تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



صلاة في الشارع | الأمير كمال فرج


كلما نزلت في شقتي الواقعة بأحد شوارع حي الجيزة الشهير، وعندما تحين موعد صلاة الجمعة أنزل من شقتي، وأتمشى قليلا لأصلي في مسجد جمعية التوحيد، الصلاة تكون في الشارع بجوار المسجد، حيث فرشت إدارة المسجد حصيرا من البلاستيك، وظللت المساحة الموجودة أمام المسجد لكي تقي المصلين من حرارة القيظ، ولكن الواقع يشير إلى أن لا الحصير رخيص الثمن يوفر جلوسا مريحا للمصلي، ولا المظلة السميكة التي تفرد كل يوم جمعة تقي المصلين من الشمس الحارة.

عندما تحاول صرف النظر عن غرور الدنيا ومباهجها وتتفرغ للصلاة، يشوش عليك صوت كلاكسات السيارات والموتيسكلات المزدوجة وعربات الكارو، وهي تمر قريبا منك في المساحة التي تركت لعبور المشاة، وعندما تحاول صرف النظر عن كل هذا الضجيج، وتركز مع صوت الإمام المنبعث من داخل المسجد عن طريق المايكروفون تعلو الكلاكسات، وتقترب، حتى تظن أن العربات ستدهسك وأنت في حالة السجود.

وهكذا تمر دقائق الصلاة ما بين حرارة الحصير البيلاستيك التي تحالفت مع أشعة الشمس لتترك آثار خطوطها القاسية على قدمك، والضجيج والكلاكسات التي تقترب، والخوف من التعرض لحادث دهس، المهم يتعجل المصلون، وبمجرد انتهاء الصلاة يسرع كل منهم للبحث عن حذائه بين الأحذية التي تناثرت بشكل عشوائي في الشارع.

 تذكرت ذلك عندما أطلقت ابنة المتطرف الفرنسي جان لوي لوبان أمس تصريحات وصفت فيها صلاة المسلمين في الشارع بالاحتلال النازي، وهي التصريحات التي دفعت نحو 3 آلاف من مسلمي فرنسا إلى التجمع بمدينة ليون، منددين بتصاعد ظاهرة معاداة الإسلام التي أصبحت واقعا في المجتمع الفرنسي.

 سنوات طويلة وأنا أصلي الجمعة بهذه الكيفية، ولا يوجد حل آخر، وكلما تأملت هذا الشارع الحيوي الكبير بكثافته السكانية العالية، والمليء بالعمارات الشاهقة التي لا يقل سعر الشقة بها عن 300 ألف جنيه، والذي يقع به مبنى حي الهرم، أتعجب، ويتضاعف العجب عندما أعد عدد المساجد بهذا الشارع الطويل فأجدها مساجد قليلة جدا، معظمها عبارة عن شقق أرضية حولها أصحابها إلى مساجد، عدا مسجد واحد أقيم بجوار أحد المدارس الخاصة في بداية الشارع، ورغم حجمه الكبير نسبيا، فإنه غير قادر على توفير المساحة اللازمة للصلاة، فيضطر المصلون إلى اللجوء إلى الحل الوحيد وهو الصلاة في الشارع.

 والعجب يتحول بسرعة إلى الحزن عندما أقارن وضع المساجد في مصر بوضع المساجد في الدول الخليجية، حيث توجد المساجد الكبيرة الواسعة المؤثثة بأفضل سبل الراحة من الموكيت الوثير وأجهزة التكييف، والتصميم الإسلامي المميز، وأعداد المساجد التي تفوق أحيانا أعداد السكان، والذي يدفع بعض الدول إلى تخصيص مساجد معينة لصلاة الجمعة، وإغلاق الباقي، بالطبع لن يصدق أحد حكاية المساجد المغلقة التي يتم إغلاقها يوم الجمعة، لكونها أكثر من حاجة السكان.

 وهنا أتساءل لماذا لا توجد مساجد كبيرة لائقة توفر للمسلم الصلاة في جو روحاني يحافظ على كرامة المسلم، ويوفر له الفرصة في الخشوع والعبادة، لماذا تمر السنوات وأنا كل جمعة أصلي في الشارع، في أجواء شعبية محفوفة بالكلاكسات والضجيج والخطر؟. وهل توجد خطة سنوية لبناء المساجد، أم أن الوزارة المختصة لم تدرج هذا البند الهام في خططتها، واقتنعت بالحديث الشريف الذي يشير إلى أن الأرض كلها مسجد.

 أنا حزين لوضع المساجد في مصر، فرغم احتواء مصر المسلمة على العديد من المساجد التاريخية والأثرية، وتميز القاهرة بلقب "مدينة الألف مئذنة"، إلا أننا لو استحضرنا لغة الأرقام سنكتشف أن المساجد مهما بلغت صغيرة وقليلة لا تفي بحاجة السكان.

ويقدر البعض عدد المساجد والزوايا في مصر بنحو 100 ألف، أكثر من ثلثيها يخضع لإشراف وزارة الأوقاف، وهو عدد قليل جدا بالمقارنة بعدد السكان الذي يقترب من 85 مليون نسمة، وعندما أتحدث عن مساجد مصر سألتزم بالموضوع الذي طرحته، ولن أتطرق لموضوع الأقباط، ومطالبهم بإطلاق حرية إنشاء الكنائس، حتى لا يبدو في الأمر شبهة المقارنة بين المسلمين والمسيحيين، وإن كنت أرى أن من حق أتباع كل ديانة سماوية توفر أماكن العبادة اللائقة.

 عدد المساجد في مصر قليلة، ولا يتناسب مع هوية مصر المسلمة، وكون معظم سكانها مسلمون، ومعظم المساجد المصرية عبارة عن زوايا صغيرة لا يراعي منشؤوها الكثافة العددية للمصلين، حتى المساجد التي حظيت بالاهتمام، وخصصت لها المساحات والأماكن المميزة، فهي في النهاية قليلة المساحة لا تستوعب أعدادا كبيرة من المصلين، لذلك فإن ظاهرة الصلاة في الشوارع ظاهرة مصرية بامتياز.

 ورغم أن هناك تغير في مفهوم بناء المسجد، حيث لجأ منشؤوا المساجد إلى استغلال المساحات وبناء المسجد على هيئة دورين أو ثلاثة ، في شكل أقرب للمجمع الإسلامي الذي يقدم خدمات مختلفة كالعمل الخيري والعيادة الطلية المجانية والأنشطة التطوعية. إلا أن ذلك التوجه المحدود لم ينجح في توفير المكان المناسب لجموع المصلين، واستمرت ظاهرة الصلاة في الشارع.

 هناك مشروع قانون موحد لبناء دور العبادة تتم مناقشته حاليا يرى البعض أنه سيحل مشكلة الاحتقان الطائفي، وشكوى الأخوة المسيحيين من القيود الموضوعة على بناء الكنائس، وإن كان البعض ينتقد هذا المشروع، ويرى أنه يتضمن قيودا على بناء المساجد، وبغض النظر عن وجهات النظر المؤيدة والمعارضة، آمل أن يضع هذا المشروع حلا لكل المشاكل وأهمها مشكلة قلة المساجد في مصر، وعدم تناسبها مع عدد السكان.

 لا أعترض على صلاة المسلم في الشارع عند الضرورة، فقد قال النبي الكريم "جُعلتْ لي الأرضُ مسجدًا وَطهورًا فَأَيما رَجلٍ من أُمتِي أَدركَته الصلَاةُ فلْيصَل"، ولكن الحديث الشريف ليس تصريحا دائما بالصلاة في الشارع، ولكنه يقصد الضرورة، لذلك يجب أن ننتبه، فالمسلمون لا يهوون الصلاة في الشوارع، وعدم وجود مساجد واسعة تسع أعداد المصلين السبب في ذلك، قد نتصور ونتفهم صلاة المسلمين في الشوارع في دول غربية تتضمن أقليات مسلمة مثل فرنسا، واستغراب، بل وامتعاض أصحاب الديانات الأخرى، ولكن لا أتصور أن يحدث ذلك في دولة 94 في المائة من سكانها مسلمون، وفقا لإحصاء عام 1986.

 أرفض استخدام دور العبادة في التعصب أو المغالاة والمقارنة بين طائفة وأخرى، ولكن ما أطلبه هو العدل، ويتمثل ذلك في توفير مكان العبادة اللائق لكل مصري مسلم يحفظ له كرامته، ويوفر له فرصة التعبد السليم.

 النقطة الأخرى هي واجب الدولة المطلوب في بناء المساجد، وأهمية وجود خطط زمنية لتوفير المساجد اللائقة للمسلمين موزعة على الأحياء والشوارع وفقا للكثافة السكانية ، وأن لا نترك ذلك للمحسنين والهبات والمنح المخصصة للمساجد. مصر دولة إسلامية وتوفير أماكن الصلاة من صميم مهامها.

 أليس غريبا أن في مصر بلد الإسلام والأزهر الشريف ومنذ الثورة 1952 لم يتم إنشاء مسجد بها يكون علامة فارقة في التاريخ المصري الحديث، ويكون معبرا عن هوية مصر الإسلامية الحديثة، كمسجد الحسن الثاني في المغرب، ومسجد الشيخ زايد في الإمارات، ومسجد الحريري في لبنان.

 أتمنى أن نفتح ملف المساجد في مصر، والعمل على وجود خطة إستراتيجية لتوفير المسجد اللائق في كل حي، وتطوير المسجد التقليدي من مسجد فقط إلى مركز إسلامي يقدم خدمات متنوعة إسلامية خيرية تعليمية وصحية وتوعوية وخدمية للمحتاجين والفقراء، وأن يتحول المسجد من دور للعبادة إلى دور لخدمة المجتمع ونشر قيم الإسلام الوسطية المعتدلة.

 إذا وجد المسلم مكان العبادة اللائق الذي يحفظ كرامته، ويقدم له الصورة الصحيحة للدين كدين بناء وحياة وعدل ورحمة، لن يكون من السهولة وقوعه فريسة لأفكار الآخرين، وسنضيع بذلك الفرصة على المتطرفين لترويج إسلام آخر وهو إسلام الشارع، وما ينطوي عليه من أخطار ومحاذير وكوارث.

تاريخ الإضافة: 2014-04-14 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1167
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات