تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



ثورة الجياع | الأمير كمال فرج


في السنوات الخمس الأخيرة ظهرت على الساحة الدولية ظاهرة جديدة قديمة هي ظاهرة "القرصنة"، وارتبط حدوثها في خليج عدن والسواحل المتاخمة للصومال، فلا يمر شهر إلا ونسمع عن استيلاء القراصنة على إحدى السفن التجارية، ومطالبتهم بفدية كبيرة، وتتداول وسائل الإعلام الخبر لفترة، إلى أن نسمع أنه تم دفع الفدية بهدوء، وتم إطلاق سراح السفينة.

أحيانا نسمع تصريحات عنترية من الشركات المالكة للسفن، والتي تدور حول رفض دفع فدية، ورفض التفاوض مع "قراصنة"، ولكن هذه التصريحات غالبا ما كانت تخفت تدريجيا، لنسمع في النهاية الخبر المشترك، وهو دفع الفدية بهدوء وإطلاق سراح السفينة.

 ومع أن القرصنة البحرية والبرية كانت موجودة على مر العصور، حيث كان اللصوص يسطون قديما على قوافل التجارة، ويستولون على مابها من بضائع، ويسبون مابها من نساء وعبيد، وفي عالم البحر كان القراصنة يمتهنون مهنة القرصنة على السفن، وقد جسدت هوليوود واقع هذه القرصنة وتفاصيلها، ومغامراتها، وقدمت في هذا المجال العديد من الأفلام المثيرة.

 ومع مرور الزمن تراجعت هذه الصورة التقليدية للسرقة، وظهرت وتطورت أساليب أخرى للقرصنة، ربما لأنه لم يعد هذا النوع من السرقة مربحا، في ظل تطور وسائل النقل البحري، فظهرت أنواع أحدث كالقرصنة الاقتصادية والتجارية والقرصنة الألكترونية والتي تتم فيها السرقة بضغطة زر.

 وأحدثت القرصنة الصومالية فوضى في العالم، أصيب بنيرانها الكثيرون، فقد تعرضت لها سفن أمريكية وبريطانية ودنماركية وليبية ومصرية وسعودية ويمنية وغيرها..، وكبدت تجارة النقل البحري وشركات التأمين خسائر فادحة، وصار هاجس أصحاب أي سفينة تمر في هذه المنطقة أن تقع في أيدي القراصنة، وتتحول في لحظة إلى خبر تتناقله وكالات الأنباء.

 وتتعدد محتويات السفن التي تخطف، فقد تحمل السفينة المختطفة مجرد صيادين بسطاء، يبحثون عن الرزق، فأوقعهم حظهم العاثر في المياه الإقليمية الصومالية، وقد تحمل المختطفة حمولة من النفط، كما حدث مع ناقلة نفط سعودية ضخمة اختطفت، أو عدد من السيارات، حيث خطف القراصنة في إحدى المرات سفينة سعودية تحمل 4 آلاف سيارة هيونداي كانت متجهة إلى الوكيل في المملكة، وقد تكون الحمولة شحنة من الأسلحة كما حدث مع سفينة إماراتية، وأخرى أوكرانية، ويستخدم القراصنة عادة أسلحة من النوع الخفيف وقنابل، والطريف أنه اتضح أنهم يحملون معهم آلات لعد النقود، وأخرى لكشف النقود المزيفة.

 ولكن ما الذي دفع القرصنة إلى العودة من جديد، وبالتحديد في هذا المكان البائس من العالم. الجواب واضح، وهو أن الانفلات الأمني في الصومال، وعدم وجود حكومة شرعية قوية قادرة على بسط نفوذها على كامل أراضي الدولة، وخاصة حدودها البحرية، وأيضا الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبناء هذا البلد، شجع على تكوين مجموعات من الصوماليين تحترف القرصنة.

 لم يجد هؤلاء بنكا يسرقونه، ولم يجدوا أغنياء ينهبون ثرواتهم بالسطو المسلح، نظروا حولهم فلم يجدوا إلا السفن العابرة أمام شواطئهم، والمتخمة بالسيارات والبضائع والنفط والأسلحة، فكانت حرفة القرصنة هي العمل المتاح والسهل لديهم، ولمعرفتهم بجغرافية المنطقة دون غيرهم، فبدأوا هذه المهنة، واكتشفوا أنها مهنة مربحة، وأن قيمة البضائع التي كانت تحملها هذه السفن المادية الكبيرة كانت تدفع أصحاب السفن لدفع الفدية، وإنقاذ سفنهم بما تحمله من بضائع وعتاد.

 الناظر لحوادث القرصنة، وبالنظر إلى عدم مبادرة المختطفين بالقتل، رغم أنهم يملكون الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ومع النظر إلى طبيعة هؤلاء اللصوص الذين لا يخرجون عن كونهم مجموعة من الصوماليين الفقراء، سيكتشف أن القرصنة هنا قرصنة من نوع خاص.

 الفقر هو الدافع الأساسي للقرصنة الصومالية، لا ننكر احتمالية أن تكون بعض الشخصيات من السياسيين وشيوخ القبائل مثلا دخلت على الخط ، وحولوا بذلك القرصنة إلى بيزنس، ولكن في الغالب كان الفقر والحاجة الاقتصادية هنا هو الدافع الأول.
 أضف إلى ذلك أنك إذا قارنت بين هيئة القرصان البحري كما صورته السينما العالمية، والذي يكون غالبا صاحب بنية قوية، فقد إحدى عينيه، وبين القرصان الصومالي الشاب النحيل زائغ العينين، ستكتشف الفرق الهائل، فالقرصان الصومالي ضعيف البنية عندما تراه، تشعر أنه بحاجة إلى الغذاء والدواء والمأوى والرعاية الاجتماعية.

 يعزز هذا البعد الاقتصادي بعض الوقائع منها ماحدث عند اختطاف السفينة السعودية سيريوس ستار في 15 نوفمبر 2008 ، والتي تملكها شركة فيلا البحرية إحدى شركات أرامكو السعودية، والتي يعادل حجمها 3 ملاعب كرة قدم، وكانت تحمل مليوني برميل من النفط الخام، فقد طلب القراصنة في البداية 25 مليون دولار، ولكن الأمر انتهى بدفع فدية قدرها 3 مليون دولار فقط.

 وعبر القراصنة خلال مفاوضاتهم لتحرير هذه الناقلة عن تقديرهم لدور السعودية ومكانتها الدينية، وأوضحوا أن هذا "عمل".. هكذا يعمل القراصنة، وهذه هي المباديء التي يعملون من خلالها، فهم مسلمون يحترمون المقدسات الإسلامية، ولكنهم لا يتورعون عن الخطف وطلب الفدية. هذا يؤكد ما طرحته، وهو أن لهذا النوع من القرصنة بعد اقتصادي بحت، كمن يسرق لكي يحضر لطفله الدواء.

 صورة أخرى درامية يمكن أن تعطينا لمحة عن طبيعة هؤلاء، فعندما دفعت الشركة المالكة للسفينة سيريوس ستار الفدية، وبعد الإفراج عن السفينة قسّم القراصنة مبلغ الفدية فيما بينهم، وغادروا السفينة المختطفة في زوارق خفيفة، ولكن أحد الزوارق كان عليه عدد من القراصنة مع حصتهم وكانت 300 ألف دولار ، وكان القراصنة فرحين جدا بالحصول على الفدية، وخائفين لوجود سفن بحرية أجنبية تتابع الموقف، وكانوا يسيرون بسرعة كبيرة، فغرق زورقهم وغرق ومعه ستة قراصنة. هذه صورة وإن كانت درامية مضحكة تعطي لنا لمحة عن طبيعة هؤلاء اللصوص التعساء.

 من الصور الطريفة الشبيهة ما حدث عندما اختطف القراصنة ـ تعيسو الحظ ـ سفينة مصرية، وبعد أن استولوا عليها أعطوا الحكومة المصرية مهلة لدفع الفدية، ومرت الأيام ولم تحرك الحومة المصرية ساكنا، فمددوا المهلة، فلم يهتز من الحكومة شعرة، فقام القراصنة، وقد انهارت أعصابهم بتحديد مهلة ثالثة، ولم يحصدوا إلا الفشل، وتابع المشاهدون اتصالات المحتجزين ومعهم أحد القراصنة لبرنامج "90 دقيقة" يستنجدون ويرجون تدخل الخارجية المصرية لإطلاق سراحهم، خاصة بعد مرور شهور على احتجازهم، واقتراب نفاد الطعام.

 وبعد شهور تمكن شيخ الصيادين في قرية البرلس التابعة لدمياط والتي ينتمي إليها الصيادون الموجودين على السفينة من الإفراج عن السفينة المختطفة، ولا نعلم هل تم ذلك بالقوة كما تردد ، أم بدفع فدية؟، أم أن الصيادين هربوا، أم تغلبوا على خاطفيهم، أم أن القراصنة يئسوا في نهاية الأمر بعد أن اكتشفوا أن العملية "لا تجيب همها"، وأن لا أحد مستعد لدفع الفدية، فأفرجوا عن السفينة وطاقمها؟.

 الطريف في هذه السرقة مارواه المختطفون بعد تحريرهم، وهو أن القراصنة تعيسوا الحظ باعوا السفينة المختطفة إلى قراصنة آخرين، مما يؤكد أن العملية كانت خاسرة من البداية.

الفقر والعوز والظروف الاقتصادية السيئة هي المحرك الأساسي لظاهرة القرصنة الصومالية، من هنا يجب عندما نبحث عن الحلول مراعاة هذا البعد الاقتصادي، فنحن لسنا أمام لصوص بالمعنى المفهوم، .. الأمر يشبه روبين هود وهو شخصيه إنجليزية تمثل فارسا شجاعا، مهذبا، طائشا وخارجا عن القانون، عاش في العصور الوسطى، يسرق من الأغنياء ليمنح ما يسرقه للفقراء، .. الأمر يشبه ثورة الجياع، .. الصورة الإنسانية هنا أكبر حجما من الجريمة، رغم عدم إنكار وجود البعد الإجرامي.

القرصنة الصومالية لن تحل بتمرير فرقاطات ودوريات بحرية في هذه المنطقة من العالم، ولن تحل أيضا بتسليح السفن بأسلحة متطورة تمكنها من الدفاع عن النفس في حال تعرضها للاختطاف، وأيضا لن تحل بتعديل القوانين البحرية بشكل يسمح لطاقم السفينة بالاشتباك مع أي مختطف سواء أكان فردا أو جماعة، وهو ما يطالب به البعض.
الحل يكمن في مساعدة هذا البلد الفقير المعدم، وإمداده بقوافل الإغاثة والغذاء والدواء، ومساعدة أبنائه على العمل من خلال تأسيس مشروعات إنتاجية كبرى، والعمل على وجود حكومة صومالية قومية منتخبة، وقوات شرطة وجيش يتمكنان من بسط الأمن على الحدود البرية والبحرية.

من غير ذلك ستظل القرصنة مستمرة، بل وستزداد سوءا، وستظل تستنزف موارد الدول وشركات النقل الكبرى، وتهدد الملاحة في أهم شريان مائي في العالم.

 أكدت ظواهر مثل الإرهاب والاحتباس الحراري واحتلال الدول والاحتيال الالكتروني والقرصنة أن العالم واحد، وأن المشكلات التي يعاني منها بلد صغير في نهاية العالم قد يتأثر بها العالم كله، من هنا وجب على العالم شرقه وغربه ، شماله وجنوبه أن يضع هذا الظواهر على مائدة البحث، وأن يبذل كل الجهد ـ بشكل جماعي ـ للقضاء عليها.
تاريخ الإضافة: 2014-04-17 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1084
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات