تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



زغرودة في المطار | الأمير كمال فرج


كنت في الماضي أتعجب للطريقة التي يودع بها المصريون الأقارب والأصدقاء في صالات السفر الجوي، فأي مسافر يودعه عادة جمهرة من الأقارب، يزدحمون معه في السيارة المتجهة للمطار، وكأنهم مدعوون لحفل زفاف، بينما "المسكين" يكاد يقفز من السيارة من الزحام، وقبل أن يعبر المسافر بوابة التفتيش تنهمر عليه القبلات من الوالدين والخالات والعمات والجيران، وتنسال الدموع في مشهد درامي يقطّع القلب. يسترعي عادة انتباه المسافرين الذين ينخرط بعضهم أيضا ـ على سبيل المساندة الاجتماعية ـ في البكاء.

وهناك مشهد يكثر أيضا عند المصريين، وهو مشهد العروس التي ترتدي فستان زفافها الأبيض، وتصل إلى المطار مصحوبة بالأقارب والجيران في زفة شعبية طريفة، وتجر ذيل الفستان في صالة السفر، حيث تكون العروس مسافرة إلى زوجها الذي يعمل في إحدى الدول، حيث تعيق ظروف العمل في بعض الأحيان العريس عن المجيء إلى بلده لإتمام الزفاف، فيقرر العريس ووالد العروس التغلب على المشكلة، بأن تسافر العروس لعريسها بفستان الفرح.

وتنطلق الزغاريد في المطار ، فتسترعى دهشة المسافرين الأجانب، وتثير فضول المسافرين العرب، وعادة ما تكون استعدادات أخرى قائمة عند الطرف الآخر لاستقبال العروس بالشكل الاحتفالي المناسب، وزفها هي وعريسها من قبل قلة إلى بيتهما الجديد في الغربة، في صورة تثير أحيانا فضول ودهشة أبناء البلد.

كنت أتعجب من هذه الطقوس الحميمة التي يتبعها المصريون عند السفر، وكأن المسافر هذا لن يعود، وإن هذه الرحلة هي رحلته الأخيرة ـ لا قدر الله، وهي صورة لا نجدها ـ بهذه الصورة ـ في الشعوب العربية، ولا نراها مطلقا في الشعوب الأجنبية، .. كنت أتعجب رغم جمال هذه الصورة التي تؤكد مدى الترابط والحميمية التي تربط العائلة المصرية خاصة والعربية عموما.

ولكن عندما برزت منذ سنوات حوادث سقوط الطائرات، وترددت على الساحة المخاوف من مخاطر النقل الجوي، التمست العذر لأهلنا المصريين، وأدركت أنهم ـ رغم المدنية والتطور ـ مازالوا في الوعي الباطن يعتبرون أن ركوب طائرة مغامرة محفوفة بالمخاطر.

وللشعوب العربية طقوس قريبة من ذلك، ومن هذه الصور ما يحدث عند هبوط الطائرة بسلام، حيث يبادر بعض الركاب بالتصفيق، ولا أدرى هل التصفيق تعبيرا عن السعادة بالوصول؟، أم هو تصفيق لقائد الطائرة الذي تمكن من الهبوط ببراعة على المدرج بسلام؟. أم أنه راجع للفرح بالنجاة من الخطر.

وخلال إحدى رحلاتي إلى بيروت استرعت انتباهي مجموعة من الحاجات اللبنانيات يقلن ويرددن في صوت جماعي "صلى الله على محمد .. صلى الله عليه وسلم"، وعندما سألت قيل لي أنها عادة يعرف بها الأخوة الشيعة.

وفي الحج والعمرة هناك طقوس احتفالية في الكثير من الدول العربية سواء في توديع الحاج أو المعتمر المسافر إلى مكة المكرمة، أو العائد منها، ففي السودان مثلا يودعون ويستقبلون الحاج والمعتمر بالدفوف والرايات، وفي مصر يتزاحم الأهل والأصدقاء لتوديع المسافر للعمرة أو الحج، وتتزين البيوت القروية بعبارات دينية، ورسومات الكعبة، وأخرى تسجل رحلة المسافر على الأراضي المقدسة، إضافة إلى وقع الأيادي الملطخة بدماء الذبائح التي تذبح احتفالا بالحاج، ويبالغ البعض في تقبيل المسافر على سبيل البركة، والتماس ـ كما يقال ـ نفحة من نفحات أقدس البقاع.

هذه الطقوس الاحتفالية المدهشة تعبر عن مدى الترابط بين أفراد العائلة والمجتمع، وهو الشيء الذي لا نجده في الغرب الذي يعاني من ضعف الروابط الأسرية والعائلية، وإن كان مشهد توديع شاب لزوجته أو صديقته مألوفا في المطارات الأوروبية، وربما يتخذ هذا الوداع قبلة بين الطرفين تجذب أنظار وحسد المحيطين، وقد يتجاوز الأمر ذلك لبعض الأحضان واللمسات، ويظهر الحبيبان العاشقان وكأنهما في واد آخر.

ومن المشاهد التي لا أنساها من حكايات السفر ما حدث في ميناء جدة الإسلامي عند وصول إحدى البواخر من مصر وعليها مئات الحجاج، وفي استقبالهم أبنائهم العاملين في السعودية، فعندما ظهرت من بين الزحام حاجة مصرية مسنة رفعت يدها لتشير إلى أحدهم، وكان ابنها، الذي اندفع للقاء والدته وتقبيل يديها بحب، وانهالت الدموع الأم والابن، والشيء الأكثر تأثيرا أن الابن حمل والدته المسنة على ظهره بحماس وحب ليخفف عنها عناء المسير.

موائي السفر البرية أو البحرية أو الجوية في العالم العربي تذخر بمواقف إنسانية متعددة في التوديع والاستقبال، وكلها تؤكد ارتباط العربي بالمكان ، وتأثير حدث السفر عليه.

ألهب "السفر" خيال الشعراء، فكتبوا العديد من الأغاني العاطفية المؤثرة التي تدور حوله، ويلاحظ شيوع لفظة المسافر أو السفر في الأغنية العربية، ومن أجمل أغاني السفر رائعة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب التي يقول فيها " يا مسافر وحدك وفايتني/ ليه تبعد عني ليه تبعد عني وتشغلني/ خايف للغربة تحلالك، والبعد يغير أحوالك / خليني دايما دايماً على بالك".

وهناك أغاني تخصصت في استقبال المسافر منها أغنية محمد فؤاد" حمدالله على السلامة.. ياجاي من السفر/ وحشانا الابتسامة .. وشّك ولا القمر"، ومن الأغاني الشهيرة التي تعبر عن الشوق للمسافر، أغنية نادية مصطفى "سلامات سلامات سلامات .. ياواحشنا يابلديات" والتي من شهرتها التصقت باسم المطربة، فلقبت نادية مصطفى بـ "نادية سلامات"، ومن التشبيهات الرائعة التي أذكرها عن السفر بيت لشاعر سعودي يقول "قلبي مدرج والأسى طائرة".

السفر لدينا كعرب ليس مجرد فعل إنساني تقتضيه مقتضيات الحياة، كالسياحة والعمل والتجارة والتزاور والحج والعمرة، ولكنه تجربة إنسانية مؤثرة ومزلزلة، لها تأثيرات عاطفية واجتماعية عديدة، وطقوسنا في التعامل مع السفر وإن اتسمت بالغرابة أحيانا، فإنها علامة على قوة العاطفة العربية وتفاعلها مع كافة مناحي الحياة.

تاريخ الإضافة: 2014-04-14 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1280
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات