تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الأسرة المفقودة


وإذا كان المجتمع في الدنمارك يشجع ويرحب بإقامة العلاقة غير المشروعة بين الجنسين،  والمتجسدة في وجود "البوي فرند" و "الجيرل فريند"، فإنه من البديهي أن الزواج كفعل اجتماعي مهم سينحسر ويقل، لقد تأملت العلاقة بين الشاب والفتاة بهذا الشكل، وحاولت أن أجد تبريراً منطقياً لها، فلم أجد، ولكني استخلصت أن مثل هذه العلاقة نتاج للشتات الأسري، وعدم وجود كيان الأسرة بمفهومها الصحيح، أب وأم وأبناء، يعيشون في مكان واحد، مترابطين ارتباطاً وثيقاً طوال العمر، الأب والأم عليهما واجبات تربوية تجاه الأبناء، والأبناء عليهم واجبات إنسانية وعاطفية تجاه الآباء، لذلك كانت هذه العلاقة الشاذة "البوي فريند والجيرل فريند" تعويضاً لافتقادهم روح الأسرة.

جمعتني الظروف هناك للحديث مع امرأة دنماركية لم تر أباها منذ أحد عشر عاماً، والمقصود هنا أباها الحقيقي، لأن هناك أب آخر، وهو أب بالتربية، وهو زوج الأم مثلاً، أحد عشر عاماً ولم تر والدها منذ أن انفصل عن أمها، وقتها سافر الأب إلى أيرلندا،  وتزوج هناك وأصبحت له أسرة، وانقطعت السبل بينه وبين ابنته حتى الاتصالات التليفونية انقطعت بينهما، حدث هذا رغم علم الابنة بمكان والدها، وبرقم هاتفه، ورغم عدم وجود خلافات اجتماعية.

تعجبت من هذا الوضع الشاذ، وناقشتها كثيراً حوله، أخبرتها أننا في مصر لا يمكن أن يحدث هذا مطلقاً، لأن الترابط بين أعضاء الأسرة قوي، وسألتها: "لماذا لا تتصلين به الآن؟"، وأكدت لها أن ردة فعله ستكون رائعة، أحمر وجه الفتاة وتوترت وقالت : "لديك حق، أنا ابنة سيئة"، وبالفعل تناولت سماعة الهاتف وحدثت والدها أمامي، وكانت مكالمة مؤثرة أعادت إلى وجهها الحياة، بعد انتهاء المكالمة، التفتت إلى وقالت بامتنان بالغ : "شكراً لك".

بذلك نقترب جداً من صلب المشكلة، ونقول إن العلاقة بين الشاب والفتاة التي تندرج تحت مسمى "البوي فريند والجيرل فريند" ليست فقط علاقة عاطفية أو جسدية، إنها علاقة أسرية (صناعية) يحاول فيها الاثنان تعويض ما افتقداه من حطام الأسرة، ويكشف عن روح قلقة ونفس ضائعة.

فالفتاة الصغيرة التي تنفصل عن الأسرة لأسباب اجتماعية مختلفة، وتدخل في مثل هذه العلاقة التي يرحب بها ويشجع عليها المجتمع، تحتاج إلى شخص يعوض غياب الأب والأم والأخوة، فلا تجد ذلك إلا في "البوي فريند"، كذلك الشاب لا يجد ما افتقده من أب وأم وأخوة وعلاقات أسرية مترابطة إلا في "الجيرل فريند"،  فتنشأ هذه العلاقة السهلة البسيطة.

الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بمفرده، لذلك يلجأ إلى اختراع الأسرة بعد أن فقدها، وكما يقول الشاعر نزار قباني:
الحب بعض من تخيلنا
إن لم نجده لاخترعناه

ورغم قاعدة "إذا بليتم فاستتروا"، يجهر المجتمع بهذه العلاقة، ويعلنها بدافع نفسي قوي، يحدث هذا رغم أن المملكة الدنماركية بلد مسيحي، ولا أعتقد أن المسيحية وأي من مذاهبها الصحيحة تبيح هذه العلاقة غير الشرعية، يعتقد البعض من المسيحيين أن المسيح عليه السلام صلب على  الصليب، فكان بذلك فداءً لقومه، وأنهم مهما ارتكبوا من ذنوب في الدنيا لن يحاسبوا عليها، وذلك بالطبع لا تقره المسيحية الحقيقية التي لا يعرفها أحد.

قال لي أحد الأصدقاء العرب المقيمين هنا: "أن "الزواج" كحدث قرار لا يتخذ بسهولة، لأنه يعني المسئولية، ولا يقدم عليه إلا القادرون على تحمل هذه المسئولية، كذلك قرار الإنجاب، فهو من القرارات التي لا تتخذ بنفس السهولة، لأن ذلك يمثل مسئولية مضاعفة".

وإذا كان الزواج نفسه قليل،  فإن الطلاق والانفصال كثير، ففي ظل عدم وجود الروابط الوثيقة التي تربط عناصر المجتمع يصبح الانفصال سهلاً، وإذا حدث الطلاق أو الانفصال، لا مشكلة، تظل علاقة الأب بأطفاله علاقة جيدة، في كل أسبوع يأتي لمنزل مطلقته، ويأخذ أطفاله في نزهة، وتمضي الحياة بلا مشاكل.

في الطابق الأعلى من البناية التي كنت أقطن بها تقيم سيدة مطلقة لها ولدان، تعيش حياتها بهدوء، الابتسامة لا تفارق وجهها، زوجها السابق يأتي كل أسبوع بسيارته، ويأخذ أطفاله في نزهة أسبوعية في ضواحي المدينة، ثم يعيدهما في آخر اليوم.

ولكني لاحظت في الشعب الدنماركي حباً غير عادياً للأطفال، فإذا دفعت عربة بها طفل،  وتجولت في أحد الأسواق سوف تلاحظ –بشكل لا تجده في المجتمعات الأخرى- أن الجميع الفتيات والشبان وكبار السن يبتسمون له ويداعبونه، بل يستأذن بعضهم ويحمله ويداعبه،  ثم يعيده إليك مصحوباً بنظرة حنان غريبة، مما يؤكد الشوق الجارف للأمومة والأبوة، وربما يحدث هذا لأن سبل تحقيق هذه الأحلام ليست ميسرة وطبيعية، ولكن الغريب أنني لم أشاهد طوال إقامتي هناك حاملاً .. لماذا .. لست أدري ..؟

تاريخ الإضافة: 2017-05-28 تعليق: 0 عدد المشاهدات :672
0      0
التعليقات

إستطلاع

هل سينجح العالم في احتواء فيروس كورونا ؟
 نعم
68%
 لا
21%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات