الظلم جريمة كبرى، ليس أدل على ذلك من تحريم الله الظلم على نفسه، يقول الحديث الشريف "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تَظالموا" ، والظلم جرم عظيم ، وكما يقول الحديث الشريف " اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"، وتوعد الله الظالمين في قوله تعالى "ولا تَحسبن الله غافلا عما يعمَل الظالمونَ إِنما يؤخرهم ليوم تَشخَصُ فِيه الأبصار".
والظلم كلمة جامعة تسع العديد من الجرائم والذنوب، حيث يمكن أن تبدأ بظلم موظف صغير، وتنتهي بالشرك بالله، ولكن رغم ذلك الاتساع هناك العديد من الجرائم التي لا تندرج تحته ، ربما لأن بعض هذه السلوكيات يندرج تحت بند الجريمة المعنوية التي يصعب إثباتها والتحقق منها، وربما لأنها أشياء مستحدثة ظهرت بتطور الحياة وتشعب الأدران الاجتماعية.
والسؤال الآن ، مع عظم الظلم وفداحة الفعل والتأثير ، وتحذير الله عز وجل منه ، وتوعده الظالمين بشكل مباشر، لماذا لا يعتبر الظلم جريمة مادية مثل القتل والسرقة، ويعاقب مرتكبها كأي مجرم؟
المتابع للحياة الاجتماعية وسلبياتها ، سيكتشف أن الظلم منتشر في المجتمع ، ليس ذلك فقط، ولكنه محرك أساسي لجرائم مادية أكبر تحفل بها ردهات المحاكم، والمؤسف أيضا إن الكثير من الممارسات التي تدخل في دائرة الظلم أصبحت عادية لا تثير الإنزعاج والاعتراض، بسبب دخولها في الثقافة الاجتماعية التي تتمثل في العادات والتقاليد التي تمتلك حصانة وقوة أكبر أحيانا من الدين.
منع الزوجة من زيارة أهلها ظلم، ومنع الابنة من اختيار زوجها ظلم ، وضرب الأبناء ظلم، وتعيين الموظف استنادا إلى قرابة أو مصلحة ظلم، ومحاصرة المبدع الكفء وعدم منحه الفرصة للترقي ظلم ، استغلال السلطة ظلم، الفساد ظلم، والرشوة ظلم .. وهكذا الكثير من السلبيات المجتمعية التي يتعامل معها المجتمع كأشياء عادية هي في الأساس ظلم ، والمحزن أن الظالم في هذه الحالات لا يعاقب على ظلمه .
بعض الظلم يكون واضحا للعيان يمكن إثباته من خلال الأوراق والمستندات والشهود والأدلة، والبعض الآخر يكون معنويا لا توجد آثار مرئية له، فجروح النفس لا تظهر بينما جروح الجسد ظاهرة، ولكن الجريمة المعنوية لا يقل أثرها في بعض الأحيان عن الجريمة المادية، وأحيانا يكون تأثيرها أكبر، وفي كثير من الأحيان يتحصن الظلم وراء أسوار البيوت ، حيث يصعب كشفه وتوثيقه.
ولكن رغم ذلك بوسعنا رصد الجريمة المعنوية ومن بينها الظلم من خلال القرائن والأدلة والشهود، وأيضا باستخدام العلم الحديث الذي حق نجاحات باهرة في كشف العلاقة بين المرض النفسي والعضوي، والجريمة المادية والمعنوية، وقد اقترب الغرب كثيرا من رصد الجريمة المعنوية، وبدأ في وضع العقوبات الرادعة عليها.
يجب إدراج الظلم في لائحة الاتهام التي يصدرها الادعاء العام ضد المتهم، ويتم بموجبها التحقيق معه، وليكن في البداية قرينة مرافقة للجريمة الأساسية، حتى يأتي يوم نتمكن فيه من تحديد ملامح الظلم كجريمة مادية ملموسة، وتحديد أنواعه وتأثيراته السلبية الجسمية والنفسية، وكذلك طرق إثباته، وبالتالي وضع العقوبات الرادعة له .