تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



ضريبة خطيئة | الأمير كمال فرج


استفزني اقتراح ورد في تقرير لمنظمة الصحة العالمية الذي صدر  اليوم،  حيث اقترح التقرير على الحكومات دعم موارد إيراداتها لتوفير الرعاية الصحية للمواطنين من خلال فرض ضريبة "خطيئة".

 و"ضريبة الخطيئة"  كما وردت في تقرير منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة تعني فرض ضرائب على منتجي التبغ والخمور، وتخصيص عوائد هذه الضرائب لدعم توفير الرعاية الصحية في البلدان المتضررة.

 وهذا الاقتراح المستفز يذكرني بالمثل الشعبي "ودنك منين ياجحا"، لأنه يعترف بداية بوجود خطيئة، ولكنه بدلا من أن يقتلع هذه الخطيئة قلعا من المجتمع، بعد ثبوت الخسائر الصحية والاقتصادية الخطيرة لها، فإنه يعمل ـ بذكاء ـ على تقنينها والاعتراف بها، وتفتق ذهنه عن حل غريب، حل مهادن يمنح الفرصة للمخربين من منتجي المواد الضارة بالإنسان في العمل والإنتاج، وتحقيق الأرباح الطائلة، وفي الوقت نفسه يعطي الفرصة لمستثمري الرعاية الصحية بأن يعملوا، وذلك بفرض ضريبة على منتجي هذه الخطايا التي تضر المجتمع.

 هذا الاقتراح يشير إلى مدى العجز الذي أصاب المؤسسات الصحية الدولية، والصراع غير المتكافيء، بين الصحة والمرض، والذي أدى إلى تقهقر هذه المؤسسات، حتى وصلت إلى الجدار، فصارت في مرحلة "ترويض الوحش" ومصادقته،  وزغزغته، بدلا من محاربته والتغلب عليه.

 الاقتراح الداهية يعترف بالخطأ، ولكن بدلا من أن يواجهه مواجهة شريفة، قرر أن ينافقه ويستفيد منه، ويفرض عليه الضرائب، ولم يشفع له أبدا أنه قرر أن يخصص عائد هذه الضرائب لعلاج الآثار الصحية المترتبة على الخطأ، فقد تحالف مع الشيطان، وانتهى الأمر.

 كلنا يعلم الآثار المدمرة للتدخين التي تدمر صحة الإنسان، وتتسبب في أمراض القلب والشرايين، كذلك دور الخمور في ذهاب العقل وتقليل المناعة، إضافة إلى خسائره الاقتصادية، كما نعلم أيضا أضرار استخدام الأكياس البيلاستيكية على البيئة، والاستخدام المفرط لأجهزة التكييف، والتي لها دور في زيادة الاحتباس الحراري.

 هناك قائمة طويلة من الأخطاء التي يتسبب فيها الإنسان ، والتي تضر بصحته من ناحية، وتضر بالبيئة والمجتمع من ناحية أخرى، وهي كلها لا يجرمها القانون، بل يبيحها،  ويكتفي ـ بإمكانيات العاجز ـ بحملات توعية غبية بخطورتها.
 من هذه الأساليب التحذير المضحك الذي ألزمت به منظمة الصحة العالمية شركات إنتاج التبغ والذي تضع بموجبه عبارات وصور تحذيرية على علب السجائر تقول "التدخين سبب رئيسي في أمراض القلب والشرايين وسرطان الرئة"،  وهو إجراء اعتباطي يؤكد رغبة المؤسسات الدولية في استمرار الخطأ، واستمرار نهر الأرباح التي تحققها شركات التبغ العالمية، وفي الوقت نفسه استمرار نزيف المليارات التي تنفقها الدول على علاج آثار التدخين، ومن زاوية ثالثة استمرار وظائف التوعية الكاذبة التي تمارسها المؤسسات الصحية المتخصصة، ومن بينها منظمة الصحة العالمية.

 اقتراح المنظمة الدولية بفرض ضريبة خطيئة على الشركات المنتجة للتبغ والخمور سيفتح باب الجحيم، وسيتيح بالتالي فرض مثل هذه الضرائب على أي خطأ، فللقاتل أن يقتل بشرط أن يدفع "الضريبة" اللازمة، وللسارق أن يسرق شرط أن يدفع "الضريبة"، وهكذا ستكون هذه الضريبة أشبه بتصريح مفتوح للخطأ، .. كل الجرائم ستكون مباحة بشرط تقديم التعويض المناسب.

 ما الفرق إذن بين التدخين والدعارة التي تبيحها بعض الدول وتفرض عليها الضرائب؟، يذكرني ذلك بحكم "الدية" المعمول به في بعض الدول، حيث أدى عدم إدراك المغزى الحقيقي له إلى ظهور فئة لا تتورع عن القتل، دون خوف أو جذع، مادامت قادرة على دفع الدية، وقد أفرز ذلك المعنى الظالم تجارة اسمها تجارة الديات، حيث بوسع ولي الدم اشتراط الحصول على أموال من الجاني تصل إلى الملايين كشرط للعفو عنه.

 "ضريبة الخطأ" تشبه الاستغلال الخاطيء لمفهوم الدية، وهى ضريبة ستحول القتلة إلى ممولي ضرائب يساهمون في خدمة المجتمع، يتصدرون عناوين الصحف، والبرامج التلفازية، ويتشدقون بقيادة مشاريع الخير، تماما كما يحدث من شركات المياه الغازية التي تساهم في قتل المستهلكين بالأخطار المؤكدة للمشروبات الغازية، وفي الوقت نفسه تساهم في تمويل الحملات الخيرية التي تهدف إلى دعم الفقراء والمحتاجين.

 يذكر التقرير أن هناك مليار شخص في العالم يفتقدون للرعاية الصحية المناسبة، وأن دفع هذه التكلفة يدخل مئة مليون شخص كل عام إلى عالم الفقر، والخبراء الذين وضعوا هذا التقرير بدلا من أن يفكروا في إنقاذ الناس من المرض، ينادون بتوفير الرعاية الصحية لهم،  .. لا ينزعجون من لب المشكلة وهو مرضهم بسبب التدخين والخمور. بالطبع لكي تعمل المؤسسات الصحية، وتتربح شركات التأمين الصحي العابرة للقارات التي أصبحت تتحكم في الشعوب، كما يتحكم تجار السلاح.

 "ضريبة الخطيئة" في حد ذاتها خطيئة تمارسها المنظمات الدولية التي من مهامها الأساسية الحفاظ على صحة الإنسان، ولكنها هنا تتآمر على الإنسان، المنظمات الدولية تعرف المجرم الحقيقي المسؤول عن دخول الملايين من البشر سنويا دائرة المرض، وبدلا من أن تصدر قرارات إلزامية ـ كقرارات الأمم المتحدة ـ بمنع التدخين والخمور وكافة المواد التي تضر بصحة البشر، تفتح للمجرم الباب الخلفي ليفر من العدالة. وتكتفي بأن تفرض على الولد الشقي ضريبة.

 "ضريبة الخطيئة" تؤكد النفوذ الذي وصلت إليه شركات إنتاج التبغ والخمور والوجبات الجاهزة والمشروبات الغذائية ومنتجات الرقائق البطاطس وحبوب الذرة وغيرها من المواد الغذائية التي تدمر صحة الإنسان، هذا النفوذ الذي أصاب المنظمات الصحية الدولية بالشلل،  وقد أفرز لنا ذلك علاقة غير شرعية بين شركات الإنتاج والمؤسسات الصحية،  علاقة تشبه زواج القاتل والقاضي، وهو زواج سيكون ضحيته لاشك المواطن البائس الذي يعمل الجميع على نهش جسده سواء في الصحة أو المرض.

تاريخ الإضافة: 2014-04-17 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1366
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات