رغم تقديري للإنسان الذي كرمه الله، ورفضي للعنصرية التي دفعت البعض إلى النظر إلى الآسيويين وخاصة الصينيين على أنهم "فيروسات" عقب تفشي جائحة COVID-19، وهو ما حدث فعلا في بعض الدول الأوروبية، إلا أن الإنسان في بعض الحالات يكون نفسه أشبه بالفيروس الحامل ليس للمرض فقط، ولكن كل الموبقات، مستعدا دائما لنقلها إلى أقرب شخص .
وإذا أخذنا من الفيروس جانب المعنى وهو الكائن القادر على نقل عدوى ضارة مميتة إلى كائن آخر ، فإنه ـ أي الإنسان ـ بهذا المعنى فيروسا ، فهو ينقل العدوى إلى آخرين بدءا من الإنفلونزا البسيطة إلى COVID-19 ، وهو لا ينقل العدوى للإنسان فقط، ولكن للحيوانات أيضا، ففي الوقت الذي تنتقل فيه 11 مرضا مميتا من الحيوان إلى الإنسان، لا يعلم الكثيرون أن هناك أمراض تنتقل من الإنسان للحيوان.
قال فابيان ليندرتز، عالم الأوبئة في الحياة البرية في معهد روبرت كوخ ومعهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية في ألمانيا أن البشر يمكنهم إيصال مسببات الأمراض إلى الحيوانات أيضًا. على سبيل المثال ، يعتقد العلماء أن الشمبانزي في حديقة جومبي ستريم الوطنية في تنزانيا أصيب بشلل الأطفال من البشر.
وإذا تعاملنا مع لفظة "فيروس" على سبيل الاستعارة اللغوية سنكتشف أن الإنسان قادر بالفعل على نقل الكثير من الأشياء السلبية إلى أخوانه في عالم البشر، بدءا من الإشاعة والعادات السيئة كالسرقة والرشوة والفساد والعنف، وإنتهاء بالأفكار الضالة التي تدمر الأمم.
يعزز ذلك كله أن بعض الناس ـ للأسف ـ لا يلتزمون بأدنى قواعد النظافة التي حثنا عليها ديننا الحنيف ، سواء في الجسم أو الملبس أو العادات، أو حتى قواعد الذوق والآداب العامة، وذلك بالبصق في الشوارع، والتدخين والتجشؤ بصوت مسموع، وإطلاق الرذاذ "القطرات" عند الحديث في وجوه الأشخاص، وغيرها من العادات الكريهة التي تصدم النفوس، ولكنها أيضا قد تكون وسائل للعدوى وفق الواقع الجديد الذي فرضه الفيروس القاتل.
من هذه المنطلقات يمكننا القول مطمئنين أن الإنسان فيروس كبير يمشى ويتحرك على قدمين، ويجب أن نتعامل معه كذلك، خاصة بعد انتشار فيروس التاجي، الذي جعل من التباعد الاجتماعي قانونا لحماية النفس من العدوى .
وسواء إتفقت معي حول هذه النظرية أم لا ، فإن السلامة من العدوى المميتة COVID-19 ـ وهي قاعدة جديدة فرضتها الجائحة ـ تقضي أن ترتدي قناع الوجه، وتحرص على التباعد الاجتماعي، وتتعامل مع الناس كأنك مريض من ناحية، وكأن الناس مرضى من ناحية أخرى ، باختصار أن تتعامل مع الآخر وكأنه فيروس.
أمل أن تكون أزمة COVID-19 دافعا لنفتح أهم الملفات وهو "النظافة"، وتحويلها من خيار شخصي لا نملك معه إلا التوعية إلى مقوم هام وملزم من مقومات الحياة.
تاريخ الإضافة: 2020-05-02تعليق: 0عدد المشاهدات :1052