تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



إفريقية لا تغني | الأمير كمال فرج


في المرحلة الابتدائية كنا ندرس نصا شعريا بعنوان "إفريقية تغني"، كانت مناهجنا الدراسية تحتفي بإفريقيا وتدللها، وتصفها بـ "القارة السمراء" نشأنا ونحن نعلم أننا ننتمي إلى هذه القارة الحافلة بالجمال والغموض والسحر.. اليوم لم تعد إفريقية كما كانت في المخيلة رديفا جميلا للأمومة والانتماء، لقد أصبحت إفريقية الفاتنة سيدة ناضجة قاسية القلب.

أهملنا افريقية سنوات طويلة، وكما يقول المثل "البعاد يعلم الجفا"، البعاد يميت القلب، ويحول العاشق إلى قاتل، ومن الحب ماقتل، لقد أهملنا طويلا أشقاءنا ذوي الوجوه السمر، وتعاملنا معهم بتجاهل واستعلاء، حتى السودان نصفنا الآخر عاملناه بنفس التجاهل. حتى أوشك على أن يتمزق جسده الإفريقي إلى نصفين.

لم نتذكر إفريقيه إلا عندما اختارها الاتحاد الدولي لكرة القدم لتقام بها مباراة مصر والجزائر، في بطولة الأمم الإفريقية قبل الماضية، هنا فقط تذكرنا السودان، وبدأت إحدى الفضائيات المصرية الخاصة في بث انطباعات الفنانين ومنها حديث للمطربة شيرين آه ياليل وهي توجه كلامها للشعب السوداني وتقول "خلي بالكم من المصريين".

كان قلب مصر قاسيا عندما تجاهل إفريقية كل هذه السنوات، فكان الأمر أشبه بالعاشق الذي هجر حبيبته، فبحثت عن حبيب آخر، لقد نسينا أننا القلب الحقيقي للقارة السمراء، وأن نهر النيل الضارب في جسدها كالشريان العظيم هو الذي يطعمنا ويسقينا، كالأم الرؤوم التي نلقم ثديها فلا تفرق بين ابن وآخر. إذا نسيت احضر خريطة مدرسية وانظر أين نحن، مصر هي رأس إفريقيا وامتدادها الطبيعي نحو العالم.

لم نشهد طوال العقود الماضية نجوما أفارقة في الفن والموسيقى والأدب ينطلقون من القاهرة، لم نشاهد أسابيع ثقافية لبلدان إفريقية تقام في القاهرة وباقي المحافظات، أو مهرجانات سينمائية افريقية، لم نشاهد لقاءات إعلامية وصحفية لقادة أفارقة نتعرف فيها على أفكارهم ورؤاهم، لم تألف عيوننا مشهد القادة الأفارقة وهم يحظون على الاهتمام والتواجد في قاهرة المعز. وإذا أجريت استطلاعا في شوارع القاهرة عن أسماء رؤساء الدول الأفريقية ستكون النتيجة مؤسفة.

وبعد أن كنا نستمع في السبعينيات في القاهرة إلى سيد خليفة في أغنيته الشهيرة "إزيكم"، والبامبو السوداني، ونشاهد فرقة شبابية سودانية اسمها "فيروز"،  وتقرأ لأديب مثل مصطفى عوض الله بشارة، ونتابع في المجلات الثقافية شعراء سودانيين كبار مثل محمد المهدي المجذوب، ومحي الدين فارس،  اختفي الوجه الأسمر من القاهرة. وغابت مصر عن القارة السمراء، وبدلا من أن نتوجه إلى الجذور الضاربة، اتجهنا للخارج كالنبت الذي ترك أرضه ليبحث عن أرض غريبة،  فلم يجد إلا العطش والبوار.

في الوقت نفسه التي غابت فيه مصر عن إفريقيه ، شهد حضورا لوجه آخر وهو إسرائيل، ولسنا بحاجة إلى إثبات حجم التواجد الإسرائيلي في إفريقيا والذي تطور في سنوات قليلة، وكان له تأثيرات خطيرة، والتي اعترف بها رئيس الموساد نفسه، وكانت أصابع إسرائيل موجودة دائما في أكثر الملفات الإفريقية خطورة ومنها انفصال جنوب السودان، وترحيل يهود الفلاشا، ومشاريع المياه، وليس مستبعدا أن يكون محرك عرائس أزمة النيل هو إسرائيل التي هي صاحبة المصلحة الأولى في تهديد مصر وإضعافها وخنق شريان الحياة فيها.

لم نتذكر إفريقية إلا بعد أن وقعت الفأس في الرأس كما يقول التعبير الشعبي، ووقعت خمسة من دول حوض النيل وهي رواندا وتنزانيا وأوغندا وإثيوبيا وكينيا من أصل دول الحوض العشرة على اتفاقية جديدة بشكل منفرد بمعزل عن مصر والسودان لتقاسم مياه نهر النيل بالتساوي، والذي تنهي بموجبها الاتفاقيات التاريخية التي كانت تمنح مصر والسودان نصيب الأسد من مياه النيل.

حتى هذا الوضع الأمنى الخطير تعاملنا معه بنفس اللامبالاة، ونفس الاستعلاء والثقة الكاذبة.. وخرجت البطانة لتقلل من الأمر الجلل، لتردد في نفس واحد وبجملة واحدة وهي "هل نهر النيل سيتوقف بكره؟".

وخرج مسؤول يتحدث عن قوة الوضع القانوني لمصر، وقال آخر أن هذه الاتفاقية التي وقعتها سبع دول أفريقية لا تضر بالوضع المائي لمصر، ولكن كل الشواهد كانت تدل على أن الوضع خطير، وبدأ تأثير الأزمة مبكرا، حتى قبل أن يبدأ سريان الاتفاقية الأفريقية، ظهر ذلك في القيود التي وضعتها الحكومة المصرية على زراعة الأرز، مما هدد المحصول الأكثر شعبية. وخرج مسؤول آخر يتحدث عن "خطط للتوسع في تحلية المياه".

علامات كثيرة كانت تشير إلى هذه الأزمة، وأجهزة إنذار قوية كانت تدق في آذاننا، ولكننا تجاهلناها وتعاملنا معها بنفس منطق الاستعلاء، عشرة سنوات ونحن نتفاوض مع أثيوبيا في موضوع اقتسام عادل لمياه النيل، ألا  تكفي عشر سنوات كاملة لندرك الخطر الذي يدق على الأبواب.

منذ عشرين عاما كنت أعمل في إحدى المجلات، وكان يعمل معي زميل سوداني وآخر سنغالي، وكنا عندما يحتدم النقاش حول أحد الموضوعات ، كان الزميل السنغالي يقول بعربية مكسرة ـ وهو يقصد نفسه وزميله السوداني ـ "نحن أفارقة" ، الكثير من الأخوة الأفارقة لا يعتبروننا أفارقة، وينظرون إلينا على أننا نسرق مياههم، ربما كان السبب عنصرية جغرافية أو عقدة نفسية راجعة لاختلاف اللون البشرة، ولكن ربما يكون الأمر لفجوة عميقة كانت تتعمق بيننا منذ عشرين سنة شيئا فشيئا دون أن ندري.

أدركت مصر عبدالناصر قيمة العمق الأفريقي، وساندت حركات التحرر الأفريقية، وكان ناصر لدى الكثير من الشعوب الأفريقية "أبو إفريقيا" فماذا حدث بعد وفاته، وكيف تحول الصديق إلى عدو، والأب إلى زوج الأم.

حتى في ظل الأزمة الخانقة ، مازلنا نكابر، ونؤكد أننا موجودون في أفريقيا ، كما قال مصدر حكومي ـ لم يكشف عن اسمه ـ في تصريح صحفي أخير، .. التواجد لا يعني تواجد سفارات وقنصليات، التواجد الحقيقي يعني الشراكة والتعاون والفهم المشترك.

حتى عندما تحدث مليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا التي ينبع منها حصة مصر المائية مؤخرا مشيرا ـ لأول مرة ـ عن حرب حول المياه، وقال أن "مصر لا تستطيع كسب حرب حول المياة" ، وقال أن "مصر تدعم جماعات متمردة لزعزعة البلاد"، خرج المسؤولون يؤكدون أن علاقتنا مع أثيوبيا طيبة. وكأن الرجل يهزر.

الأمن المائي المصري في خطر، وقد ذكر تقرير دولي أن مصر من بين أربعة دول مهددة بالفقر المائي في العالم، والعلاقات المصرية الأفريقية أصبحت تشبه العلاقة بين توم وجيري، وإسرائيل تتوغل في القارة السمراء كما يتوغل الدود في التفاحة. ولكن المسؤولون يؤكدون أن الأمر تحت السيطرة، وأن "مياه النيل لن تتوقف بكره".

"أبو أفريقيا" مات، وإفريقيا لم تعد تغني، تعلمت القسوة وتحولت إلى سيدة أعمال تبحث عن الربح، أتمنى أن ننتبه ونتدارك الأمر بسرعة، حتى لا يأتي اليوم الذي نصبح فيه مثل الدول التي تعاني من شح المياه، ويحصل المواطنون بها على المياه المحلاه بالمقطورات، وتتحول مصر من "هبة النيل" وفقا لمقولة هيرودوت إلى "هبة مشاريع التحلية".


تاريخ الإضافة: 2014-04-14 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1095
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات