تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



وزارة التنوير | الأمير كمال فرج


لماذا نكتب؟، هل نكتب للتسلية أم المتعة؟، .. نمسك بالقلم ونخط أفكارا ومشاعر وكلمات، فنستمتع بهذا الشعور الجميل الذي يشبه شعور الصوفي في حلقة الذكر، والعاشق وهو يلامس لأول مرة أنامل حبيبته، والأم عندما ترزق بمولودها الأول، شعور يشبه العشق والوصل واللذة، ممكن ، ولكن الواقع يقول أن الكتابة فعل مرهق ومؤلم، شيء يشبه العذاب، ففيها يعاني الكاتب بدءا من إيجاد الفكرة، ثم الاتحاد معها والاحتراق بها ، كما يتحد البخور بالجمر، لينتج ذلك في النهاية مقالا مشتعل الحروف يستنهض مشاعر الناس، ثم هناك معاناة لاحقة بعد نشر المقال، فهناك مقالات تدفع بأصحابها إلى المناصب، وهناك مقالات تؤدي بأصحابها في "داهية"، في مكان جميل وراء الشمس.

 البعض الآخر يرى أن الكتابة رسالة، وعلى الكاتب أن يكتب، ويكتب ، حتى الرمق الأخير، تماما كالجندي في المعركة عليه أن يقاتل حتى النصر أو الشهادة؟، ولا يهم إن عانى من الفقر والعوز، ولا يهم إن جاع أو تشرد أبناؤه، المهم أن يكتب ويركض كالحصان الجريح إلى نهاية السباق.. ممكن أيضا، ولكن الكثيرين يكتبون عن فائدة طرقعة الأصابع، والعلاج بالأعشاب، وبرامج الواقع، وغيرها من الأفكار التافهة، وينشرون كالآلات، فتخرج مقالاتهم في الهواء كفقاعات الصابون.

 البعض يعتقد أن الكتابة مهنة، ويستشهد بذلك بكتاب الصحف الذين يتقاضون الآلاف مقابل كتاباتهم، ولكن هناك الملايين يكتبون في القرى والمدن البعيدة، والذين يصطلحون عليهم في مصر بـ "أدباء الأقاليم" ، وهو أسلوب ذكي للتمييز والإقصاء والطبقية الأدبية، .. ينشرون بلا مقابل، ويطبعون كتبهم بطريقة رديئة تسمى "الماستر"، ويعانون من أجل أن تصل كلماتهم إلى الناس.

 الكتابة مزيج من اللذة والمتعة والألم والعذاب والرسالة والمهنة والحب والمقاومة والجهاد والتخطيط والتعليم والتوجيه والفناء من أجل المحبوبة، الكتابة فعل يشبه إعمار الأرض، يشبه زرع شجرة أو فسيلة، وقد أمرنا الله تعالى إذا جاء أحدنا الموت وفي يده فسيلة فليغرسها.

المفكر العراقي الدكتور يوسف عزالدين له تشبيه جميل في هذا الصدد، ذكره في حوار صحفي أجريته معه منذ حوالي 15 عاما، حيث اعتبر الكتابة ضرورة إنسانية، واستشهد لإثبات ذلك بالمجانين، حيث ثبت أنهم يصيحون بعبارات غير مفهومة، وقد دلل بذلك على أن البوح والتعبير حاجة إنسانية حتى لو غاب العقل.

 ولكن رغم أهمية الكتابة مازالت مجرد عمل تطوعي قد يأخذ به الناس، وقد يهملونه، وقصاصة الصحيفة التي قد يعلقها شخص أو يضعها تحت زجاج المكتب احتفاءا بها ، قد يستخدمها آخر كسفرة للطعام، أو لأي شيء آخر.

 والسؤال الآن، لماذا لا نمنح الكتابة السلطة التنفيذية، باعتمادها مرجعا رئيسيا للنقد والتوجيه والتخطيط في الدولة، لماذا لا تكون هناك "وزارة للكتاب" أسوة بوزارة التخطيط ، وليكن اسمها "وزارة التنوير" تعمل على تحويل الأفكار التي يكتبها الكتاب، إلى خطوات وقرارات تنفيذية، وتستعين الوزارات المعنية بالتخطيط والسياسات بالكتاب عند وضع الخطط المستقبلية.

 إذا كانت السلطات في أي مجتمع أربعة تشريعية وتنفيذية وقضائية وصحفية، فإن الكتابة يجب أن تكون السلطة الأولى، والتي تعني بعملية التخطيط واستشراف المستقبل، والأمم العظيمة بنيت وشيدت على الفكر والثقافة، والأمم الضعيفة كانت دائما نتاجا لثقافة ضعيفة، ومن خلال هذه الوزارة المقترحة يرسم الكتاب صورة الوطن بعد 20 عاما، أو 50 عاما، تماما كما تفعل الدراسة الأكتوارية.

 في الماضي كانت هناك وظيفة رسمية هي "شاعر البلاط" ، حيث كانت الأنظمة الملكية تستعين بالشاعر لكي يترجم مواقفها، ومناسباتها، ويدافع عنها، ويواجه خصومها ، واستحدث منصب "شاعر البلاط الملكي قبل حوالى أربعمائة عام في بريطانيا . ما أقترحه سيكون شبيها بذلك، ولكن بشكل مؤسسي منظم لا مجال فيه للمجاملة أو شبهة الاستغلال.

 المتابع للأصداء التي تظهر على مقالات الكتاب، سيكتشف أنها لا تعدو عن كونها ردا من مسؤول ، أو تعقيبا في رسائل القراء، أو تعليقا في موقع الصحيفة الألكتروني، ولكن وجود وزارة للكتاب سيفعّل الكتابة، ويحول أفكارها المستنيرة إلى واقع فوري يخدم الناس.
 الأحلام دائما كبيرة، وتنفيذها طريق محفوف بالمتاعب، ووجود وزارة للكتاب ستجعل الحلم الصعب في متناول اليد، ويمارس الفكر لأول مرة دورة الحقيقي والهام في بناء الوطن.

 قد يتحسس البعض من الفكرة خوفا من إنشاء علاقة غير شرعية بين الكتاب والسلطة، وهي الثنائية المتوترة منذ مئات السنين، وأن يكون الكاتب بذلك بوقا للسلطة التي ارتبطت في الذاكرة دائما بالقمع السياسي والاجتماعي والتقصير في توفير احتياجات الناس، ولكن إذا ضمنا لمثل هذا الكيان الحلم الوجود، ومنحناه السلطة والاستقلالية والقدرة على الرقابة الفكرية والمجتمعية، واستمعنا إلى توصياته، ونفذنا قراراته كما نفعل مع مجلس الشعب والشورى، سنكسب بذلك رئة فكرية جديدة. على العكس هذا الاقتراح سيصحح العلاقة بين السلطة والكاتب، ويضع الجميع أمام مسؤوليته التاريخية والوطنية.

 وقد يستصعب البعض التوافق بين الكتاب في ظل اختلافهم، وتعدد تياراتهم الفكرية، ويتحسسوا من المزج غير المقبول بين الكتابة والسياسة، ولكن يمكن بالتنظيم والديمقراطية والتصويت أن نعالج هذه المشكلة، وليتم اختيار القرار بالمناقشة الديمقراطية الحرة والاقتراع الحر.

 وقد يسخر البعض من الفكرة، ويدلل على ذلك بإهمال الحكومات المتعمد أحيانا وغير المتعمد أحيانا أخرى لمهنة الكتابة ، ويستشهدون بذلك بنقابات أو اتحادات الكتاب التي تعاني في سبيل توفير معاشات لأعضائها، وتعيش على المنح والهبات، والرد هو أن الحلم أول خطوة للحقيقية، فإذا لم نحلم لن نتقدم أبدا، والكثير من المؤسسات والأنظمة العملاقة التي شهدها العالم بدأت بفكرة وقوبلت بالرفض الشديد، كمنظمة التجارة العالمية.

قد يشير قائل إلى أن وزارة الثقافة يمكن أن تضطلع بالمهمة، والرد على ذلك سهل، لأن الكيان الذي نريده ليس مجرد وزارة تعني بشؤون المثقفين، ولكننا نريد وزارة تأخذ موقعها في الحكومة كسلطة تخطيط وتنفيذ، كوزارة التخطيط مثلا.

 أليس من الغريب أن تكون لدينا وزارة للبيئة، ـ دون التقليل من أهميتها ـ ولا توجد لدينا وزارة للكتَّاب؟، .. "وزارة الكُتَّاب" ستجعل الكاتب شريكا في الحكم، وتحول الفكر من مجرد كلمات وأحبار وورق إلى وقود أسطوري يدفع عجلة الوطن إلى مشارف الحلم.


تاريخ الإضافة: 2014-04-15 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1029
3      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات