القاهرة : الأمير كمال فرج .
التوظيف السييء للمعتقدات الدينية في الشعر ظاهرة قديمة جدا، أتذكر أنني أعددت تحقيقا عنها عام 1986 في صحيفة "الحياة" المصرية التي كان يشرف على قسمها الأدبي الأديب الكبير خيرات عبدالمنعم شفاه الله ، بعنوان "التوظيف السييء للمعتقدات الدينية في الشعر جريمة أدبية"، كما كتبت مقالا منذ سنوات بعنوان "إنه الشطح ياسيدي .. الشطح" وصفت فيه هذه الظاهرة بـ "شطح الشعراء".
ولكن على مدى الربع قرن الماضي لم أقرأ تحقيقا في أحد الأقسام الثقافية ، أو أسمع عن ندوة أو حتى إشارة لهذا الموضوع المثير للجدل ، ولكني تابعت في المقابل أصداءه ، من خلال محاكمة عدد من الشعراء والكتاب بتهمة التجاوز الديني في نصوص شعرية وأدبية مرة، والتجاوز الأخلاقي مرة أخرى، وكان آخرهم الشاعر أشرف فياض المتهم بالمس بالذات الإلهية، والكاتبة فاطمة ناعوت التي وصفت الأضاحي بـ "كابوس أحد الصالحين".
تذكرت ذلك وأنا أقرأ نصين شعريين لشاعرين، نشرهما صاحباهما في صفحتيهما على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" .
ـ القصيدة الأولى للشاعر "أ ش" عبارة عن عدة أبيات مرفقة بلوحات للفنان محمود سعيد تجسد سيدات عاريات، وتتضمن القصيدة تعبيرات غير لائقة من الجانب الأخلاقي، ولكن الأخطر أنها وظفت تعبيرات تستخدم غالبا في وصف الله عز وجل، وأنزلها الشاعر من عليائها إلى الحضيض عندما استخدمها في وصف "نهد المرأة".
يقول الشاعر :
نهدُهَا سُبحانهُ
أعلم أنهُ يضيقُ ، حتَّى لو كان محبوسًا في حريرٍ أو دانتيل شفيفٍ ،
وأنه يطيرُ ، ويرقصُ.
وفي مقطع آخر يقول :
سبحانه في إشراقه وتجليه "يقصد النهد طبعا"
ويصر الشاعر على الصدام مع الموروث الديني، فيستخدم في قصيدته مرة أخرى تعبيرا آخر وهو "وحده لا شريك له" وهو تعبير يستخدم في وصف الخالق عز وجل ، ولكنه إستخدمه مرة أخرى في وصف "النهد".
يقول الشاعر :
هو النهدُ وحدهُ لا شريكَ لهُ سِوايَ
ـ أما القصيدة الثانية فللشاعر " م ف أ" ، والتي نشرت هي الأخرى مرفقة بصورة امرأة عارية نائمة على بطنها، والقصيدة وإن خلت من التوظيف السييء للمعتقدات الدينية، فإنها حفلت بالتعبيرات الخادشة، حيث كانت تصف علاقة جنسية .
يبدأ الشاعر قصيدته قائلا :
مرّغتْ وجهَهَا في السجادة
ورفعت مؤخرتها لي
ويواصل في وصف العلاقة التي تحدث غالبا في غرف النوم، ويقول :
أحمدُ الله
لأنني لم أنزعْ حلمتها
بأسناني !!
لا نعترض على الخيال الشعري ، ونعرف جيدا طبيعة الصورة الفنية، ولكن أن يصل شاعر إلى حد جرح مشاعر المسلمين، والحط من تعبيرات تستخدم في وصف الخالق، ليستخدمها في وصف العبد، ويجسد آخر خطوات عملية جنسية فهذا لا يليق .
الشاعران لم يكتفيا بنشر هذين النصين بما تتضمنانه من تجاوزات، ولكن أرفقا قصيدتيهما بصور لنساء عاريات ، في إصرار شديد على الصدام مع القاريء الذي يرفض هذا العري، حتى ولو تغلف بغلاف الشعر والأدب.
والمؤسف أيضا أن الشاعرين تجاهلا العديد من التعليقات الرافضة لهذا النوع من الشعر، والأكثر أسفا نفاق بعض المثقفين لهما، ومدحهم لنصوص شعرية أقل ما يمكن وصفها به أنها "تخدش الحياء".
أعلم ما يمكن أن يدافع به الشاعران، وأنصارهما من النقاد من أنصار الإيروتيكا الذين يرون أن الإبداع لاحدود له، أعلم ما يمكن أن يقال لتبرير استخدام تراكيب لغوية مثل "سبحانه"، و"لاشريك له" في غير مواضعها، وهي كلها دفوع مردود عليها، فمع إيماننا بحرية الإبداع ، إلا أن الأدب عنصر أساسي في الأدب، وإذا خلا الإبداع من الأخلاق فليذهب إلى الجحيم.
للمرة الألف أطالب النقاد بطرح قضية التوظيف السييء للمعتقدات الدينية في الشعر ، ومناقشة العامل الأخلاقي في الأدب، وتوعية الشعراء بالمفاهيم الحقيقية للقصيدة، وحدود الصورة الشعرية الفنية والمعنوية، حتى لا يتعرض أبناؤنا وبناتنا إلى هذه النصوص المخجلة التي تجرح الدين، وتخدش الحياء، وأيضا حتى لا يقف المزيد من الشعراء وراء القضبان.
..................
فيما يلي النصان الكاملان للقصيدتين ، وقمت بحجب اسم الشاعرين لأؤكد أن القضية ليست شخصية ، أيضا حجبت بعض أدزاء من الصور العارية التي نشرت معهما مراعاة للقاريء، .. ولنقرأ ونحكم :
القصيدة الأولى :
للشاعر أ ش
(نهدُهَا سُبحانهُ
ــــــــــــ
أعلم أنهُ يضيقُ ، حتَّى لو كان محبوسًا في حريرٍ أو دانتيل شفيفٍ ،
وأنه يطيرُ ، ويرقصُ ،
يرى ، ويتكلمُ ، وهو رأسُ المعرفةِ .
لا ينامُ ، ويكونُ أجملَ حين يغرقُ في غضبِهِ ، ينفرُ من القيدِ ،
وكلما أحبَّ عاشَ واتقد ، واشتعلَ رأسُه نارًا .
ينهضُ من نهدتِهِ ، ثم يفيضُ ، يملأ اليدَ والفمَ ، يفتحُ الأكوانَ ،
سبحانهُ في إشراقهِ وتجلِّيه ،
وهو ثمرةُ الصَّدرِ ، ونُقطتا عنبرِهِ ورديتانِ ، وبه يهتدي العاشقُ .
هو النهدُ وحدهُ لا شريكَ لهُ سِوايَ .
....................
اللوحات لـ : محمود سعيد)
القصيدة الثانية :
للشاعر م ف أ
(يروتيكا
ـــــــــــــــــــ
مرّغتْ وجهَهَا في السجادة
ورفعت مؤخرتها لي
**
عندما يختلجُ وركاها
كنت أبدأُ في الانسحاب
مستمتعاً برجاءاتها العنيفة
**
تتشممُ صدري مثل مدمنةٍ
وبلطف
تدغدغُ بأسنانِها حلمتىّ
**
تلحسُ صدري كقطة
هابطةً مع الشعرِ حتى آخرِ السّلمِ
فتدفنُ وجهَها في الدغل
قبل أن تبدأ مع الناعمِ الطافرِ منه
**
كلما أوشكتُ على الذروةِ
كنتُ أقبلُ ممتناً
بطنَ قدمِها المرفوعة قريباً من فمي
**
في سرّتِها أصبُّ الخمر
ومن شفتيها
أشرب
**
جنونُها يربكني
وضعفُها
يشعلني كشريطٍ من الماعنسيوم
**
في كل مرة
أحمدُ الله
لأنني لم أنزعْ حلمتها
بأسناني !!
**
هل كنت أسحبُ روحي من بئرٍ
لأقذفَها في بئرٍ آخر!
**
كنتُ أجأرُ
كثورٍ يصعدُ تلَّةً موحلة
وكانت تجأر ولا تريد ان انتهي !
**
نهدُها في الضوءِ مرمرٌ
تحته نار
**
عندما تنامُ أخيراً
مثل بيتٍ هَدَمَهُ زلزالٌ لتوه
كنتُ أندهشُ مما تخفيهِ
هذه الملاكةُ الوقورةُ من مسرّات !)