تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



إلى وزير الداخلية.. كسفتونا | الأمير كمال فرج


السيد اللواء وزير الداخلية ..بدون لف ودوران ..كسفتونا ..
نعم كسفتونا . وخليتوا "رقبتنا" ـ كما يقول التعبير الشعبي المصري البليغ ـ "زيّ السمسمة".

كبرناكم .. صغرتونا ، وصدقناكم .. كذبتونا، ودلعناكم .. بهدلتونا ..

كسفتونا .. لأننا في معسكر واحد نواجه معا طلقات الأعداء، ونشتم معا رائحة الدخان ، في خندق واحد نواجه معا "أعداء الوطن" .. ، ولكنكم تعاملتم معنا كما يقول العامة بـ "جليطة".
كسفتونا .. و"شمتُّوا فينا العدوين"،  ولكننا لا نرد بالرد العفوي الذي يقال في مثل هذه الحالات "الله يكسفكم"، لأننا لا نرضى لكم الكسوف . لأن كسوفكم كسوف لـ "مصر"، وهو ما لانرضاه لبلادنا الغالية.
 
في 10 / 11/ 2014 في تمام التاسعة والنصف صباحا توجهت من قرية العائلة "كفور بلشاي" الي مدينة كفر الزيات ، كانت وجهتي بالتحديد "بنك القاهرة" الموجود في ميدان المحطة . استقليت "توك توك" الوسيلة الشعبية الشهيرة في مصر الآن، والتي أصبح لا غنى عنها لدي البسطاء والعاديين.
 

 قبل الوصول إلى البنك بفترة. أي أمام "مجلس المدينة" في شارع البحر طلبت التوقف،  وقلت "أكمل مشي"، ونزلت لالتقاط بعض الصور للنيل، وشارع البحر، ومبنى المجلس التاريخي الذي يعتبر المعلم الحضاري الرئيسي بالمدينة، وذلك لأن الأرشيف الخاص بي يخلو من صور عن المدينة. وعندما يستلزم الأمر نشر أي خبر عن مدينتي "كفر الزيات" لا أجد صورا مناسبة . حتى محرك البحث "جوجل" يخلو من هذه الصور.

أثناء التقاطي الصور . فوجئت بـمجموعة من "الأشخاص" يحيطون بي . ويسألوني عما أفعل . ولماذا ألتقط الصور؟، فأوضحت لهم هويتي، وأبرزت بطاقتي عضوية "نقابة الصحفيين"،  و"إتحاد الكتاب" ، و"بطاقة الرقم القومي"، وظننت أن الأمر سينتهي عند ذلك.

ولكن ما حدث أنني خضعت لمزيد من الاستفسارات، ونظرات التشكيك . وبسرعة أحاط بنا المارة . كما يحيطون بإرهابي نجحت الشرطة في القبض عليه قبل تنفيذ هجومه.كان بين الواقفين شخص كبير البنية سرعان ما تعرفت عليه وهو "رئيس مجلس المدينة"، وفهمت أنه كان في جولة صباحية، ومعه موظفوه، وأن حظي الأغبر أوقعني في طريقهم.

كنت أتوقع بعد أن عرفت رئيس مجلس المدينة بنفسي، واطلع على بطاقاتي أن ينتهي مرة أخرى الأمر . ولكن موظف من أمن المجلس ـ هكذا توقعت ـ  كان يصاحب رئيسه أراد أن يظهر كفاءته، فقام بالاتصال بمركز الشرطة، وابلغهم بالأمر . وطلب مني الانتظار، لأنهم كما قال "يتحرون عني"، وراح يملي الشخص الذي يحادثه في المحمول بياناتي الشخصية .. وبسرعة نظر حوله فوجد شابا واقفا على الكورنيش يشم الهواء، فأحضره، واستجوبه، وقال لنا متقمصا شخصية "شرلوك هولمز" "إنتوا مع بعض؟"، وسرعان ما ضمه إلي، وكأنه أمسك بأعضاء تنظيم إرهابي مسلح يستهدف أمن البلاد.

رغم ضيقي مما يحدث.. قلت لهم أنني مقدر للظروف الأمنية، وغير منزعج لما يحدث .. على العكس سعيد أن الجهات الأمنية متيقظة، .. انتبهت على صوت شخص يرفع يده بفخر قائلا "أنا اللي بلغت"، نظرت إليه .. كان كما أظن عاملا في المقهى المقابل . وهو يشبه تماما الكاركتر الذي يظهر في المسلسلات التلفزيونية . الجرسون المسن الذي يرتدي نظارة كعب كباية"، ويدس أنفه في كل شيء. تذكرت الراحل زكي رستم عندما تلقى طلقة من صديقه، فقال مقولته الشهيرة "نشنت يافالح"؟ ..، تذكرت أيضا التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية "أ ف ب" الأسبوع الماضي بعنوان "في الأماكن العامة في مصر .. الأصوات المعارضة تتحدث همسا"، والذي أشار إلى ظاهرة تنامي الوشاية في المجتمع المصري بعد الثورة، والتي صعدت تحت ذريعة محاربة الإرهاب، حيث يتطوع بعض العامة ليكونوا مرشدين للشرطة، فأصبح بإمكان أي شخص الإبلاغ عن أي شخص حتى لو كان السبب تافها، أو لمجرد أنه قال رأيا معارضا في الأوتوبيس، أو الشارع ..، وهو مؤشر خطير نأمل أن لا يشير إلى تراجع الحريات في مصر. 

المهم بعد قليل حضر "شخص قصير" من مركز الشرطة، يرتدي ملابس مدنية، واطلع على بطاقاتي التي توضح أنني "صحفي"، و"كاتب" . وكنت للمرة الثانية أظن أنه عندما يرى طبيعة عملي الصحفي سيتركني أنصرف لحال سبيلي . ويعتذر، ولكنه طلب مصاحبته إلى مركز الشرطة المجاور . فقلت لهم رغم الضيق الذي يتصاعد "أنا أقدر الإجراءات الأمنية .. ولكن الأمر مش مستاهل "، وفي النهاية اضطررت للذهاب معهم.

في الدور الثالث من مركز الشرطة أجلسونا وأنا والشاب الغلبان الذي أحضروه معي، في "مباحث الجرائم العامة" . كان في الغرفة شخصان من الرقباء، أو أمناء الشرطة لا أدري، أحدهما بشارب، والآخر بدون، وكان من الواضح أن تعليمهما متوسط، .. على الحائط كانت هناك لافتة كبيرة تضم صورا لمتهمين، وتحت كل اسم التهمة التي ارتكبها ، لمحت بسرعة صورة سيدة وتحتها كلمة "قتل"، فقلت "أعوذ بالله".

بعد قليل دخل الرجل القصير الذي اصطحبنا إلى مركز الشرطة . وطلب منا "إغلاق الجوالات"، فتظاهرت بالامتثال . ولكني سرعان ما اجريت مكالمة خلسة مع أخي طمأنته علي، وأخبرته بما حدث ومكان احتجازي بالضبط "ماحدش عارف ممكن يحصل إيه". انتبه الرجل القصير لي وأنا أجرى المكالمة. فقال لي بحدة "مش قلنا اقفلوا الموبايلات".

آخر مرة دخلت فيها "مركز شرطة كفر الزيات" كانت قبل 25 عاما، عندما كنت طالبا في المرحلة الثانوية . وأمارس الصحافة كهواية، وقتها سرقت دراجتي، فقدمت بلاغا لقسم الشرطة، وانتظرت أسابيع دون جدوى، فكتبت خبرا صغيرا في صحيفة "السياسي" التي كانت تصدر عن دار التعاون بعنوان "سرقة الدراجات والسيارات في كفر الزيات".

 .. بعد أيام فوجئت أسرتي بـ "مخبر" يحضر إلى منزلنا، ويقول أن رئيس المباحث يريدني. طبعا أثار ذلك قلق العائلة .
فماذا تريد المباحث من ابنهم .. وحاصرتني الأسئلة .. ماذا فعلت ؟. وبدأت الاتصالات التقليدية بالمعارف "الواصلين" لمعرفة السبب،  ذهبت يومها إلى مركز شرطة كفر الزيات، ولاحظت وانا داخل أن المركز مليء بالدراجات ، الطرقات والممرات دراجات متعددة الأشكال، فاستغربت الأمر،  .. يومها قابلت العقيد جلال الجرف الذي لامني على الكتابة في الصحف عن "الدراجة"، وعدم الانتظار، وأخبرني أنهم أحضروا دراجتي .أتذكر يومها حدث سوء فهم طريف بيني وبين الرقيب الذي كان يجلس أمام مكتب العقيد . فبينما كنت أطيب خاطرهم ، وكلما قلت  "كناية" .. يرد غاضبا "جناية"..!، فأعيد .. "كناية" ، فيرد وهو أكثر غضبا "جناية"؟.

قال لنا الموظف "ذو الشارب" الجالس على مكتب في اليمين أن الأمر بسيط، ولاشيء علينا، وأنهم فقط ينتظرون حضور "الظابط" .. "ليسألكم سؤالين" ، .. أربعة ساعات ونحن في الانتظار ، وكلما تأففنا وسألنا عن موعد إنصرافنا كان الموظفان يقولان لنا أنهما في انتظار "الظابط  ... "..، وبعد تكرار السؤال قيل لنا ان الضباط كانوا في مهمة الليلة الماضية ، علمت أنها كانت متابعة واقعة احتراق قطار في سكك حديد المدينة.

رغم ضيقي الذي وصل إلى حد السقف ، كانت فرصة سانحة لأن اعرف الواقع في مراكز الشرطة بنفسي . لذلك رفضت الاتصال بأحد ، وتركت نفسي لأعرف نهاية الأمر .. ، لا يكفي كصحفي أن تشاهد التلفاز، وتقرأ الصحف، وتطالع تقارير المراسلين، ووكالات الأنباء . الصحفي بحاجة إلى أن ينزل بنفسه إلى الشارع، ويرى كل شيء على الطبيعة . حتى لو كان الواقع مؤلما.

"دماغ" الصحفي ليست دماغا عادية، فهي قلم، ومسجل، وكاميرا احترافية، وجهاز لتحليل البيانات .. رادار حساس يلتقط دبة النملة .. حتى إذا حان الوقت يقدم الحقيقة إلى العالم في صورة تقرير صحفي، أو مقال، أو أي عمل إبداعي.

استأذنا من الشخص الآخر الموجود في الغرفة أن نتكلم في الموبايلات . فسمح لنا .. فبدأ الشاب الجالس بجواري ـ وهو كما عرفت يملك محلا في سوق المدينة ـ في سباق مع الزمن للاتصال بمعارفه . وتوالى حضور المنقذين .. كل شخص يأتي يطمئننا أنه لا شيء علينا وأنهم فقط ينتظرون حضرة "الظابط" النائم كما فهمت في ملحق تابع للقسم.

بعد أن طال الوقت أدخلونا على ضابط اسمه "... بيه" .. كانت حجرته مليئة بالضيوف، .. عرفته بنفسي . وأطلعته على هويتي الصحفية، وأخبرته ـ رغم الضيق الذي يتصاعد ـ إنني مقدر للاجراءات الأمنية ، وجهودهم في هذا الصدد.  كنت أتوقع للمرة الثالثة أن يتفهم الظابط الأمر ، ويتفهم طبيعة عملي "الصحفي" .. بل ويعتذر عن جلبي بهذه الطريقة، ولكن رده كان سيئا. ليس ذلك فقط ، ولكنه خاطبني كما يخاطب المجرمين ، وسألني أين جواز سفرك ؟، ومتى دخلت إلى البلاد؟، وطلب مني ترك الكاميرا التي معي، ليس ذلك فقط، ولكن أيضا ترك أوراق كانت في جيب الكاميرا . إحداها تتضمن برنامج رحلتي في مصر، والثانية أسماء كتب خارجية طلبت مني أم العيال إحضارها للأولاد من "الفجالة. حاولت التمسك بالكاميرا، فقال لي هادي بيه "سوف نفحصها"،  ووجه  أمين الشرطة ـ هكذا فهمت باحتجازنا ، بل و"القبض علينا"، وتحرير محضر بالواقعة ..

لا أعرف هذا الضابط، وليس أريد الإساءة إليه، ولكني كنت أعتقد أن "كاركتر" ضابط الشرطة الذي يزعق في المتهم أو المشتبه به ليعترف .. إنتهى. كان ذلك أصعب موقف في هذه الملهاة ، لأن تجريد الصحفي من كاميرته .. كتجريد الضابط من سلاحه.

بهذه المقابلة أخذ الأمر منحى آخر . فقد ظهرت النية الجديدة، وهي تحرير محضر بالواقعة، وتحويلنا إلى "النيابة" . في هذه اللحظة دارات الكثير من الأسئلة في رأسي :

ـ هل الشرطة "فاضية" لهذه الدرجة .. لتشغل نفسها، وتشغل أجهزة الدولة الأخرى من ضباط، ومحققين، ووكلاء نيابة من أجل موضوع "فشنك".

ـ إذا كان ذلك يحدث لأحد مؤيدي النظام، والحكومة، والرئيس السيسي، بل وأحد المدافعين بجسارة عن الجيش والشرطة في حربهما المستمرة ضد الإرهاب . وأحد الذين يواجهون أعداء الوطن ليل نهار على كل الجبهات . لإيمانه أن للاعلام دور مهم هذه المعركة. ماذا يحدث لمعارضي النظام ؟، الأمر أشبه بشخص يقف جانبك في "عركة كبيرة" ويسدد ويقارب، ويتلقى الضربات نيابة عنك .. فيفاجأ بك تضربه على قفاه. ، تذكرت مقولة أحد الأصدقاء "النظام يخسر أنصاره".

ـ  هل التصوير جريمة .. ؟، مارست التصوير وفقا لعملي في أماكن عدة في العالم في باريس، والنمسا، وماليزيا  .. وغيرها .. حتى أنني صورت في أماكن حساسة متوترة مثل لبنان في اوج التوتر الطائفي والعمليات الإرهابية، ولم يمنعني أحد .. ،  حتى أنني قبل ذلك بأسبوع صورت في أقدس وأهم بقعة في العالم الحرم المكي الشريف .. ولم يمنعني أحد، بل وصورت في مصر 20 عاما ولم يمنعني أحد .. ولكن بعد ثورتين منعت من التصوير، ليس ذلك فقط، ولكن تم اقتيادي كالمجرم إلى مركز الشرطة.

ـ إذا كان التصوير في الأماكن العامة .. جريمة ، ماذا سنفعل بالسياح الذين يزورون بلدنا ، ونحلم بزيادة أعدادهم لتعود الروح للسياحة؟ هل سنقبض على أي سائح يحمل كاميرا ؟..، أم أننا سنكون واقعيين، ونضيف على البرنامج السياحي "أسبوع في سجن أبو زعبل بسبب التصوير"؟.

ـ  في عصر التقنية والفضاء المفتوح لا معنى لعبارة "ممنوع التصوير" حيث يمكن لأي شخص عن طريق "جوجل إيرث" تصوير أي بقعة على وجه الأرض .

ـ سمعت كثيرا عن "اضطهاد" الشرطة للصحفيين ، وعن القبض على بعضهم وهم يمارسون عملهم الصحفي . وكنت أدافع وأرفض ذلك الزعم . ولكن ما واجهته لحد الآن لا يؤكد "الاضطهاد"، ولكنه على الأقل يؤكد أن وزارة الداخلية  تعامل الصحفي مثل "حرامي الغسيل".

ـ نحن مستعدون للتحمل بسبب إلإجراءات الأمنية . مثل الانتظار لوقت أطول أمام نقاط التفتيش . ولكن أن تنتقص حقوقنا كبشر .. لا .. وألف لا .. والتصوير في الأماكن العامة حق من حقوق الإنسان.

حتى أعرف وضعي الجديد بعد الاستقبال السيء لـ ... بيه، طلبت دخول الحمام . فاصطحبني  أحدهم وأخرج مفتاحا ليفتح باب الحمام الذي كان في المقابل . عندها شعرت أنه سينتظرني خارج الحمام . عندها ادركت بالفعل أنني محتجز . بمعنى أدق "موقوف" . وبالعامية "مقبوض علي". فصرفت النظر عن الأمر، وعدت إلى مكاني في الزنزانة .. أقصد الحجرة.

الوضع الجديد اتضح كذلك من موقف آخر ، فعندما أراد أحد الموظفين الخروج من الغرفة أحضر "حارسا" يحمل  بندقية آلية  كبيرة، وأجلسه مكانه، وفهمت أنه أوصاه باحتجازنا، وعدم السماح لنا بالخروج من الغرفة . بذلك أيقنت أن الموضوع بجد، وأنني بالفعل "مقبوض عليّ" لأول مرة في حياتي.

استسلمت لقدري ..، وحاولت أن أصبر نفسي بكنز المعلومات الذي ينتظرني، ومعرفة المزيد عن الواقع الذي لا أعرفه عن مصر المحروسة، وإن كان القلق بدأ ينتابني .. لا لشيء. ولكن لأنني على سفر في اليوم التالي . وإذا قرر "هؤلاء" تضخيم الموضوع سأتخلف عن السفر وتصبح مشكلة.

عندما رأيت هذا العدد الكبير من المنقذين الذين جاءوا للأخ الجالس بجواري. أصابتني الغيرة. وقررت لأول مرة "الاستعانة بصديق" وفقا لبرنامج "من سيربح المليون" .. واتصلت بأخي وطلبت منه محادثة قريبي المسؤول السابق بالمدينة . أيضا اتصلت بصديقي الشاعر والناقد الدكتور أحمد على منصور . وبمجرد أن علم بالموضوع . قاطعني قائلا "مادام الموضوع كده .. سآتي لك على الفور".

كان صديقي أحمد منصور غاضبا وحزينا .. يروح ويجيء، ويحدث نفسه قائلا "دا كلام" .. لدرجة أنني أشفقت عليه .. وقلت له "هون عليك ياصديقي .. هذه فرصة ثمينة لأعرف الواقع في بلادي".طلب مني منصور مصاحبته إلى نائب المأمور ، فرفض الحارس الذي يحمل السلاح الآلي. فصاح به صديقي "دا شخصية عامة" ، ولكن تقول لمن ؟.. ، نظرت إلى السلاح .. تذكرته .. هو نفس السلاح الذي كنا نستخدمه منذ 20 عاما في سيدي براني أثناء فترة التجنيد .. تذكرت أول يوم لي في الكتيبة . خرجنا لضرب النار .. تذكرت كيف حققت المركز الأول، وكيف أوقفني الرائد عادل وقدم لي جائزة . وقال للباقين منتقدا النتائج السيئة "أنظروا جندي مستجد يطلع الأول".

..،  عندما طلب من الحارس اصطحابنا إلى نائب المأمور رفض . فسأل منصور بحدة .. "هل هو مقبوض عليه؟"، فأخبره الموظف "أبو شارب" المنهمك في كتابة ما يشبه "المحضر" بعناد وتحدي .. "نعم مقبوض عليه".

بسرعة نزل صديقي منصور إلى نائب المأمور، وأخبره أنني إعلامي، وأمارس مهنتي، فكان رده كما علمت "سلبيا"، وقال أن "هذه المنطقة بها بنوك"..! ، فتركه واتصل بالمأمور نفسه الذي كان في أجازة، وروى له القصة، فطلب منه الذهاب إلى نائب المأمور ومحادثته من عنده .. نفذ صديقي الأمر ، دون أن يعرف ما حدث بين المأمور ونائبه.

الدقائق ثقيلة متباطئة، .. ولا شيء يحدث .. ذهب صديقي منصور الحزين مما يحدث أكثر مني، إلى النافذة واتصل مرة ثالثة بالمأمور ، فأخبره أنهم لن يحرروا محضرا، ولكن سيطلعون الأمر ـ كما قال  ـ  على "الأمن الوطني".

الأصوات متداخلة . كل يدلي برأيه، أحدهم يسألني .. هل أنت تعيش هنا؟، وآخر يقول "الناس اللي هتحاسبكوا".. ، وثالث يسألني عن معنى جملة كتبتها في الأوراق التي صودرت مني، .. بعد قليل حضر نقيب مهذب اسمه محمد، علمت انه من "الأمن الوطني"، وأعطانا بسرعة أوراقنا. في تصرف يعني الإفراج عنا، بينما أحضر لي آخر الكاميرا والأوراق التي كانت معي، وقال النقيب لنا .. "عندما تريدون التصوير إبقوا احصلوا على تصريح".كنت أود الرد عليه "من أين نستخرج التصريح ؟ " . لأنه لا يوجد قانون يمنع التصوير في الأماكن العامة، فخشيت أن أغضبه.

السؤال الآن .. ماذا يحدث لو لم أكن صحفيا ؟، ماذا يحدث لو لم يتفهم المأمور الأمر، ويقتنع بكلام صديقي بأنني بالفعل "شخصية عامة"؟، وسار الموضوع كما يريد "... بيه" و"نائب المأمور" الذي قال لصديقي معللا "المكان فيه بنوك و ..."؟، هل سينتهي الأمر بقضية تجسس؟، وماذا يفعل المواطنون الذين يمرون بنفس التجربة كل يوم في محافظات مصر الممتدة؟.. ، وماذا يعني "الرعب" الذي تملك البائع البسيط الذي كان معي، والذي استنجد بالعشرات لإنقاذه؟.

ياوزير الداخلية .. رغم ما حدث .. نحن معكم ، لأنكم ـ في الحقيقة ـ حماة الجبهة الداخلية.. لن يثنينا عن ذلك خطأ هنا . أو هناك .. لأن تجاوزات الأفراد، أو حتى المجموعات لا يمكن أن نعممها على الجميع. نحن معكم، بإنجازاتكم وأخطائكم .. لأن الحرب التي تخوضها البلاد على أكثر من جبهة، تحتم ذلك ..، وفيما بعد يمكن أن نجلس، ونتعاتب . وبل ونتحاسب وتحاسبكم  معنا الأجيال.

لن نكفر بالوطن، فهو ليس "لعبة" نلهو بها ثم نلقيها على الأرض، "الوطن" الخبز والماء والفرح والحزن النبيل .. لذلك سنعمل على إصلاحه أبد الدهر، وكما يقول الملك محمد منير في أغنية الثورة "إزاي" (والله لأغير فيكي لحد ما ترضي عليه).

رغم الألم .. نحن معكم، ومع كل ضابط وجندي ينتمي إلى جهاز الشرطة العريق، الذين يخوضون الحرب المقدسة لحماية الوطن، .. ولكن هذا لا يمنع أن أقول لك .. بيني وبينك .. كسفتونا ..
تاريخ الإضافة: 2014-12-17 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1664
1      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات