تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



اختطاف العرائس | الأمير كمال فرج


تابعت على شاشة تلفزيون الـ BBC العربي تحقيقا تلفزيونيا فريدا عن "اختطاف العرائس" في الشيشان ، أعجبني التحقيق، بل يمكن القول أنه أدهشني .. ، السبب أن الصحافية التلفزيونية البريطانية التي أعدته تكبدت المشاق وسافرت إلى بلد بعيد، وعرضت نفسها للأخطار لمناقشة موضوع اجتماعي شائك، لتقدم للقاريء بالصوت والصورة والبحث والتوثيق كشفا تلفزيونيا جديدا.

 لا أتذكر أنني اندهشت كذلك عندما شاهدت تحقيقا تلفزيوني سوى مرتين أو ثلاث، الأولى عندما تابعت على الفضائية المصرية منذ سنوات تحقيقا تلفزيونيا مغايرا عن "أولاد الشوارع"، وتحقيق آخر سري "تم تصويره سرا" تابعته منذ سنوات أيضا على قناة إم بي سي عن "دعارة الأطفال في إحدى دول أمريكا اللاتينية". إضافة إلى عدة تحقيقات تلفزيونية متباعدة قدمها برنامج الرائعة أوبرا وينفري.

 يمتليء الفضاء العربي بآلاف القنوات الحكومية والخاصة التي تقدم للمشاهد على مدى ساعات اليوم برامج الثرثرة الفضائية ، والبرامج التسجيلية المملة، وتعجز هذه القنوات رغم الإمكانات المادية والفنية الهائلة عن تقديم التحقيق التلفزيوني الصحيح الذي يغامر ويكشف ويوثق،  ويقدم للعالم معرفة جديدة.

 السبب الثاني لإعجابي بتحقيق "اختطاف العرائس" هو أنه يكشف عن عادة اجتماعية جديدة، تظهر هذه المرة  في الشيشان التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي السابق، والتي توافد إليها المسلمون من كل حدب وصوب للجهاد لتحريرها من أيدي الروس الكفار وفقا للتصنيف الجهادي.

 وعادة اختطاف العرائس باختصار هي عادة اجتماعية شيشانية تقضي بأن العريس إذا تقدم إلى إحدى الأسر بهدف الزواج من إحدى بناتها، ورفضت العروس لأي سبب،  كعدم قبول العريس أو الرغبة في الزواج الآن، أو الرغبة في استكمال دراستها، فإن لهذا المتقدم الحق في أن يخطفها ،  نعم يخطفها عنوة من بين أسرتها ، ويتزوجها رغما عنها .
 
والاختطاف هنا يعني "الاختطاف الحقيقي"، ليس في الأمر مزحة أو مداعبة أو تقليد شكلي كما يقضي فلكلور الزواج في بعض القبائل الإفريقية، ولكن الاختطاف هنا اختطاف حقيقي ، يتسلل الجناة إلى منزل العروس،  ويكممون فمها ويحملونها عنوة في سيارة تنتظر بالجوار، وينقلونها إلى منزل العريس، وهناك يكون على العروس المختطفة أن تقبل واقعا جديدا ، وهو الزواج من شخص لا تعرفه ولا ترغبه،  أو قد تكون قد شاهدته مرة واحدة.

 ويقبل المجتمع الشيشاني بهذه العادة ويؤيدها رغم تعارضها مع كل المواثيق والأعراف والشرائع وأولها الإسلام، ونظرا لأن الاختطاف ـ على الطريقة الشيشانية جريمة،  يبرز هنا سؤال مهم .. كيف تحول المجتمع من رافض للجريمة إلى مرحب بها،  بل مدافع عنها ؟، وكيف يمكن تبرير مثل هذه الجريمة قانونيا واجتماعيا؟، وأي عقل يمكنه استيعاب هذا التبرير؟.

 في بعض الحالات يكون الاختطاف مقرونا بجريمة أخرى وهي "الإغتصاب" ـ كما حدث في أحد الحالات التي عرضها التقرير ـ  حيث يبادر العريس المختطف باغتصاب عروسه بعد اختطافها، حتى يضمن انكسارها، وأنها ستكون له.. ، كل ذلك والمجتمع يقبل لأن هذا من عاداته وتقاليده.

 الوضع يكون أكثر مأساوية عندما تتلقى أسرة الخاطف العروس المختطفة بابتهاج وكأن جريمة لم تحدث، ويستقبل رجال قبيلة العريس المختطف الأمر بالترحاب، ومن بينهم رجال دين مسلمون،  وعندما يتم الزواج القسري يتلو رجل الدين المسلم آيات قرآنية .. ، رغم علمه بأن مثل هذا الزواج في الشريعة الإسلامية باطل، وأن العلاقة الزوجية المبنية على هذا الزواج هي علاقة زنا.

 وما بين اندهاش معدة التحقيق البريطانية وابتسامات بلهاء من إحدى سيدات العائلة المختطفة التي تؤكد أن هذا الاختطاف عادة اجتماعية يحافظ عليها المجتمع الشيشاني، وأن من لا يتمسك بها لا يكون شيشانيا،  تتجسد لك تفاصيل هذه المأساة الإنسانية عندما تختطف فتاة من بين أسرتها تزوج بطريقة قسرية، فتضطر الفتاة إلى الاستسلام لقانون الغاب الذي يتم للأسف تحت عنوان إسلامي، وتتصنع الابتسام وهي في طريقها إلى الكوافير تحت حراسة سيدات العائلة.

 ويبلغ بك الغيظ مداه عندما تتابع رد السيدة البدينة التي تنتمي لعائلة المختطف، والتي تقول أن الفتاة لا تعرف مصلحتها، وأنا سوف تعتاد على الزوج بمرور الوقت، ويزداد ضغط الدم عندك ارتفاعا عندما تتابع حديث شقيق الزوج عن دوره المشرف في عملية اختطاف، والجميع يبررون مثل هذه الجريمة بالعادات والتقاليد الشيشانية التي لا يمكن أن يرفضها أحد.

 وتابع التحقيق التلفزيوني قصة "زليخة" الشابة الشيشانية التي اختطفت بغرض الزواج، وغامرت المحررة التلفزيونية البريطانية بالدخول إلى منزل المختطفين والتحاور معهم ومع شيوخهم حول هذه العادة الاجتماعية الخطيرة التي هي في كل الأعراف جريمة يعاقب مرتكبها بأشد العقوبات.

 ويتطرق التحقيق إلى جانب أكثر سوداوية في الموضوع عندما يتم اختطاف فتيات، فيختفين تماما، وبدلا من ان تعلم أسرهن من بعيد أنهن تزوجن، يختفي أثرهن تماما، ولا تدري أسرهن هل تزوجن أم قتلن،  أم اختطفن ليمارسن قسرا البغاء.
 أعجبني وأدهشني هذا التحقيق التلفزيوني الذي هو نموذج للتحقيق التلفزيوني الحقيقي القائم على الرصد والتعب والسفر والمغامرة والاكتشاف والمواجهة والتوثيق لكي يعرف العالم معلومة جديدة.

 ولكن في الوقت ذاته أحزنني التحقيق وآلمني،  ليس فقط لما تتركه جريمتا الاختطاف والزواج القسري في النفوس من آثار دامية، ولكن لأن العادات الإسلامية الخاطئة التي تشوه الإسلام مازالت قائمة، ليس ذلك فقط، ولكنها تطورت وتوغلت، وحولت بعض المسلمين إلى وحوش آدمية تعتدي على الحقوق، وتعيث في الأرض فسادا، مما يعيد المجتمع المسلم إلى الجاهلية الأولى التي كانت تعبد الأوثان.

  العادات والتقاليد الخاطئة ليس فقط قائمة، ولكنها تكبر وتتعاظم وتتوحش، وتبرر بعيدا عن أي منطق وأي عقل،  ولا يوقفها عامل أخلاقي أو ديني.

 العادات والتقاليد الاجتماعية للأسف أصبحت في المجتمع المسلم دينا جديدا يختلف كلية عن دين الإسلام، ممارسات خاطئة يحميها المجتمع الغبي لا تنفع معها توعية أو فتاوى، ولهذه العادات من القوة ما يجعلها تبقى وتترسخ وتعيش وتتوارث جيلا بعد جيل، قد تختفي قليلا، ولكنها تظل كالفيروس الكامن مئات السنوات ـ  كما رأينا في الشيشان الذي خضع مئات السنوات للحكم السوفييتي ـ ثم تظهر بقبحها ووضاعتها من جديد.
تاريخ الإضافة: 2014-04-15 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1088
1      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات