ربما يرى البعض أنه ليس مناسبًا التعرض لما أعلنته وزارة النقل بمباركة من الحكومة عن زيادة أسعار تذاكر القطارات، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي أدمت قلب كل مصري، اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، رحمه الله، وهجوم الإرهاب الأسود على جنودنا في سيناء.. لكن لا يفوتنا الوقوف على خطوة الحكومة تلك، التي لا تقل في اتخاذها ضراوةً، عن الإرهاب الذي مورس مؤخرًا، ولا يزال.
تمثل هذه الخطوة إرهابًا مماثلاً على أبناء الوطن لا سيما فقراءه، ففي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة النقل عن زيادة أسعار الدرجة الأولى بقيمة 20 جنيهًا، و10 جنيهات للدرجة الثانية "حتة واحدة"، لم تمهد الحكومة لهذا القرار، ظانةً منها أنها تضع المواطن المغترب أمام الأمر الواقع، فضلا عن عدم قيامها بتحسين الخدمة في قطارات السكة الحديد التي بين أونة وأخرى، تتصدر عناوين صحفنا بخروج إحدى عربات القطار عن القضيب، مما تتسبب في حادث مروع.
كما أن تحجج المسؤولين بأن المواطنين يفترشون الأرض صباح كل يوم للحصول على تذكرة، وكأنها تمثل تأشيرة مرور تمنح حامليها حياة جديدة، رغم تطبيق الزيادة، لا يمثل بالضرورة الانصياع لأوامر الحكومة التي نسيت، أو بالأحرى تناست أننا مقبلون على موسم، وأن جل همنا قضاء إجازة العيد وسط الأهل، والأسرة، بعد الاضطرار للنزوح إلى المدن بحثًا عن لقمة العيش، بعد أن ضاقت الأرزاق وجُففت الأراضي، وأقفلت الأبواب في وجه الغالبية العظمى من أبناء الريف.
وردًا على مَنْ يرى أن اختيار توقيت رفع التذاكر غير مناسب على الإطلاق وأنه خطأ كبير، أو سيئ للغاية، في ظني أن اختياره فيه مكر ودهاء، وربما استعراض عضلات من قبل وزارة النقل، لأنها تعلم أن الإقبال على التذاكر سيتواصل، للأسباب الفائتة من ناحية، ولتحكم سائقي الميكروباص واستغلال كل ما يمكن استغلاله، خاصة لا وجود لرقيب أو حسيب، ولا تسعيرة ولا يحزنون، إلا على المقهورين، ومن ثم الاضطرار القسري لتفضيل هذه الوسيلة والقبول بها درءًا لممارسة السائقين هوايتاهم المفضلة، وليظهر في الأخير أن المواطنين قابلوا الزيادة بلا مبالاة، إن لم يكن بترحاب.
الحكومة، ممثلة في وزارة النقل، ترى أنها ستحقق أرباحًا طائلة قدّرتها بالملايين من قرار رفع التذاكر، سيما أنه تضمن الإعلان عن 10% زيادة سنوية في جميع القطارات المكيفة، تنعش بها خزائنها كل عام، في حين لم نر أي إعلان عن زيادة أجور بالنسبة نفسها، ما يمثل عبئًا ثقيلا يقع على كاهل المواطن أو الموظف الذي يعد ركوب هذه الوسلة أحد جوانب وظيفته، كما لم تعلن عن بدل بطالة، أو فرص عمل للشباب، وتكتفي بالإعلان عن تطبيق مزيد من الإجراءات التقشفية، ورفع الدعم تدريجيًا، مرضاة لشروط صندوق أو بنك دولي.
إلى متى يتحمل المواطن الذي "يتشحطط" ليل نهار، ومن مكان لآخر، حتي يجد لقيمات يعتاش وأسرته منها؟ من أسف ما زلنا نعيش في وطن يزداد الغني فيه غِنى، والفقير فقرًا، وتمثل فيها زيادة أسعار التذاكر بهذا الشكل المُغالى فيه آلية وقطارًا جديدًا يدهس ركابه.