تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



القطة وأولادها | الأمير كمال فرج


"القطة تأكل أولادها"  تعبير مأثور كنا نتداوله  قديما على سبيل الاعتبار أو المثل، ورغم عدم تصديقي حتى الآن لأن تأكل القطة بالفعل أولادها ، مازلت أتذكر القطة وهي تحمل أولادها من رقابهم بين أسنانها بقسوة، وكنت أتوتر لخوفي على القط الصغير المسكين من أن يلفظ أنفاسه.

ولكن بالبحث اكتشفت فعلا أن القطة تأكل أحيانا أحد أولادها، والتخريجات مختلفة وعجيبة،  فهناك قول بأنها تأكل القط الضعيف، وقول آخر أنها تأكل صغارها في حالة الخوف عليه، وقول ثالث بأنها تأكل المشيمة فقط.

تذكرت حكاية القطة وأولادها عندما علمت بقرار وزير التعليم المصري بمنع أبناء العاملين في الخارج من الالتحاق بجامعات مصرية حكومية، وإصراره على إلحاقهم بجامعات خاصة. وهو قرار رغم تكذيبه واعتباره إشاعة، إلا أنه يفتح ملف المشاكل التعليمية الجمة التي يعاني منها العاملون بالخارج،  وعلى الخصوص في ظل انبعاث تيار غريب معادي للعاملين في الخارج.

منذ عدة سنوات روي لي أحد الزملاء الصحفيين ما دار بين مجموعة من الصحفيين ونقيب الصحفيين حينئذ، حول عضوية النقابة؟، وكيف قام أحد الزملاء بمخاطبة النقيب، طالبا منه رفض ضم الصحفيين العاملين بالخارج للنقابة ، والسبب كما ورد على لسان الزميل "هما هيأخدوا فلوس ونقابة؟".

هذا التعبير وغيره من الإجراءات والقرارات تؤكد الروح غير السليمة التي يختزنها البعض تجاه العاملين في الخارج، فالطابع العام لدى فئة غير قليلة من المصريين أن المواطن الذي سافر وعمل بالخارج ، حصل على ميزة نوعية وهي المال، بينما هم ظلوا داخل الوطن ، لذلك يرددون سرا وجهرا "كفاية عليهم كدة".

هذا التعبير الذي ورد على لسان صحفي زميل يلخص نظرة البعض السلبية للعاملين في الخارج، وإذا كانت هذه النظرة السلبية هي نظرة مواطن ينتمي فرضا إلى فئة المثقفين، فماذا ننتظر من العاديين.

حتى على المستوى الشعبي هناك طابع عام يعتقد أن من يعمل بالخارج يتمتع بالمال والراحة ووسائل الرفاهية، ولا يعلم هؤلاء مدى ما يعانيه المغترب من ألم وتعب ومشاق، وهو يعمل في أرض غريبة، وأجواء مختلفة، لقد نسوا أن المغترب يدفع مقابل المال أكبر ثمن يمكن أن يدفعه شخص، وهو عمره الذي يتسلل من بين يديه كما يتسلل الماء من اليد، وراحة البال التي لا يعرفها المغترب بدءا من صعوده سلم الطائرة، وحتى عودته إلى أرض الوطن.

 القلق والتعب والمرض عناصر أساسية في تجربة الاغتراب، ولكن الكثيرون لا يرون إلا الجانب المادي البشع، يشاهدون البسمة، ولا يعرفون ما وراء هذه البسمة من ألم، وقلب جفت منابعه فأصبح كالأرض الخراب، هناك جهل تام بتجربة الاغتراب، والسبب أن تاريخ الاغتراب المصري الحقيقي لم يكتب بعد.

أشار تعبير الزميل الصحفي الرافض لضم العاملين بالخارج لعضوية النقابة إلى حالة أصابت فئة ليست قليلة من المجتمع، أي نعم انضم البعض لعضوية النقابة بقرار من إبراهيم نافع نقيب الصحفيين الأسبق، ولكن سرعان ما أغلق الباب بسرعة من جديد، أمام آلاف من الصحفيين المصريين العاملين في الخارج. بعد أن استكثر البعض مرة أخرى ضم العاملين بالخارج للنقابة، ولسان حالهم يردد مقولة زميلنا الصحفي "هما هياخدوا فلوس ونقابة".

نسيت الحكومات المصرية المتعاقبة أنها السبب الرئيسي في هجرة أبنائها إلى بقاع العالم للبحث عن حياة أفضل، لقد نسيت أنها هي من ارتكبت الجريمة عندما لم توفر لأبنائها الحياة الكريمة والوظائف والمسكن اللائق، فكانت السبب في أكبر هجرة عرفها المصريين في التاريخ. ولو قامت هذه الحكومات الفاشلة بدورها لما خرج أحد من داره ، وكما يقول المثل "الذي يخرج من داره يقل مقداره". ولو أنصفت الحكومة لمنحت لكل مغترب "بدل اغتراب" واعتذار رسمي لعدم توفير الخدمات الأساسية له.

الجناية الأخرى التي ارتكبتها الحكومات المصرية تجاه العاملين في الخارج هو الإهمال التام لهذا القطاع العريض من المواطنين، فلا توجد مدارس مصرية في دول العالم كما تفعل الدول لخدمة رعاياها، ولا يوجد دعم قنصلي مناسب للمغترب في حالة تعرضه للخطر أو عدم حصوله على حقوقه، ولا يحظى العاملون بالخارج على حقهم الطبيعي في التصويت بالانتخاباب.

وإذا فتحنا ملف مشاكل العمال المصرية بالخارج سنكشف العديد من المآسي، حيث يعاني الكثيرون من الظلم وهضم الحقوق والإجراءات التعسفية، في ظل دور سلبي من البعثات القنصلية التي تؤثر دائما السلامة، وتقدم العلاقات بين الدولتين على مصلحة المصري، وهذا لب المشكلة.

العلاقة الوحيدة الأساسية الواضحة التي تربط الحكومة بالعاملين في الخارج كانت فقط المبلغ الذي تحصله مكاتب تصاريح العمل، وهو الإجراء الذي أثبتت المحكمة عدم دستوريته، وقامت الدولة بموجبه برد مبالغ كبيرة للعاملين في الخارج. ثم بعد سنوات قليلة أعادوا  جباية هذه الضريبة.

بالنسبة للتعليم تعاني معظم الأسر المغتربة في سبيل تعليم أولادها، والكثير منهم يقتطع من قوت يومه ليضمن لأولاده تعليما مناسبا، وذلك بإلحاقهم بمدارس خاصة، تقدر رسومها بالآلاف سنويا، وتعاني بعض الأسر من الانفصال الأسري بسبب وجود معظم أفرادها في الغربة، ووجود شاب أو فتاة وحيدين في مصر لأن الواقع أجبرهم على العودة إلى الوطن للانضمام إلى جامعات مصرية. وما يمثله ذلك من أخطار اجتماعية.

أخطر ما في الأمر هو ظهور موضة جديدة تحركها جهات سياسية داخلية تهاجم فيها العاملين في الخارج، لأغراض سياسية بحتة، وهو منعطف خطير سكون له آثاره الكارثية، ألا يكفي سوء الفهم الحادث بين عنصري الأمة المسلمين والأقباط،  ليبدأ البعض في توتير العلاقة بين عنصرين جديدين هما العاملين في الداخل والعاملين بالخارج.

الغريب أن للعاملين في الخارج دور أساسي في اقتصاد البلاد، حيث تشكل تحويلات العاملين في الخارج نسبة كبيرة من ميزانية الدولة،. وقد توقع تقرير حكومي أن تصل التحويلات النقدية الواردة إلى مصر من العاملين في الخارج، إلى نحو 7.68 مليارات دولار بنهاية العام الجاري، ولو اهتزت هذه النسبة أو قلت لتعرض الوطن لهزة أرضية.
لا ننكر نقاطا إيجابية تقوم بها القنصليات المصرية في الخارج، أهمها البعثات التي تزور المناطق المختلفة في بلد الاغتراب والتي تقدم الخدمات القنصلية للمصريين، ولكن هذه الميزة خدمة واحدة في قائمة من الخدمات الواجب توفيرها للمصري في الخارج.

لا ننكر أن بعض السفراء في الخارج يضربون مثلا في خدمة المواطن، ويبذلون كل الجهد لرعايته وخدمته، ولكن يجب أن نعترف أن هذه نماذج فريدة، والمفروض أن يكون ذلك أسلوب عمل جماعي، وأن يكون لزاما على كل بعثة قنصلية ـ كما تفعل الدول الغربية ـ خدمة المغترب بكل السبل الممكنة، وأن تمنح هذه البعثات كافة السلطات التي تمكنها من تأدية دورها الكامل بقوة وحسم بعيدا عن أي ضغوط مركزية تحد من حيادتها وفاعليتها في بعض الأحيان.

العاملون بالخارج قوة اقتصادية وسياسية واجتماعية هائلة يجب استثمارها لا مواجهتها بروح الحسد، ومضايقتها بقرارات ترسخ التمييز، وتتعارض مع مبدأ المساواة بين أبناء المجتمع الواحد.

منذ سنوات بعيدة سمعنا عن إقامة مؤتمرات للعاملين في الخارج، ولا ندري لماذا اختفت. العاملون في الخارج بما يملكون من إمكانيات يمكن أن يتصدوا لأصعب المشكلات التي تواجه الوطن، وذلك من خلال إنشاء بنوك ومشاريع عملاقة ومراكز أبحاث وعلوم، تكون رافدا ماليا وعلميا مهما للوطن.

مشاكل عدة يعاني منها العاملون في الخارج في التعليم والجمارك والاستثمار والصحة والتأمين .. ، ومن واجب الحكومة أن تفتح هذا الملفات وتبدأ العمل، ولكن الحكومة مازالت تصر على التعامل مع أبنائها العاملين في الخارج بمبدأ القطة وأولادها، ورغم عدم ثبوت حكاية قتل القطة لصغارها، إلا أن الثابت الآن أن القطة تكدر أولادها وتسود عيشتهم وتضج مضاجع نومهم، مستلهمة مقولة أخوننا الصحفي الذي قال "هما هياخدوا فلوس ونقابة".

تاريخ الإضافة: 2014-04-16 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1169
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات