.

 

 

 

المسميات الأجنبية
ـ كيف يتعامل علم المصطلح مع المسميات الأجنبية؟

من المؤكد، للمنتجات الصناعية دور في مشكلة المصطلح، هنا في فرنسا عندما ظهر الآيباد iPad (الجهاز اللوحي) في البداية كان كل الفرنسيين يستخدمون هذا الاسم، ولكن بعد ذلك سموه "تابلت"، وأصبحوا يضغطون على التجار لاستخدام هذا الاسم". كنت أحيانا أذهب في اختبار ميداني إلى محل ما وأطلب آيباد، فيرد البائع "تقصدين تابلت ؟". للأسف نحن لا نتابع، نصدر التعريفات وتوضع في الأدراج، ولا نتابع التنفيذ، لابد من زيارة المصانع ومنافذ البيع لمعرفة الاستخدامات الحقيقية للمنتجات.

ولكن في السنوات الأخيرة انتبهنا للأمر، وأصبحت لدينا المعاجم الموحدة عبر الإنترنت. يجب أن تراسل الجهات الحكومية الشركات، وتخبرهم بالأسماء المعتمدة، ولكن تبقى لدينا مشكلة عقدة الخواجة، فأنا عندما أبيع موبايل ليس كما أبيع جوال.

لابد من المتابعة، يجب أن يذهب المهندسون إلى المصانع في الدول العربية في ندوات تثقيفية لتصحيح المصطلحات، لأن التبادل العلمي يؤدي إلى تبادل في المصطلح. يجب التلاقي والتحاور.. سواء على مستوى الصحفيين والمهندسين والباحثين، نحتاج إلى وحدة البحث العلمي في المصطلحات العلمية.

المعجم التاريخي للغة العربية
ما هو دور المعاجم العربية في تصحيح المصطلحات ودعم ثقافة المصطلح؟

لدينا كبار من علماء المصطلح، ومعاجم اللغة العربية تقوم بجهد رائع في توحيد المصطلح، ومن الأمثلة على ذلك "المعجم التاريخي للغة العربية" الذي أصدره مجمع اللغة العربية في الشارقة، ولكن تبقى المشكلة في النشر، كم شخص سيعلم بصدوره، وكيف يصل إلى كل الفئات.

لغتنا العربية ثرية، وأنا مختصة في علمي اللغتين العربية والفرنسية، لأن علم اللغة عندما درسته في مصر في كلية الترجمة قسم اللغة الفرنسية بجامعة الأزهر، كان لابد وأن يكون مقارنًا، أي باللغتين الفرنسية والعربية. وقد لاحظت بعد ذلك أن من درسوا علم المصطلح في لغة واحدة لم يفهموه بقدر من درسوه في لغتين، لأن المقارنة تكشف التباين والتمايز.

الفرنسيون والإيطاليون قاموا بجهد عظيم في هذا الحقل، ولكنهم لم يصلوا إلى المنجز العربي. لقد تطرقت لذلك في كتابي، وتناولت عدة كتب تراثية مثل "كتاب خلق الإنسان" لأبي زيد الأنصاري، ولكن أتمنى أن يتاح لي الوقت لدراسة المصطلح العربي بعناية.

بعض الباحثين تطرقوا إلى الموضوع ومنهم على القاسمي ومحمود فهمي حجازي، إلا أنهم لم يناقشوا هذا الموضوع على نحو كاف.


ـ هناك جيل من المثقفين المصريين تأثر بالثقافة الفرنسية، ما هو حجم هذا التأثير؟

ـ للتأثير جانبان إيجابي وسلبي، الإيجابي أن الفرنسيين جعلونا نكتشف أنفسنا، وحضارتنا، ولكن التأثير السلبي أننا نسينا لغتنا، وثقافتنا، وهذا ما لا أقبله، أنا مصرية رغم أنى أعيش في فرنسا، ولغتي عربية، وهويتي عربية. رغم ما حققته ووصلت إليه ليس من الممكن أن أصبح فرنسية 100%.

كبرت وتعلمت في مصر، وتكويني الثقافي مصري، يمكن للمرء أن يتأثر بالحضارة الفرنسية على نحو إيجابي، ويمكن أن يتأثر بنحو سلبي. أما أن ننسى جذورنا وننسى هويتنا، فهذا خطأ.

قضية اللهجات
ـ ما رأيك في اللهجات، ودورها في قضية المصطلح؟

ـ اللهجات مأخوذة من اللغة العربية، حتى لو بدأت قبل اللغة كما يقال، إذا نظرت إلى اللهجة العامية ستجد الكثير منها فصيح أو مستمد من الفصحى، ولكن كثيرون لا يدركون ذلك، يأتيني شباب يريدون التسجيل في الدكتوراة، ويقولون إن اللهجة المصرية أو اللهجة اللبنانية هي لغتهم، وهذا الرأي أرفضه، نحن نفهم اللهجات خطأ، الزعم أن هذا اللفظ من أصل قبطي أو غيره محاولة فاشلة، فكل الألفاظ عربية.

بعض الباحثين يقسّم اللغة العربية إلى فصحى ولهجة، وهذا ما يعرِّفونه بثنائية اللغة العربية، ولكني أضم الإثنين معا. ولكن الخطأ يأتي أولا منا وليس من الجانب الآخر، فكل ما نستخدمه في اللهجة نرفضه عندما نتحدث الفصحى.

في القنوات العربية يقولون "ماذا حصل؟"، نحن نقول في مصر "ماذا حدث؟"، إذا قلت "ماذا حصل" في مصر، سيعترضون ويقولون إن هذه لهجة وبعيدة عن اللغة العربية السليمة، ثنائية اللغة قضية تدرس، ولكنها اللغة في الأساس واحدة.

في لحظات معينة لابد أن تتكلم باللهجة، خاصة عند الثورة والغضب والعفوية، تخرج اللهجة العامية بشكل سلس وعفوي. المشكلة أننا فرقنا بين الإثنين، إذا تكلمت اللغة العربية أرفض كل ما هو عامية، والعكس.

 

 

 

ـ هل هناك تأثيرات فرنسية في المصطلح العربي؟

ـ في عصر معين كان هناك تأثير فرنسي في الأشياء اليومية، واليوم هناك تأثير إنجليزي، لذلك أنا اقسّم الدول إلى دول مصدّرة للعلم، ودول مستوردة له، المستوردة لابد أن تتأثر بمصطلحات المستخدمة للتعبير عن الواردات.

في العصر الذي كانت الدول العربية تصدّر أشياء كثيرة مثل القطن والمواد الغذائية كانت الأسماء كلها عربية، وفي عصور الازدهار العربي والإسلامي تأثر الأوربيون بمصطلحات العمارة الإسلامية.

لقد ترجمت كتاب فرنسي بعنوان "قصور القاهرة ومنازلها" تأليف برنارد موري، وجاك ريفيولت، وأوضحت فيه العديد من المصطلحات العربية التي أخذها الفرنسيون، مثل "السبيل" و"المقعد" و"القاعة"..

من يأتي إليك بالعلم أو الإبداع الفني يؤثر فيك، ونحن في العالم العربي ومصر على وجه الخصوص في وقت ما كنا منبهرين بالثقافة الفرنسية، وقد أدرك ذلك قائد الحملة الفرنسية على مصر نابليون بونابارت، فدخل علينا بالعلماء والمخترعات، وبدأنا نستقي من هذه الثقافة.

ـ ما هو تأثير الثقافة الفرنسية عليك، كباحثة وكاتبة؟

ـ علمتني الثقافة الفرنسية كإنسانة أن أقبل الغير، فأنا أكره عدم قبول الآخر، في هذا الإطار يجب الأخذ في الاعتبار ثقافات الآخرين عند التواصل معهم، فيمكن أن يقول الفرنسي لفظة تعتبر صادمة. مثلا عند الوفاة، خاصة عندما يكون المتوفي شاباً أسمع كثيراً عبارة "هذا ظلم" " C'est injuste "، عندنا نقول "البقاء لله"، وهو بالطبع لا يقصد أن الوفاة ظلم، وليس لكلمته أي بعد ديني، ولكن هذه ثقافته الخاصة ويجب تقبلها.

حتى في ثقافتنا الشعبية تقول الأم لطفلها "هاموتك" إذا استمع شخص من ثقافة مختلفة ذلك سيصدم ويعتقد أنها ستقتله، وهي بالطبع لا تقصد ذلك. لذلك لابد نتقبل الغير، حتى يتقبلنا.

من الناحية العلمية، تعلمت الكثير من الثقافة الفرنسية، خاصة في أسلوب الكتابة، فالفرنسيون لديهم أسلوب علمي منسق في الكتابة، في كتاباتهم البحثية يقولون " سأقول وأقول وقلت".

عند تقديم بحث باللغة الفرنسية، ويكون النقاش شفهيا، لابد أن تفكر المستمع وتقول "أنا سأتكلم عن كذا، وأتكلم الآن عن كذا، وتكلمت عن كذا" هذا الأسلوب يربط المستمع بك، لأن من الممكن أن يسهو في أي وقت.
كما يهتمون في فرنسا بالحجة، كيف تقيم الحجة؟، وكيف تقنع المستمع، كما يتميزون بالاختصار والدقة.

وإذا قارنا بين اللغتين الفرنسية والعربية، الفرنسية لغة غنية وثرية، ولكن لغتنا العربية أكثر ثراء، فكل كلمة لها عدة مترادفات، لغتنا لغة اشتقاق، تفتح المجال لإنشاء اصطلاحات كثيرة، لم أجد لغة مثلها في هذا الجانب، ورغم ثراء اللغة العربية إلا أن 70% منها لا نعرفه ولا نستخدمه، ومع مزايا العربية الكبيرة، نحن مطالبون في الجانب العلمي أن نحرص على الدقة.

الفرنسية لا تخلو من الاشتقاق، ولكنها لا تتميز بكل هذا الثراء الذي تتميز به اللغة العربية، وهم يستخدمون الألفاظ القديمة، مثلا لغة القانون الفرنسي هي لغة القانون في القرنين السادس عشر والسابع عشر، فالفرنسيون لازالوا يستخدمون مصطلحات قديمة أصلها من اللاتينية، ويعرفون كيف يحافظون على تراثهم اللغوي. أما في اللغة العربية، فنحن نترك المصطلحات حتى تصبح غريبة على أسماعنا. وإن عدنا لاستخدامها في حديثنا أو في كتاباتنا، رفضها المستمع أو القارئ.

ـ ما هو دور الثقافة في التقريب بين الشعوب؟

ـ للثقافة لها دور مهم في توحيد العالم، ولكن يجب أن نبدأ بأشياء أخرى. الشعوب العربية مرهقة، يجب تعزيز التفاهم، بكل السبل، الأفلام المصرية والمسلسلات السورية لا تكفي، يجب تعزيز المسرح الفصيح، وأن تتقارب شاشات الدول العربية.

رغم أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي كان لا يهتم بالثقافة مثل من سبقوه من رؤساء، عندما وجد أن الفرنسيين غير قادرين على الذهاب للأوبرا لأن التذاكر مكلفة، وجه ببث الأوبرا على شاشة التلفاز.

يجب أن ننقل الثقافة للناس بدون مقابل، الكثيرون لا يملكون المال ليشتروا الكتب، يجب أن ننشر لغتنا ونوصلها للقارئ بأسلوب سلس ومحبب. لماذا لا نبث بين المسلسل والآخر قصيدة لفاروق شوشة أو نزار قباني، برنامج ثقافي مدته لو خمسة دقائق سيكون له تأثير كبير.

 

 

 

ـ لكل باحث مشروع خاص أو فكرة أو حلم، فما هو مشروعك البحثي الخاص؟

ـ لدي ثلاثة مشاريع أتمنى إنجازها: الأول قاموس العمارة الإسلامية فرنسي عربي، يتضمن المصطلحات الخاصة بالعمارة المصرية في العصر الإسلامي، فقد سبق أن ترجمت أربع مجلدات من كتاب "قصور ومنازل القاهرة" للكاتبين الفرنسين برنار موري وجاك ريفوه، وصدرت عن معهد الدراسات الشرقية الفرنسي في القاهرة. لذلك أتمنى إعداد قاموس سياقي لمصطلحات العمارة الإسلامية، وهذا مشروع الدكتوراة الذي سأقوم بتوسيعه.

والمشروع الثاني: قاموس المصطلحات الزخرفية، فمنذ عامين قدمت دورة تدريبية في علم المصطلح للموظفين في متحف اللوفر في أبو ظبي، واستعرضت لهم نماذج عربية وفرنسية وفوجئوا بكم المصطلحات التي تطرقت إليها، فقلت لماذا لا أنشر القاموس الخاص بذلك، ولدي كل المعلومات الخاصة به، وكان ذلك موضوع الماجستير.

الموضوع الثالث، منصة للمصطلحات القانونية، تشمل المصطلحات القانونية في الدول العربية، مثل الامارات، والسودان، والسعودية، وغيرها..، فأثناء عملي كمترجمة قانونية محلفة بمحكمة استئناف باريس، كانت المحاكم الفرنسية تراسل كل وزارات العدل العربية، وفي كل مرة كنت أبحث في مختلف القوانين العربية لأتعرف على المصطلحات التي يستخدمها رجال القانون بالدولة العربية المراد مراسلتها من وزارة العدل الفرنسية، حتى أستطيع مراسلتهم بنفس المصطلحات.

أتمنى إطلاق هذه المنصة، فلدي مترجمين في المجال القانوني من اليمن والجزائر وغيرهما، ويمكن أن نتعاون جميعا في هذا المشروع.

وسيتضمن المشروع أيضًا التقسيم الإداري للدول، وهذا شيء لابد أن نعرفه، ففي المغرب مثلا يقولون "الجماعة" و"العمالة"، وفي مصر يستخدمون "محافظة" و"مديرية"، وفي الجزائر "ولاية" و"بلدية" وهكذا..، سترصد هذه المنصة المصطلح والمفهوم، مع الإشارة إلى الكود "القانون" في كل من هذه الدول.

الترجمة والنص
ـ تثير الترجمة دائما الجدل، والبعض يرى أنها خيانة للنص، أريد منك تعريف حديث وواقعي للترجمة؟

ـ الأمر يتوقف على ما تريده من الترجمة، هل تريد أن توصل للقاريء لغة المصب أو الهدف؟، أي اللغة التي تترجم إليها؟، هل تريد من القاريء أن يفهم النص، أم يقف عند كل كلمة ؟، المشكلة ليست هنا، المشكلة أننا لا يمكن ترجمة كل شيء بنفس الشكل.

مثال: في اللغة الإنجليزية يقولون  "السماء تمطر قططا وكلابا"، هل أقول ذلك؟، أم أقول "السماء تمطر أمطارا غزيرة"، خيانة النص ـ إن صح التعبير ـ مشروعة، حتى يفهم القارئ لأن الثقافة مختلفة.

مثال آخر "الحمد لله" التي نقولها كل لحظة، و "ما شاء الله"، عبارات جميلة، قد تقال بهدف ديني، وقد تقال للتعبير عن موقف محدد، فمثلا قد تقول الزوجة لزوجها الذي عاد إلى المنزل في وقت متأخر "ما شاء الله" بهدف الاعتراض على تأخره، هذه العبارة خرجت عن معناها الأصلي المتعلق بالدين. طريقة النطق إذن تحدد الهدف من الكلمة.

في فرنسا يقولون "إن شاء الله" بمعنى أن هذا لن يحدث. الفرنسي أخذ منا هذه العبارة، ولكنه وضعها في سياق آخر. إذا قلت له هذه الكلمة فسوف يفهم أنني لن أفعل ما يريده. وليس العكس.. الثقافات مختلفة على مستوى المعنى، فما بالك بالأدب والإبداع.

ـ ما هو مستقبل الترجمة في ظل التطور التقني والذكاء الاصطناعي وظهور برامج مثل ChatGPT؟

ـ ستكون في خطر لفترة ما، فالناس التي وراء ChatGPT يفهمون اللغة وتركيب الجملة، ولكن الجيل الطالع الذي يدرس الذكاء الاصطناعي ضاع، المبرمج الذي يدخل كل هذه المدخلات قد درس اللغة وأتقنها قبل أن يتعلم البرمجة، ليست المسألة إدخال معلومات كثيرة، ولكن هناك عملية ضبط لهذه المعلومات.

الذكاء الاصطناعي ينجح، ولكن بشرط وجود الانسان، فأنا أتدخل وأحدد ما هو مناسب وما هو غير مناسب، وأغير النص. أتدخل لأني ملمة باللغة وليس فقط بالبرمجة، ولكن الشاب الجديد يتعامل مع الذكاء الاصطناعي وكأنه هو الحل الوحيد؟

سنصل إلى فترة من الجهل، ولكن كل هذا سينتهي، لو ظل الانسان يعمل على الآلة الحاسبة لما تطورنا، ففي النهاية لا يصح الا الصحيح. نحن كأساتذة ترجمة نحاول أن نتكيف مع التطور التقني، ولكن الطالب لابد ألا يستخدم هذه التقنيات على الأقل في السنة الأولى ماستر، يجب أن يتقن الترجمة واللغات التي يترجم منها وإليها أولا ثم يمكنه بعد ذلك التعامل مع هذه البرامج.

 

 


تاريخ الإضافة: 2024-10-10 تعليق: 0 عدد المشاهدات :346
3      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات