القاهرة : الأمير كمال فرج .
عندما تذيع إذاعة "بانوراما إف إم" أغنية "نعناع الجنينة" للملك محمد منير تحذف العبارة التي تقول "قدمت شكوتي لحاكم الخرطوم .. أجل شكوتي لما القيامة تقوم"، وعندما غنى منير نفس الأغنية في برنامج "أراب آيدول 2013" الذي أذيع على قناة إم بي سي غابت نفس العبارة.
الحذف الأول كما يبدو جاء من المحطة الإذاعية نفسها، والثاني من منير نفسه الذي جاء عند هذه الشطرة الغنائية المعنية، وقال "قدمت شكـ .."، وتوقف ..، وترك الموسيقى تكمل، ثم أكمل الشطرة التالية وهي "سألت إيش الإسم قالوا البنات نعمات .. أم صابعين رطب .. والباقي بلح أمهات".
صدمني الحذف لعدة أسباب، الأول لأنني اعتقدت أن الرقابة على الإبداع شيئا من الماضي، وذلك بعد ظهور الإنترنت" ، وبعد أن كان المبدع لا يستطيع نشر أغنيته أو كتابه إلا بعد الحصول على "فسح" من الأجهزة المختصة، أو ما يسمى "بالرقابة على المصنفات الغنائية" أصبح المبدعون يكتبون ما يريدون، وإن كان لازال هناك نوع وحيد هين من الرقابة، وهو الرقابة اللاحقة، التي يتم بعد صدور العمل.
لا أدري لماذا حذفت الإذاعة الشطرة الغنائية؟ التي تقول "قدمت شكوتي لحاكم الخرطوم .. أجل شكوتي لما القيامة تقوم"، ولماذا إمتنع منير عن غنائها؟، هل أصيب منير بـ زغطة" أو "حازوقة" كما يقول الشوام عند هذه الشطرة فلم يكملها ؟، أم أنه خشى من غضب الأخوة السودانيين الذين قد يفهموا أن الشطرة اتهام ضمني لهم بالكسل؟، أم أن منير لم يشأ ان يغضب "حاكم الخرطوم"؟، وهو حاكم السودان وهو البشير، ويسيء للعلاقات المصرية السودانية؟، أم أن أحدهم طلب منه حذف هذه الشطرة اعتقادا منه أنها استخفاف ـ والعياذ بالله ـ بـ "يوم القيامة".
كل الاحتمالات واردة، خاصة وأن حذف الشطرة تم مرتين، الأولى في إذاعة، والثاني في حفل لايف، ولكن الاحتمال الأخير هو ما يقلقني، لأنه ينم عن جهل بماهية الصورة الشعرية، وهذا الجهل هو الذي وضع مئات الشعراء في قفص الاتهام .
للشعر أسلوبه الخاص، والشاعر يستخدم أدوات متعددة لتأكيد معناه، كالتشبيه، والاستعارة والكناية، وغيرها .. لذلك عندما يكتب عبارة مثل "قدمت شكوتي لحاكم الخرطوم .. أجل شكوتي لما القيامة تقوم" ، فإنه لا يعني تحديدا شخص حاكم الخرطوم، ولا ذات يوم القيامة، ولكن يقدم صورة شعرية مفارقة تؤكد المعنى الذي يريده وهو "الظلم".
عتبي على منير الذي قبل تشويه النص، فوافق على هذا الحذف مرة، واشترك فيه مرة أخرى . وكان من الأفضل أن يشرح لهؤلاء طبيعة الصورة الشعرية، ويساهم في توعية قطاع عريض من الناس يجهلون ماهو الشعر.