القاهرة : الأمير كمال فرج .

بعد سنوات طويلة من سيطرة الأغنية الزاعقة التي تعتمد على الإيقاع ، وتحرك الخصور لا المشاعر ، برزت الأغنية الصوفية، وهي الأغنية التي تدور حول المدح الإلهي، وتتناول موضوعات إنسانية وجودية، يتجلى فيها الإيثار وحب الناس، والفناء في المحبوب والبذل من أجل إرضائه.

والأغنية الصوفية هي غالبا أغاني باللغة العربية الفصحى كتبها رواد العشق الإلهي على مر العصور ، وقد أضافت لها الفصحى الوقار والتأثير والنظرة الوجودية والإنسانية الشاملة ، وإن كانت بعض أغانيها قدمت بالعامية المصرية.

ونصوص الشعر الصوفي موجودة في كتب التراث والمتصوفة ، وأشهرها أشعار ابن الفارض الذي لقب بـ "سلطان العاشقين"، وجلال الدين الرومي، والسيدة رابعة العدوية، ولكن قام بعض المنشدين المعاصرين باقتناء بعضها وتقديمها في المهرجات التراثية، مثل ساقية الصاوي وغيرها، ومنهم الشيخ سيد النقشبندي، ومحمد الكحلاوي، وياسين التهامي، وزين محمود، وأحمد التوني.

كما ظهرت الأغنية الصوفية بجلاء في الليالي الشعبية، حيث الإنشاد الديني، وحلقات الذكر والتطوح على يد "المداحين" و"الصييتة" الذين كانوا يحيون الحفلات الغنائية في القرى المصرية.

وبالتدريج أصبح للأغاني الصوفية مهرجانات خاصة وفرق خاصة مثل فرقة المولوية أحد الطرق الصوفية السنية التي أسسها جلال الدين الرومي ، ويتم إحياء هذا المهرجان سنويا في تركيا.

وساهمت مواقع الموسيقى عبر الإنترنت على رواج الأغنية الصوغية، ومنها موقع soundcloud ، وهو عبارة عن موقع ويب للموسيقى و الأصوات يمكن لأي شخص من خلاله رفع الأغاني ومشاركتها.

ومن أشهر الفنانين المهتمين بالأغنية الصوفية الموسيقي المصري هشام خرما الذي وضع على عاتقه نشر هذا الفن الرفيع ، ويرجع له الفضل في رواج هذه الأغنية بين الشباب.

وأثارت الأغنية الصوفية جدلا على مر السنين ، وفي كل عصر كان لها مؤيدون ومعارضون ، وقد بلغ الأمر أحيانا إلى تحريم بعضها ، لاعتبارات دينية. وهو نفس الجدل الذي أثارة البعض حول الصوفية نفسها، وقاد ذلك البعض إلى تسميتها بـ "الأغنية الروحية".

والأغنية الصوفية نتاج للصوفية كأسلوب حياة ودين ، وأيضا مظهر من مظاهر الطرق الصوفية ، والأغنية الصوفية الإسلامية تقابها في المسيحية الترانيم الكنسية ، والإثنتان يمزجان بين الدين والموسيقى ، في تمازج فني وروحي بديع.

ورغم أن الأغنية الصوفية ظلت معروفة على مر السنوات بين فئة محددة من كبار السن والمتصوفة، وعشاق التراث الشعري والغنائي ، ولكن في السنوات الأخيرة شهدت هذه الأغنية إقبالا كبيرا من قبل الشباب .

ومن مزايا الأغنية الصوفية أنها أعادت القيم الروحية للأغنية، بعد أن ابتذلت في العصر الحديث على أيدى جيل من مطربي الإيقاع الراقص والهيصة والفرفشة، كما أنها قربت الفصحى للناس ومنهم العامة والأميين وأصحاب التعليم المنخفض، وأخيرا زرعت قيما جميلة في نفوس المستمعين

ـ ومن أشهر الأغاني الصوفية "والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت" لمنصور الحلاج وهو شاعر عباسي :
 
والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت
إلا وحبّـك مقـرون بأنفاسـي
 ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم
 إلا و أنت حديثي بين جلاســي
 ولا ذكرتك محزوناً ولا فَرِحا
 إلا و أنت بقلبي بين وسواســـي
 ولا هممت بشرب الماء من عطش
 إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـــأس
 ولو قدرتُ على الإتيان جئتـُكم سعياً
على الوجه أو مشياً على الرأس
 ويا فتى الحيّ إن غّنيت لي طربا
فغّنـني وأسفا من قلبك القاســـي
 ما لي وللناس كم يلحونني سفها

 ديني لنفسي ودين الناس للناس

ـ ومن الأغاني الصوفية أيضا "متى يَا عرَيْبَ الْحَي عَيْنِــي تَرَاكُـمُ" لبهاء الدين الجيوشي، والتي تقول :

مَتَى يَا غريبَ الْحَيٍّ عَيْنِــي تَرَاكُـمُ
 وَأَسْمَعُ مِنْ تِلْكَ الدِّيَـــارِ نِدَاكُــمُ
 ويَجْمَعُنَا الدّهْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَنَـا
وَيَحْظَـى بِكُمْ قَلْبِي وَعَيْنِي تَرَاكُــمُ
 أَمُرُّ عَلَى الأَبْـــوَابِ مِنْ غَيْرِ حَاجَـةٍ
 لَعَلّـــي أَرَاكُمْ أَوْ أَرَى مَنْ يَرَاكُـمُ
سَقَانِي الْهَوَى كَأْسًا مِنَ الْحُبِّ صَافِيًا
فَيَالَيْتَهُ لَمَّا سَقَانِــــي سَقَاكُـــمُ
فَيَالَيْتَ قَاضِيَ الْحُبِّ يَحْكُمُ بَيْنَنَـــا
وَدَاعِيَ الْهَوَى لَمَّا دَعَانِي دَعَاكُــمُ
 أَنَا عَبْدُكُــمُ بَلْ عَبْدُ عَبْدٍ لِعَبْدِكُـمْ
وَمَمْلُـوككُمْ مِنْ بَيْعِكُمْ وَ شِرَاكُـــمُ
 كَتَبْتُ لَكُمْ نَفْسِــي وَمَا مَلَكَتْ يَدِي
 وَإِنْ قَلّتِ الأَمْوَالُ رُوحِـــي فِدَاكُــم
 لِسَانِـي بِمَجْدِكُمْ وَقَلْبِــي بِحُبّــكُمْ
وَمَا نَظَرَتْ عَيْنِي مَلِيـــحاً سِوَاكُـمُ
 وَمَا شَرّفَ الأَكْـــــوَانَ إِلاَّ جَمَـالُكُمْ
 وَمَا يَقْصِدُ العُشَّــــاقُ إِلاَّ سَــنَاكُمُ
 وَإِنْ قِيلَ لِي مَاذَا عَلَى اللهِ تَشْتَهِـي
 أَقُولُ رِضَـــى الرَّحْمَنِ ثُمَّ رِضَــاكُمُ
 وَلِي مُقْلَةٌ بِالدَّمْعِ تَجرِي صَبِـيبَةً
 حَرَامٌ عَلَيْهَا النَّــوْمُ حَتَّـى تَرَاكُمُ
 خُذُونِـــي عِظَـاماً مُحْمَلاً أَيْنَ سِرْتُمْ
 وَحَيْثُ حَلَلْتُمْ فَادْفِنُـــونِي حِذَاكُـمُ
وَدُورُوا عَلَى قَبْرِي بِطَرْفِ نِعَــالِكُمْ
 فَتَحْيَا عِظَـامِي حَيْثُ أَصْغَــى نِدَاكُمُ
 وَقُولُوا رَعَـاكَ اللهُ يَا مَيِّتَ الهَوَى
 وَأَسْكَنَكَ الفِرْدَوْسَ قُرْبَ حمـــــاكم