تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



نغمة مشروخة | الأمير كمال فرج


يعتب كثير من المصريين على الأعمال الدرامية والسينمائية المصرية، تحت زعم أنها تشوه سمعة مصر، وتقدم المجتمع المصري للعالم على أنه مجتمع غارق في الفقر والرذيلة،  يمتليء بالراقصات،  ومدمني المخدرات، والغانيات، وعندما يحتدم الخلاف بين مصر ودولة عربية، وفي خضم "الشردحة" الشعبية يعيّر بعض الحاقدين مصر بأنها بلد سعاد حسني وفيفي عبده، والراقصة دينا.

 وتشترك الكثير من الشعوب العربية في هذا الموقف من الأعمال الفنية، حيث ترفض الشعوب العمل الفني الذي يتناول ما قد يسيء إليها، وينادون بإيقافه، بل محاكمة منتجيه، وإذا ظهر خليجي في عمل مصري بشكل مسيء ثارت ثائرة الخليجيين، وهاجموا هذا العمل، وراحوا يحللون دوافعه المغرضة، وإذا ظهر مغاربي في عمل مصري بشكل مسيء ثارت ثائرة المغاربيين، كما حدث مع المسلسل المصري "العار" الذي ضمت احداثه دورا  لفتاة "مغربية" تظهر فيه كفتاة ليل، ..  الظاهرة إذن عربية.

 لا يقتصر هذا التوجس على الأعمال العربية، ولكن يمتد ليشمل أعمالا عالمية، حيث تنزعج الدول العربية من تقديم أعمال سينمائية عالمية تتعرض لها بشكل مسيء، ولدينا عدد كبير من الأعمال العالمية التي هوجمت، ومنعت من العرض في الدول العربية لنفس السبب، منها "لورانس العرب" لعمر الشريف، الذي اتهم بتقديم صورة مسيئة للعرب،  وانتهاء بفيلم "اللعبة العادلة" لخالد النبوي بدعوى مشاركة ممثلة إسرائيلية.

 تتحسس الشعوب العربية دائما مما تقدمه الأعمال الفنية، ـ سواء محلية أم عربية أو حتى عالمية ـ ، من أعمال تتضمن شخصيات سلبية تشير إلى بلدانهم، ويطالبون العمل الفني دائما بإبراز الصورة المضيئة المشرقة للبلد.

وتهمة "تشويه سمعة مصر" تهمة قديمة استخدمت في كثير من المجالات، فإذا تناول فيلم فساد فئة من الناس، اتهم منتجه فورا بمحاولة "تشويه سمعة مصر"، وإذا عرض عمل درامي واقعا سيئا في البلد، اتهم فورا بذات التهمة، وإذا كتب أحد الكتاب مقالا ينتقد وضع الديمقراطية في مصر اتهم فورا بذات التهمة ، وأنه مغرض، يحاول أن يستقوي بالخارج، "تشويه سمعة مصر" نغمة مشروخة تؤكد أن الكثيرين لا يعرفون ماهية العمل الفني ودوره والهدف منه.

 الغريب أن مصر رائدة السينما العربية التي قدمت مئات الأفلام بدءا من الأبيض والأسود ومرورا بالملون، وحتى العصر الحالي، والتي لا تضاهيها من حيث المستوى ولا عدد الأفلام أي دولة عربية، لم تظهر بها هذه النغمة في عصر الأبيض والأسود مثلا، رغم أن الأفلام كانت تناقش نفس القضايا والمشكلات، وذلك يشير إلى أن المشكلة لا تتعلق بالعمل الفني بقدر ما تتعلق بالمناخ الحرية الموجود، والذي يتغير من عصر إلى آخر، ومن رئيس إلى آخر.

 مصر من أوائل الدول التي حققت قدرا كبيرا في مجال حرية الإعلام، سواء أكان الدرامي أو السينمائي أو الصحفي أو التلفزيوني، إلا أن هذه النغمة مازالت موجودة، وتتردد كثيرا. وظل الاتهام الجاهز بـ "تشويه سمعة مصر" اتهاما معلبا وجاهزا للتوجيه في أي لحظة، فإذا جسد أحد الأعمال أحد ممارسي مهنة معينة بسوء، تندلع الاحتجاجات من أرباب هذه المهنة ، وكلنا يذكر اعتراض المحامين على فيلم "الأفوكاتو" بزعم أنه قدم صورة سيئة للمحامين.

 العمل الفني ليس منشورا سياحيا يروج للبلد، ويظهر الجميل فيه، وهو أيضا ليس تقريرا صحفيا،  أو استطلاعا استقصائيا يجب أن يرصد الواقع بدقة، ويقدم للقاريء الحقيقة، ولاشيء غير الحقيقة، وهو أيضا ليس بيانا حكوميا هدفه تجميل الصورة ومدح الأنظمة.

العمل الفني صورة مغايرة تماما، معالجة فنية للواقع، تقدم رؤية جديدة لهذا الواقع، وهذه المعالجة قد تكون طبق الأصل من الواقع، وقد تضيف إليه، وقد تختلف تماما عن الواقع، هذه طبيعة العمل الفني سواء أكان قصيدة،  أو عمل سينمائي،  أو درامي، أو لوحة تشكيلية.

وأهداف العمل الفني هنا متعددة، من بينها المتعة والتسلية، والكشف عن مشكلة، وتقديم الحلول لها، أو تحفيز العقل على التفكير في الحل، والتنبيه للواقع، واستشراف المستقبل، ودفع المشاهد أو القاريء لاتخاذ موقف إيجابي. ذلك كله عن طريق عمل فني متعدد الأنماط والشخصيات والرؤى،  وعن طريق معالجة فنية جمالية جديدة.

 ومن أهم أدوار العمل الفني كشف المثالب، والأخطاء،  والتنبيه للخطر، ومن الطبيعي أن يركز العمل على المشكلات، فالإيجابيات معروفة وواضحة، ولن يكون من المجدي كثيرا توثيق الإنجازات، وهذا ما يمكن أن يقدمه تقرير سنوي، أو برنامج تسجيلي،  وأحد أدوار العمل الفني هو الإصلاح، والإصلاح يستلزم الكشف عن أمراض المجتمع ومشاكله، ووضعها على مائدة النقاش والبحث.

 الخجل من إظهار المشكلة صفة إنسانية، ولكن كشف المشكلة وعلاجها أفضل من إخفائها،  لذلك لا داعي للخجل من مشاكلنا،  ففي كل الدول مشكلات، ربما أخطر من تلك التي عندنا، ولكن الفرق أننا واجهنا مشكلاتنا، وهم يدارون عليها،  ويخفونها، وهنا مكمن الخطر، فالمجتمع السليم هو الذي يكشف مشاكله، ويسلط الضوء عليها، حتى يتمكن من إيجاد حلول لها، تماما كالمرض الذي يحتاج إلى فحص وكشف مبكر، حتى يتمكن الطبيب من علاجه.

 الجريمة لا وطن لها، والمشكلات الإنسانية واحدة، مهما اختلفت الأوطان والعرقيات والأديان والألسن، والدليل على ذلك أن المشاهد يتابع الأفلام الأجنبية التي ترصد مجتمعات أخرى بعيدة، ولا يشعر باغتراب أو اختلاف، للعمل الأجنبي نفس تأثير العمل المحلي، لأن المنتج في الأساس إنسان، والمتلقي أيضا إنسان.

 قضايا الشعوب متشابهة، فمع الانفتاح الفضائي أصبحت الهموم الإنسانية واحدة، وحتى إذا أقررنا بخصوصية المشكلات المصرية، فإننا نلاحظ أن الفنون المصرية عبرت "إلى حد كبير" عن المشكلات المصرية، مثل الفساد،  واستغلال السلطة  والفقر والجريمة والتحرش والاغتصاب والدكتاتورية، وغيرها من أمراض المجتمع.

نعترف أن هناك إفراط نلحظه في تناول بعض الموضوعات، دونما تقديم رؤية حقيقية، وذلك لدواعي تجارية بحتة، حيث يشكل ثالوث "الجريمة والجنس والسياسة" كلمة السر في نجاح الفيلم جماهيريا،  ولكن يمكن القول أن الفنون المصرية في الغالب عبرت بصدق عن الواقع المصري بمشاكله وتحدياته المختلفة، وساهمت في تقديم الحلول لهذه المشكلات.

 العمل الفني حالة إبداعية خاصة، ليس هدفها المدح، والتعظيم،  والإشادة، والترويج،  وتضخيم الذوات المريضة، ولكن هدفها الحقيقي الكشف،  والتنبيه،  والتنوير ، والتثوير ، والتحفيز لحياة أفضل.
تاريخ الإضافة: 2014-04-14 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1140
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات