تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الكثرة المندسة | الأمير كمال فرج


من أكثر المصطلحات شيوعا هذه الأيام تعبير "القلة المندسة"، وهو تعبير انتشر في البداية في مصر قبل الثورة، وبالتحديد بعد انتخابات مجلس الشعب العام الماضي 2010 ، والتي أسفرت عن إخراج المعارضة من المجلس إلى الشارع، بعد عملية تزوير مفضوحة لإرادة الشعب، ترتب على ذلك قيام الأعضاء المفصولين سواء من المعارضة أو من الحزب الوطني الحاكم بإنشاء برلمان مواز، وأصبح البرلمان المغضوب عليه ـ بتوجيه حكومي في الغالب ـ يوصف  بـ "القلة المندسة".

واستخدم النظام السابق هذا التعبير في وصف كل فئة معارضة، .. كلمة "قلة" هنا كان الهدف منها التقليل من عددهم، وبالتالي الإيحاء ـ بالطبع ـ بأن الكثرة الكاسحة مؤيدة للحزب الوطني هاتفة بإنجازاته وأمجاده. أما كلمة "المندسة" فالمقصود بها التآمر والتخريب،  فهذه القلة المعارضة ـ من وجهة نظر النظام ـ تندس كما يندس الجواسيس بين الجموع الوطنية الشريفة النزيهة، لتشوه الصورة وتفسد الفرح.

 تأمل معي تعبير "المندسة" الخبيث، ستستدعي بسرعة ـ كما يحدث في أفلام الأبيض والأسود ـ  مشهد مجموعة من البلطجية الذين يندسون بين المدعوين في أحد الأفراح لكي يفسدوه،  وفجأة تتطاير الكراسي،  ويظلم المكان.

"القلة المندسة" تعبير انطلق من مصر، لنراه فجأة في اليمن ، ثم سورية،  وليبيا، ثم البحرين، وهكذا استنسخ اللفظ ليظهر في كل دولة شهدت احتجاجات شعبية، ولأن الأنظمة المستبدة تقلد بعضها، فقد استخدمت نفس التعبير في وصف الثوار الذين خرجوا فرادى وجماعات مطالبين بالحرية.

 حاول الديكتاتوريون العرب التقليل من "حجم" الثورات سواء المعلنة أو الصامتة، أو تلك التي تمور في الداخل، بوصف أصحابها مرة بمدمني المخدرات، ومرة بالجرذان، ومرة ثالثة بالبلطجية أو "البلاطجة" كما يوصفون في اليمن الحزين، أو بالقلة المندسة المأجورة التي تحركها "أصابع خارجية".

 نظرية المؤامرة العربية الشهيرة مازالت تعمل في العقلية العربية، فالعربي يحيل فشله إلى ثلاثة .. القدر، والسحر، والمؤامرة، وعندما فوجئ الحكام بشعوبهم تستيقظ،  وتنهض، وتثور مطالبة بحقوق أساسية حرموا منها طويلا، وعلى رأسها الحرية. كانت "المؤامرة" الشماعة التاريخية الجاهزة.

 يقول الشاعر "وكل لبيب بالإشارة يفهمُ"، ولكن يبدو أن الحكام الطغاة لم يفهموا،  حتى عندما قال زين العابدين بن علي في خطابه الأخير قبل الهرب "فهمتكم" لم يكن قد فهم بعد، والدليل القمع الذي يمارسه الرئيس السوري بشار الأسد، والذي لم يع درسين واضحين، ونهاية اللذين سبقاه ..  بن علي ومبارك.

 شعر الديكتاتوريون العرب بالإحراج. بعد أن ظلوا لعقود يصورون أنفسهم كآلهة تحيطهم الجماهير المؤيدة، ويقدمون أنفسهم للعالم في صورة الحكام الذين يحكمون بإرادة الشعوب، لتنفجر الثورات العربية فجأة، فيكتشف الجميع أن هؤلاء يحكمون بإرادة الأجهزة الأمنية.

 سلاح "المؤامرة" كان دائما الأسلوب الإعلامي للطغاة في مواجهة النشطاء والمعارضين، فوصفوا صاحب أي رأي معارض بالخائن، والعميل المدفوع والمدعوم من منظمات خارجية هدفها ـ وفقا للتعبير الحكومي المسرحي ـ  تقويض الوطن ومكتسباته .

 الغريب أن "القلة" التي ظل الطغاة يصفونها بـ "المندسة" كانت في الحقيقة "كثرة"، ففي ثورة مصر لم يخرج مئات للاحتجاج، أو كما زعم  الدكتور عليّ الدين هلال أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني بأن عددهم 40 ألفا، ولكن خرجت ملايين سدوا أعين الشمس، مطالبين بسقوط النظام، وفي اليمن خرجت أيضا الملايين تطالب بتنحي صالح وأتباعه، وفي سورية كان عدد المحتجين بالآلاف في مدن عدة، فهل أصيبت هذه الأنظمة الفاشية بالعمى، فلم تر هذه الملايين الغاضبة المتظاهرة التي تنادى بالحرية؟.

المؤسف أن بعض المواطنين العرب تأثروا بالخطاب الديكتاتوري المضلل، وراحوا يروجون لأسطورة "أمنا الغولة" .. ، ونظرية المؤامرة، وحكاية "الأصابع الخارجية" التي تحرك الثورات كمسرح العرائس، فتثير الفوضى، ومازال هؤلاء المواطنون يغرسون رؤوسهم كالنعامة في الرمال، ويزيفون التاريخ، ويدعون أن الثورات العربية حركتها مؤامرات خارجية.

مازال البعض يتعامل مع الشعوب العربية كشعوب جاهلة يمكن أن تدار بـ"الزمبلك"، فتخرج من المنازل، وتمشي وهي نائمة، وتتظاهر دون إرادتها. أتعجب من هذه الرؤية القاصرة التي نتوقعها من الأنظمة الديكتاتورية، أو المستفيدين من هذه الأنظمة وهم بالملايين، ولكن لم نتوقعها أبدا من مواطنين عاشوا طويلا تحت الأرض .

نشأت معظم الشعوب العربية على أن الحاكم ظل الله في أرضه، وأن الخروج عليه "حرام"، فاستمرأت الشعوب المقهورة القهر والظلم، واعتادت الطاعة، فأصبح من الصعب عليها أن تنهض، وتفرد قامتها المنحنية، وتتحدث بثقة وندية، وتطالب بحقوقها.

 افتقدت الشعوب العربية لسنوات طويلة "ثقافة الثورة"، ونشأت على العبودية الأنيقة، وأعني بها المواطن الذي يحصل على حقوقه المعيشية، ولكنه يحرم من حقوقه السياسية،  له الحرية في أن يتحرك، ولكن في إطار القيد الملفوف حول عنقه. لذلك فإن لهذه المشكلة بعداً ثقافيا.

 الشعوب العربية تنهض، وتسطر أجمل ملاحم العزة والكرامة، وتفتح بأياديها وأظافرها نفقا نحو الشمس، ولكن البعض مازال يضع رأسه في الطين، ويدعي أن "الثائر" مغرر به، وأن "الدماء" ميكروكروم، وأن "المتظاهرين" باعة جائلين، وأن "الشهداء" ضحايا حوادث مرورية.
تاريخ الإضافة: 2014-04-04 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1000
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات