تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



المادة الثانية | الأمير كمال فرج


كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن "المادة الثانية" من الدستور المصري، وهي المادة التي تنص على أن "الشريعة الإسلامية مصدر التشريع"،  ورغم أن الحديث حول هذه المادة كان يظهر ثم يختفي .. فإنه مع ثورة 25 يناير ، وبدء الحديث عن دستور جديد للبلاد،  كثر الحديث عن هذه المادة، وظهرت صفحات ومجموعات على الـ "فيس بوك" تنادي بإلغائها.

والمنادون بإلغاء هذه المادة ووفقا للواقع أغلبيتهم من المسيحيين، إضافة إلى مجموعة قليلة من المسلمين، الفئة الأولى ترى أن وجود هذه المادة هضم لحقوقهم، ويطالبون بدولة مدنية علمانية لا دخل للدين بها. أما المجموعة الثانية فمعظمهم من الليبراليين أو غيرهم الذين يرون أن مصر لا يجب أن تكون دولة دينية، لأن ذلك يتعارض مع مسببات العلم ومقومات التطور.
 بالطبع لن أتهم المعارضين لهذه المادة، أو أخوّنهم، فلكل مواطن الحق في أن يبدي رأيه، ولكني سأتبع معهم سبل النقاش الحر الذي تنادي به الديمقراطية التي جاءت من أجلها الثورة . ومن أجلها سقط الشهداء.

عدد السكان المسلمين وفقا لأقل الإحصاءات لا يقل عن 92% . رغم وجود إحصاءات تشير إلى أن عدد المسيحيين بين 6%: 10% . أي أنه في حالة صحت النسبة الأولى سيكون عدد سكان مصر المسلمين 94% .

والقلة هنا لا تعني التقليل من شأن الإخوة الأقباط، كما أن الكثرة لا تعني تعظيما للإخوة المسلمين، فالمواطن المصري يكتسب قيمته ليس بعدده، ولكن بكفاءته وأدائه، وكلنا مصريون، ولا يوجد قانون أو حتى عرف في التاريخ المصري يؤيد التفرقة بين المصريين على أساس الدين، وإذا وجد، فهو أمر مستهجن ترفضه العقلية الجمعية للمصريين بمسلميهم ومسيحييهم.

المواطنون المصريون سواسية أمام القانون، وليس لدينا محاصصات طائفية يكون فيها العدد فيصلا في الوظائف والمكاسب الاجتماعية والسياسية، كما يحدث في بلدان أخرى.   والتاريخ أثبت أن المسيحيين كانوا دائما متشابهين في المشكلات، فكما أن للمسلم مشكلاته، المسيحي أيضا له مشكلاته، ورغم أن مظالم المصريين كثيرة بالنظر إلى عددهم، فقد تشارك المسيحيون والمسلمون في السلم والحرب، والتعب والمعاناة. فلم تفرق المشكلات الاجتماعية والسياسية بين مسلم ومسيحي، وقد تجلى ذلك في مواقف عدة، أبرزها نزول المسيحيين للشارع ومشاركتهم في مظاهرات 25 يناير2011، رغم موقف كنيستهم التي رفضت المظاهرات، وأيدت الرئيس السابق، وأيدت من قبل مبدأ التوريث.

 استخدم النظام السابق المسيحيين كورقة سياسية، وحاول أن يلعب بالنار عندما خيّر المصريين بين نظامه الفاسد والفوضى، وفي أحيان أخرى خيّرهم بين نظامه الفاسد والفتنة الطائفية. إلا أن قوة العلاقة بين الطرفين كانت دائما أقوى من أي مؤامرة.

الكنيسة المصرية والنظام السابق يتحملان مسؤولية تاريخية في زيادة الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين، والأدلة على ذلك كثيرة، فرغم الخطاب الديني المتسامح للكنيسة، اتخذت الكنيسة مواقف متشددة، أثارت حنق المسلمين، ومنها موقفها تجاه كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، ورغم الأخطاء الفادحة لكل من الكنيسة والنظام، ظلت العلاقة بين الطرفين أقوى، وكلما اشتعلت نيران الفتنة بين الطرفين أخمدتها طبيعة المصريين المتسامحة، والثوابت الاجتماعية الراسخة التي لا تفرق بين مسلم ومسيحي.

 المسلمون يمثلون أكثر من 90% من السكان في مصر، ونسبة المسلمين والمسيحيين هنا لا نذكرها لترجيح فئة على أخرى، ولكنها  معلومة أساسية يجب أن ينبني عليها الحوار. عندما نشأت المجتمعات في مرحلة القبيلة وما قبلها، وقبل ظهور الهيكل المدني الحديث، بحث الإنسان عن قانون ينظم الجماعة، ويدير شؤونها، فوضعت كل جماعة قانونها المجتمعي الخاص، هذا القانون الناتج عن ثقافتها وعاداتها ومعتقداتها الخاصة. وكان لقانون الجماعة قوة القانون الوضعي الموجود هذه الأيام.

 من هنا ظهرت لكل جماعة قوانين اجتماعية تسري على كل فرد منها، ومن الطبيعي أن يأتي هذا القانون وفقا لرغبة الجماعة، فلا يمكن مثلا لجماعة أن تستورد قانونا من جماعة أخرى لا تنتمي إليها، لقد كان القانون الجماعي دائما معبرا عن روح الجماعة، وهويتها، ومعتقداتها الخاصة. حتى لو كانت بعض ملامح هذا القانون غريبة أو غير مألوفة كما نرى في بعض العادات القبلية.

ومع افتراض وجود شيء من الديمقراطية في هذه الجماعات، فإن الآراء لا بد أنها طرحت، وأخذت الجماعة بالرأي السائد، وهو هنا رأي الفئة الأكبر من الجماعة.

  اختار المصريون ومعظمهم من المسلمين الإسلام ليستمدوا منه أحكامهم، ولهم الحق في ذلك. باعتبارهم الفئة الأكبر عددا التي تعتبر المقوم الرئيسي، والأكبر من هوية البلاد.

وتطبيقا على الحالة المصرية، لو كان 90% من  المصريين مسيحيين، لن نستنكف أو نعترض إذا وضعت الدولة في دستورها مادة ثانية تقول "المسيحية  مصدر التشريع".

 أتفهم هواجس الإخوة المسيحيين من تحول مصر إلى دولة دينية، ولكن إذا نظرنا إلى مصر الحديثة منذ ثورة يوليو 1952 وحتى الآن سنجد بسرعة أن مصر كانت طوال هذه السنوات دولة مدنية حديثة.

حتى بعد إضافة المادة الثانية للدستور عام 1971 ظلت  مصر دائما دولة مدنية حديثة تأخذ بكفة أسباب العلم، وكان القانون الساري فيها هو القانون الفرنسي، لذلك فإن خوف المسيحيين من تحول مصر إلى دولة دينية متشددة تضيع بها حقوقهم خوف غير مبرر. التاريخ يثبت أيضا أنه لم تحدث مرة أن طبق قانون إسلامي أو مستمد من الشريعة الإسلامية على مسيحي، لقد كان للأقباط دائما مرجعيتهم الدينية المستقلة المستمدة من شريعتهم، في الزواج والطلاق وغيرهما، وهو أمر لا يرفضه المسلمون ، فالآية الكريمة تقول "لكم دينكم ولي دين".

أما بالنسبة للقوانين العامة غير المتعلقة بالعقيدة، فقد ظل المسيحيون والمسلمون يخضعون لقانون واحد. وهو أمر طبيعي. فالجميع سواسية أمام القانون.

ظلت هواجس المسيحيين من "المادة الثانية" غير مبررة، وغير مؤسسة على عناصر منطقية، وكانت مطالباتهم بتغيير المادة الثانية مجرد تعبير عن تعصب، أو الغيرة المشروعة، أو النزعة البشرية الطبيعية لإثبات الذات، وتعويض للنقص الذي شعروا به في الحقوق، وهو نفس النقص الذي شعر به المسلمون في ظل نظام سابق أخل بالعدالة الاجتماعية، ولعب بورقة الفتنة بين الطرفين لأهداف سياسية.

 أنا واثق أن مطالبة المسيحيين بإلغاء المادة الثانية ليس سببه الخوف من ظهور دولة دينية متشددة تضيع فيها حقوقهم، ولا رغبتهم في أن تكون مصر دولة علمانية حديثة بقدر ما هو دافع مرده التعصب الديني الذي يستنكف أن يحصل الطرف الآخر على ميزة. حتى ولو كانت هذه الميزة من حقه كأغلبية.

 المطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدستور سواء بدرت من مسيحي أو مسلم محاولة للوقوف أمام التاريخ، وأمام هوية مصرية إسلامية خالصة، وعقيدة مجتمعية ثابتة من الصعب تغييرها.

وهي أيضا جرح لمشاعر المصريين الذين توازي العقيدة  عندهم التاريخ والحاضر والمستقبل، لذلك ليس من الحكمة إهانة المعتقد الجمعي للمسلمين بالمطالبة بإلغاء نص دستوري يعبر عن هويتهم. لأن ذلك ـ مع تمسكي بمبدأ الحوار والديمقراطية ـ سيكون كمن يستفز الأسد في عرينه.

لن يرضى المسلمون بحذف هذه المادة من دستورهم، حتى غير المتدينين منهم سيقفون أمام ذلك، لأن حذفها سيعد اعتداء على أهم ما يملكه إنسان وشعب وهو الهوية.

 وحتى نقدر ردة الفعل تصور لو أن المسحيين كانوا مكان المسلمين، وكانت المادة الثانية تقول إن المسيحية مصدر للتشريع، وطالب المسلمون بتغييرها، لكانت ردة الفعل واحدة.

 المادة الثانية من الدستور يجب أن تبقى، حتى لو كان وجودها خطأ، ـ وهذا مجرد افتراض ـ ، لأن المساس بها مساس بكرامة المسلمين المصريين، واعتداء على هويتهم، وهو ما لن يقبله أحد.

 مصر دولة إسلامية مدنية متعددة الأعراق، فهي بلد المسلم والمسيحي واليهودي،  وحرية الاعتقاد مكفولة للجميع، وأكبر خطأ يرتكبه مسيحي أو مسلم  أو لاديني هو المطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدستور، ففي بلد 90% من مواطنيه مسلمون، سيكون أقل رد فعل لتغيير هذه المادة هو تعصب المسلمين وربما تطرفهم، حتى الإخوان سيتشددون، ويحكمون مصر، لتصبح مصر دولة إسلامية متشددة، وسنعرف لأول مرة مصطلح "الطائفية" التي اكتوت به البلدان.
تاريخ الإضافة: 2014-04-04 تعليق: 0 عدد المشاهدات :955
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات