المسرحية تتمحور فكرتها حول حوار أفتراضى "خيالى" يدور بين الشخصية الأساسية"السيد عبد الرحيم "مؤرخ يعيش فى وقتنا الحالى و شخصية من القرن الخامس قبل الميلاد وهو شخصية المؤرخ اليونانى الشهير"هيرودوت"،الذى يتم إستحضاره من خلال حلم البطل الذى ظل طوال ليلته تلك يكتب بحثا يفند وينتقد فيه كل ما كتبه هذا المؤرخ عن مصر، فهيردوت من وجهة نظر الباحث "الشخصية الرئيسية" ينتمى إلى طبقة الكتاب الذين ينتمون إلى المدرسة القديمة،والذين عنوا بكتابة التاريخ نثرآ وقد أولوا الأساطير إهتمامآ كبيرآ. - ُيعرف علم الاجتماع الأسطورة بأنها طفولة التاريخ،والحقيقة أن هذا التعريف وافقه الصواب إلى حد بعيد؛فالأسطورة تتصف بالبراءة والبساطة إلى حد السذاجة،ومع ذلك فأنها أحد مصادر كتابة التاريخ الكلاسيكية ،وندين لها بالكثير والكثير من المعرفة التاريخية عن عصور سحيقة في القدم . ليس في مصر فقط بل في سائر الأمم التليدة - ولم يكن لهم نصيب كبير من ملكة النقد لكل ما يكتبون ،و البطل يرى أن دوره أن يدحض كل الأفتراءات والأكاذيب التى سجلها هيرودوت عن مصر،ويتمنى أن ينال بحثه هذا ،والذى سيقدمه فى المؤتمر الدولى الأول للمؤرخين فى الصباح ؛ شهرة عالمية ويترجم لعدة لغات،ويذهب إلى أن ينزع عن هذا المؤرخ اليونانى الشهير لقبه أبو التاريخ. فالحقيقة الماثلة أمامنا هي أن هيرودوت — كما هو واضح وضوحا لا لبس فيه — اخترع كتابة التاريخ. فذات يوم لم تكن هذه الكتابة موجودة، ثم خرجت فجأة إلى الوجود. ويقوم المؤلف بدور المؤرخ"هيرودوت" ويمنحه فرصة نادرة للدفاع عن نفسه وعما خطت يداه عن مصر. فهل يثبت البطل على موقفه من "هيرودوت أم ينجح المؤلف فى تغيير هذا الموقف ؟! إنها مبارزة فكرية تاريخية تهدف إلى إيثارة العقل ،وتقديم كم كبير من المعلومات الجيدة فى قالب درامى خفيف لقضية من أهم قضايا علم فلسفة التاريخ. ألا وهى كيف يُكتب التاريخ؟ دور المؤرخ فى كتابة التاريخ. ؟إن استرجاع المؤرخ لوقائع الماضى بموضوعية ونزاهة،بعيدآ عن مختلف وجوه التحليل والدراسة،لا يصح معه اجتزاء وثائق الفترة المعنية،وواجب المؤرخ ببذل أقصى الجهد لإستيعاب الوثائق بتمامها،وجودة تمثلها فى ذاتها حتى يأتى حكمه التاريخى - من بعد- مجانبآ للهوى ،وغير صادر عن غفلة أو تجاهل لما هو ضرورى. وهنا يناقش العمل العديد من القضايا ومنها: 1- دور النقل والنقد فى كتابة التاريخ. 2- دور رجال الدين قديمآ وحديثآ فى كتابة التاريخ. 3- التعرف على المعانى المختلفة لمصطلح الحضارة. 3- أهمية دراسة التاريخ ودوره فى المجتمع. 4- علاقة المؤرخ بكتابة التاريخ. فالإنسان ابن الماضى ،وهو ليس ابنآ لأبويه فحسب،بل هو ثمرة الخلق كله منذ أزمان سحيقة. والعلاقة وطيدة بين حياة الفرد وبين الحياة فى القرون والعُصُر الماضية.ويذهب بندتو كروتشى إلى اعتبار التاريخ كله تاريخآ معاصرآ ، ولا يستطيع الإنسان أن يفهم نفسه وحاضره دون أن يفهم الماضى. والأقوام الذين لا يعرفون لهم ماضيآ محددآ مدروسآ بقدر المستطاع،لا يُعدون من شعوب الأرض المتحضرة. ولا يُدرس التاريخ عفوآ ولا يُكتب اعتباطآ ،وليس كل من يحاول الكتابة فى التاريخ يصبح مؤرخآ ؛ فلا بد من أن تتوفر فى المؤرخ الصفات الضرورية وأن تتحقق له الظروف التى تجعله قادرآ على دراسة التاريخ وكتابته. لذا كان هناك منهج للبحث التاريخى حتى يبلغ الباحث الحقيقة التاريخية بقدر المستطاع. ويمكنك عزيزى القارىء أيضآ أن تستنبط الصفات الواجب توفرها فى المؤرخ من خلال هذا النص.الذى حاولت فيه جاهدآ أن أربط بين حوادث التاريخ فى الزمان والمكان والماضى والحاضر،لأقدم لك حوارآ راقيآ ،ومعلومة تتأملها وتتذوقها فى نفس الوقت.فالنص الذى بين يديك ثمرة يا نعة أتمنى أن تطيب لك.
ولكن اسمح لى-عزيزى القارىء- فى البداية أن أعرفكم على سيرة أبى التاريخ .. ولد هيرودوت عام 484 ق .م فى مدينة هاليكارناسوس فى أقليم كاريه فى الجنوب الغربى من آسيا الصغرى.تعلم فى وطنه فأتقن القراءة والكتابة والحساب ، ثم عكف على الموسيقى ونهل من معين الشعر فورد منهل هوميروس واغترف منه ،وتذوق شعر سائر الشعراء.أما النثر فقد ألم به ونظر فيه. هجر موطنه إلى مدينة ثوريوم فى الوقت الذى كان أهل أثينا يستعمرونها فيه.وكان هيرودوت شديد الإعجاب بأهل أثينا فزارهم ،وروى لهم ما تيسر من قصصه التاريخى ، فاعترفوا بما اسداه إليهم من نفع وما قدمه لهم من متعة؛فقرر مجلسهم النيابى سنة 445 ق.م أن يمنح عشرة طالنط مكافأة له على إحسانه. وفى أثينا توطدت أواصرالصداقة بينه وبين سوفوكليس الذى أعجب لا شك بكتاباته فأشار إليه فى بعض رواياته،وأهدى له مقطوعة من شعره. ويظهر أن شهرة هيرودوت طوقت أثينا كلها وسرت فى مختلف طبقاتها،فقد أشار أريستوفانيس إلى "تاريخ هيرودوت"فى كثير من مسرحياته،وليست الكوميديا مجالا للإشارة لغير المعروف المشهور لدى الجمهور. وقد زار هيرودوت مصر بعد عام 459 ق.م (القرن الخامس قبل الميلاد ) وصعد فيها جنوبا إلى الشلال الأول،وزار سوريا وجاوز بابل وسوسا وهمذان،وتنقل بين شواطىء البحر الأسود وجنوب روسيا. وكان هدف هيرودوت (أبو التاريخ) كما أثبته فى مستهل تاريخه هو كتابة تاريخ الحرب اليونانية الفارسية(500-475 ق.م) ،لأنه من دون الهزيمة المعجزة التي مني بها الفرس على أيدي عصبة صغيرة من الدويلات الإغريقية خاضت الحرب لتجنب الاستعباد، ما كنَّا لنحصل على معبد البارثينون، ولا عقدة أوديب، ولا سقراط ولا أفلاطون ولا أرسطو. ومن دون انتصار الإغريق، من الصعب أن نتصور تاريخ الفلسفة الغربية، أوتاريخ الفكر السياسي الغربي المتأصل في مفارقة أن الأثينيين هم من ابتكروا الديمقراطية، وفي الوقت ذاته خرج من بين ظهرانيهم الرجال أنفسهم الذين رسخوا التقليد المناهض للديمقراطية في الفكر السياسي. ولا يمكن أن يكون هيرودوت قد تنبَّأ بمسار الفلسفة الغربية والنظرية السياسية كاملا، لكنه كان يعرف الفرق بين الشمولية والحرية، ورأى في هزيمة الأولى على يد الثانية موضوعا جليلا ً . وكان نصر ا جليلا ً لكن ليس خالصا فيما يخص الإغريق؛ ذلك لأن الحروب الفارسية مثلما »صنعت« هيرودوت، »صنعت« أيضا أثينا، فحولتها إلى مركز ثقافي متألق ، لكنها حولتها أيضا إلى دولة إمبريالية متزايدة الجشع والتعطش إلى القوة. و رأى أنه لابد للوصول إلى أسباب هذا الصراع العنيف فى جذورها البعيدة من وصف الإمبراطورية الفارسية . ولما غزا الفرس مصر،كان ذلك إيذانا باستطراد طويل فى وصف مصر وعادات أهلها برواية تاريخها فى كتابه الثانى من موسوعته التى اشتملت على تسعة كتب عنون كل واحد منها باسم ربة من ربات الفنون الأدبية التسع. وهذا الكتاب الثانى والذى يحمل اسم ( يوتربى) ربة الشعر الغنائى ،وخصصه هيرودوت عن مصر، لا يزال محتفظا بقيمته التاريخية،فهو عمدة الأثرى فى دراسة تاريخ مصر من الأسرة السادسة والعشرين إلى القرن الخامس قبل الميلاد،لاسيما وإن معظم آثار هذا العهد لم تر النور بعد.